loading ad...
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الفرضية الثالثة موجودة هنا مُسبقًا: العالم أصبح مختلفًا فعليًا... في أوروبا، التي ما تزال منقسمة ولكنها منجرّة بشكل لا يقاوم إلى سيناريو ألماني غير مطمئن بشكل خاص. وسوف يواجه أولئك الذين يريدون الخضوع التام للولايات المتحدة هذا السيناريو الذي أدركت فيه ألمانيا أن الضربات كانت موجهة ضدها بشكل أساسي، وإنما التي يغريها بشدة الخيار الهتلري القائم على الإفراط في التسلح وزيادة هيمنتها على ما هو بالفعل مجالها الاقتصادي، دول الاتحاد السوفياتي السابق.اضافة اعلان
إننا نتبنى سياسة ميركل، وإنما مع صناعة الأسلحة في المقدمة، وعندما يتم تصنيع الأسلحة، فإن ذلك يكون لاستخدامها. وقد دعت فرنسا ماكرون في أحلامها المصابة بوهم العظمة إلى هذا الانقسام الإمبريالي في الوقت الذي ما تزال فيه أوروبا تقسم القارات، كما لو أن من الممكن إعادة عرض الحرب العالمية الثانية. ولأن ما هو على المحك لم يعد العالم متعدد الأقطاب، لم تكشف الأزمة عن وجودها واستحالة العودة إلى الوراء فحسب، بل عن معنى هذا العالم نفسه: عالم تحاول فيه الإمبراطوريات أن تولد من جديد في غياب القانون الدولي، والصراعات المحلية، ونظام دولي يعمل -على النقيض من ذلك- على فرض المفاوضات وقانون الدولة. الإمبريالية في مقابل الاشتراكية. يجب علينا الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن نطالب بالسلام، مدركين أنه ليس "طبيعيًا" وأن الحرب هنا.
-دانييل بليتراش (1)
* * *
لا يصنع ترامب ثورة في الولايات المتحدة فقط؛ إنه يدبر انفجارًا عالميًا. ومع ذلك، فإن الحرب التجارية الشاملة التي أعلنها الرئيس الأميركي للعالم لها الهدف نفسه: تحويل أميركا من الداخل؛ تجديد بنيتها التحتية، وتنشيط الصناعة، وتقوية الاقتصاد ككل، وتغيير مكانتها في العالم. إنه يريد حقًا "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، حتى لو كان ذلك يعني إحداث فوضى في جميع أنحاء العالم. هل سينجح، وماذا ستكون العواقب على البلد والعالم؟ ليس من الناحية الاقتصادية فحسب، ولكن أيضًا من الناحية الجيوسياسية، لأن هذا هو النظام العالمي المستقبلي الذي نتحدث عنه.
سواء نجح ترامب في مسعاه أم لا، لن يكون العالم هو نفسه مرة أخرى -ليس لأن ترامب رفع التعريفات الجمركية، ولكن لأنه بهذا الإجراء، أنهى هذه الحقبة الحالية من العولمة. كلا، إنها لم تمت بعد كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ستارمر، لكنها على مفترق طرق: عملية العولمة يمكن إبطاؤها، إيقافها مؤقتًا، بل وحتى تسريعها. كل شيء ممكن الآن لأن النظام القديم قد انهار، والنظام الجديد يتشكل في ظروف اضطراب متزايد.
بينما تشهد الأسواق العالمية انهيارًا مشابهًا لذلك الذي حدث عند بداية الوباء أو الأزمة العالمية للعام 2008، تسود مشاعر التشاؤم -حتى بعض مؤيدي ترامب من المليارديرات يقترحون وقفة لما يسمونه "حربًا اقتصادية نووية مع العالم". لكن ترامب لن يتراجع -لقد تم إلقاء حجر النرد ولم يعد ثمة مجال للتراجع. فما الذي يخبئه المستقبل؟
إذا سارت الأمور وفقاً لأسوأ سيناريو لترامب، فسوف يخسر هو وأميركا. سوف تصبح الحرب التجارية مع العالم بأسره حقيقة واقعة. سوف تنخفض الإيرادات الأميركية، وسيبدأ الركود، ويرتفع التضخم بشكل حاد، وسيتراجع الاقتصاد -ومعه شعبية ترامب. عندئذ سيصبح كل شيء واقع في أزمة، وستدخل الولايات المتحدة في الدفاع التجاري وشبه اكتفاء ذاتي -وسيبدأ الدولار في فقدان موقعه كعملة تجارية واحتياطية. سوف يخسر ترامب انتخابات التجديد النصفي العام المقبل بأغلبية ساحقة وسيخسر الكونغرس. وفي العام 2028، سيتم انتخاب ديمقراطي يساري عالمي النزعة رئيسًا وسيحاول عكس هذا الاتجاه، واستعادة الوحدة الغربية، واستئناف عملية العولمة الأنجلو-سكسونية. ولكن بحلول ذلك الوقت، سيكون العالم قد تغير مرة أخرى: سوف تؤدي الحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة إلى توطيد العديد من مراكز القوى الإقليمية (الاتحاد الأوروبي، و"رابطة دول جنوب شرق آسيا" (آسيان)، وجنوب آسيا بقيادة الهند)، ولن تصبح الصين القوة التجارية والاقتصادية الرائدة في العالم فحسب، وإنما القوة الدافعة لنسخة جديدة متعددة الأقطاب من العولمة أيضًا. سوف تضطر الولايات المتحدة إلى التكيف مع النظام الجديد الناشئ أو محاولة كسره بالقوة العسكرية (من خلال إثارة حرب، لن تكون تجارية، مع الصين).
سيكون من شأن تحقق السيناريو المعاكس أن يؤدي إلى انتصار ترامب: سوف تمتثل معظم الدول لمطالب الولايات المتحدة بخفض الرسوم الجمركية. وسوف تستفيد الولايات المتحدة من زيادة غير مسبوقة في الاستثمار في اقتصادها، في المقام الأول في قطاع التصنيع -سيبدأ بناء المصانع وأحواض بناء السفن وإعادة إطلاقها. سوف تزداد الصادرات الأميركية -ستشتري الدول التي تضطر إلى موازنة تجارتها مع الولايات المتحدة كل شيء، من الغذاء إلى الأسلحة. ولن تتمكن الصين من إعادة توجيه تدفقات صادراتها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى أزمة اقتصادية محلية ويجبرها على تقليص أنشطتها الخارجية. سوف تصبح أميركا أقوى. سيتم تقليل اعتمادها على الواردات، وستزداد قوة نفوذ الدولار، وستستعيد الولايات المتحدة مكانتها في السياسة الخارجية إلى مستوى "شبه الهيمنة". وفي الوقت نفسه، سوف يعيد ترامب بناء الهيكل السياسي الداخلي للدولة، وينجح في تجفيف "مستنقع واشنطن" (2) وتطهير النخبة المؤيدة للعولمة. وفي العام 2028، سيصبح جي. دي فانس رئيسًا للولايات المتحدة، وسيكون أول أمر له هو نقش صورة ترامب على "جبل رشمور".
كلا السيناريوهين يكادان يكونان متطرفين، لكن هذا لا يعني أنهما مستحيلان. إنها بالتأكيد ليسا دقيقين بنسبة 100 في المائة، لكن الاتجاهات العامة صحيحة تقريبًا. أيهما هو الذي سيتحقق؟
ولا واحد، لأن هناك في الواقع سيناريو ثالث هو الأكثر احتمالاً.
وفق السيناريو الثالث والأخير، لن تكون هناك أزمة عالمية أو انهيار للاقتصاد الأميركي. سوف يلفظ النموذج الحالي للعولمة أنفاسه الأخيرة فعليًا -حسنًا، كان هذا النموذج يعيش بالفعل على أجهزة دعم الحياة، وقد أطفأ ترامب الأجهزة فقط. وفي حين أنه سيتمكن بالتأكيد من انتزاع تنازلات من معظم البلدان من أجل الحفاظ على الوصول إلى السوق الأميركية، فإن الحرب التجارية مع الصين ستتصاعد أيضًا. وعلى الرغم من أن واشنطن وبكين ستتفقان بشكل شبه مؤكد على خفض التعريفات الجمركية (من المستوى الحالي الباهظ تقريبًا)، فإن الاتجاه العام لن يتغير: سوف تتسارع عملية الانفصال بين الاقتصادين، وسوف ينخفض معدل دوران التجارة والاستثمار. يتجه العالم الآن نحو إنشاء قطبين للقوة -اقتصاديًا، وتجاريًا، وماليًا وعسكريًا. لن تقسم الولايات المتحدة والصين العالم إلى قسمين، حيث ستكتسب عملية تشكيل التعددية القطبية (التي تؤكد على الجمعيات الإقليمية والقوى الحضارية) زخمًا بالتوازي، وسوف تنتقل الولايات المتحدة نفسها من المطالبة بالهيمنة العالمية إلى مكانة أعظم قوة في العالم.
لن يعود هذا ادعاء بالهيمنة العالمية (وهو جوهر النموذج الأنجلو-سكسوني للعولمة)، ولكنه ليس الاكتفاء الذاتي (داخل نصف الكرة الغربي بأكمله) للانعزالية الأميركية. لن تتمكن الولايات المتحدة من استعادة مكانتها باعتباره المركز الصناعي الرائد في العالم، لكن هذا لن يكون مفيدًا لها إلا في حالة نشوب حرب شاملة وطويلة الأمد. مع من؟ مع الصين (أو حتى مع كل من الصين وروسيا معًا)، لكن المشكلة تكمن في أن مثل هذه الحرب لا يمكن إطالة أمدها، لأنها تخاطر بالتصعيد السريع إلى حرب نووية. لذلك، سيكون الطلاق بين الولايات المتحدة والصين سلميًا. وعلى الرغم من أن الاستفزازات حول تايوان (من الجانب الأميركي) ممكنة دائمًا، فمن المحتمل أن يوافق ترامب (أو بالأحرى خليفته) على نقل الجزيرة إلى بكين وفقًا لمخطط "سوبر هونغ كونغ": وضع خاص لمدة نصف قرن، ولكن من دون دخول القوات الصينية.
وهكذا، سيكون النجاح النسبي لثورة ترامب من الناحية الاستراتيجية مفيدًا للعالم بأسره، لأنه على الرغم من التكاليف قصيرة الأجل (أو حتى متوسطة الأجل) التي تتكبدها الأسواق المالية والتجارة العالمية واقتصادات العديد من البلدان، فإنه يعكس اتجاهًا حقيقيًا وصحيحًا للغاية: أميركا تتخلى عن العولمة، وتعزل نفسها، وتريد أن "تعيش لنفسها" (نعم، بما في ذلك العيش على حساب الآخرين، لكنه سيكون الآن على حساب الدولار -وبدرجة أكبر- الآن، الذي لم يكن يستخدم لخدمة الداخل الأميركي، وإنما للسيطرة على العالم).
سوف تكون هذه العملية طويلة، لكنها أكثر صحة بكثير من محاولات الهيمنة المحكوم عليها بالفشل لحفاظ الولايات المتحدة على موقعها من خلال القوة العسكرية. والبديل لثورة ترامب هو بالضبط هذا السيناريو الدموي.
*بيوتر أكوبوف Pyotr Akopov: كاتب وصحفي روسي. بدأ مسيرته الصحفية في العام 1991 بعد تغطيته الحرب الروسية-الجورجية في أوسيتيا الجنوبية. يعمل أكوبوف ككاتب عمود في وكالة الأنباء الروسية الرسمية "ريا نوفوستي" (RIA Novosti)، ويعرف بمواقفه القومية المحافظة ودعمه العلني للكرملين.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: US Nuclear Economic War on the World: Three Scenarios
هوامش:
(1) دانييل بليتراش Danielle Bleitrach: كاتبة وصحفية فرنسية، وأستاذة جامعية سابقة في علم الاجتماع، تعرف بمواقفها اليسارية النقدية وتحليلاتها العميقة للشؤون السياسية الدولية، لا سيما ما يتعلق بالولايات المتحدة، وأوروبا الشرقية، وبلدان أميركا اللاتينية. نشطت في قضايا السلام والعدالة الاجتماعية، وكانت من الأصوات المدافعة عن كوبا والثورة البوليفارية في فنزويلا، كما كتبت بتوسع عن النازية الجديدة في أوكرانيا. أسهمت في العديد من المجلات والمنصات الفكرية، وتميزت كتاباتها بالجرأة والوضوح في انتقاد النيوليبرالية والإمبريالية الغربية، وهي تدير حاليًا مدونة فكرية تنشر فيها تحليلات سياسية معمقة.
(1) "مستنقع واشنطن" Washington swamp: مصطلح يستخدم عادةً بطريقة نقدية أو تهكمية لوصف البيئة السياسية في العاصمة الأميركية واشنطن، ويشير إلى الفساد السياسي، والمحسوبية، والنفوذ غير المشروع لجماعات الضغط، والبيروقراطية المتغولة، وشبكات المصالح المغلقة بين السياسيين، ورجال الأعمال، وموظفي الحكومة. كان المصطلح يستخدم منذ عقود، لكنه شاع بقوة في الحملات السياسية، خصوصًا في حملة دونالد ترامب للعام 2016، حيث تعهد بـ"تجفيف المستنقع"، بمعنى تطهير العاصمة من الفساد والنخب المتحكمة.
0 تعليق