"العدوى السلوكية".. كيف تساهم في تعزيز ثقافة تقبل الآخر بالمدارس؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- التربية السليمة والمبنية على التقبل واحترام الآخر هي ما يسعى لها آباء وأمهات لترسيخها في نفوس الأطفال، لينشأوا بشخصية قوية ومستقلة قادرة، ولديهم روح العطاء لمساعدة الآخرين.اضافة اعلان
والطفلة جنى علاء، (10 أعوام)، كنموذج،  فعلى الرغم من صغر سنها، وجدت سعادتها في مساعدة زميلها من ذوي الإعاقة، واتخذت قرارها منذ اليوم الأول الذي رأته فيه أن تكون إلى جانبه.
وأوضحت والدة الطفلة جنى، ملك، لـ"الغد"، أن هذه هي السنة الأولى التي تعتمد فيها مدرسة طفلتها نظام الدمج لطلاب من ذوي الإعاقة مع زملائهم الآخرين.
ملك تفاجأت في بداية العام الدراسي عندما أخبرتها طفلتها جنى بوجود زميل جديد في صفها، قدم حديثا من دولة أخرى ويعاني من إعاقة حركية تمنعه من المشي. وأشارت إلى أن هذه الإعاقة جعلت زميلها يواجه بعض الصعوبات في التكيف، كما شكلت حاجزا أعاقه عن الاندماج مع باقي الطلاب.
وأضافت ملك أن ابنتها أخبرتها أنه في اليوم الأول من لقاء زميلها في الفصل الدراسي، طلبت المعلمة من الطلاب مساعدة الطفل. وتبنت جنى دور الداعمة لزميلها، فكانت ترافقه في كل نشاط أو استراحة، تساعده في التنقل وتشرح له أي أمر يصعب عليه. ووصل حرص جنى إلى حد أنها بادرت بالتعرف على والدة الطفل، للتواصل معها والتأكد من أنهم لا يحتاجون إلى أي مساعدة اخرى.
وأشارت ملك إلى أنها شعرت بسعادة كبيرة خلال زيارتها للمدرسة، عندما أخبرتها المعلمة أن ابنتها جنى ساهمت في نشر ثقافة التعاون بين الطلاب. وأوضحت أن هذا الجهد أدى إلى وضع جدول أسبوعي يحدد دور كل طالب في مساعدة الطفل آدم، مما كرس روح المشاركة.
وتقول الأم ملك: بعدما رأيت مدى تبنيها لهذه المبادرة وتأثيرها الإيجابي على الصف، دعمتها وشجعتها، مبينة أن غرس ثقافة قبول الآخر في شخصية طفلتها أمر بغاية الأهمية.
وأوضحت ملك أن الطفل آدم تمكن من تقبل المدرسة بفضل تصرف ابنتها جنى، حيث كان في البداية يشعر بالخوف وغير متقبل لفكرة الانتقال من بلد إلى آخر والدراسة في بيئة جديدة. وأشارت إلى أن والدة آدم أكدت لها أن مبادرة جنى خففت الكثير من الحواجز التي كان يعاني منها ابنها.
وتتمتع جنى بروح التعاطف وتشعر بسعادة غامرة عندما تتحدث عن آدم، وتهتم دائما بأن يشعر بأنه مثل أي طالب آخر في الصف، دون أن تميزه إعاقته عن زملائه. وفي حديثها مع "الغد"، عبرت الطفلة جنى عن سعادتها بمساعدة زميلها آدم، إذ تشعر بالفرح عندما ترى الابتسامة على وجهه وراحته في التفاعل مع باقي الطلاب. تستذكر جنى كيف أن آدم لم يكن يتحدث مع أحد في أسبوعه الأول بالمدرسة، لكنها تقربت منه وبدأت بمساعدته، وشجعته على الجلوس مع زملائه ليكون صداقات جديدة.
وقد كرمت المدرسة الطفلة جنى في اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، تقديرا لدورها في نشر ثقافة التعاون بين الطلاب، بالإضافة إلى تكريم مجموعة من زملائها الذين كانوا أيضا نماذج إيجابية في دعم زملائهم.
من الجانب التربوي، يرى الاختصاصي عايش النوايسة أن تصرف الطفلة جنى يعكس استقلالية واضحة في شخصيتها، مؤكدا أن هذه الصفة تعد من أهم المهارات التي يسعى التربويون إلى غرسها في الأطفال خلال مراحل التعلم.
ويضيف النوايسة أن امتلاك الطفل لهذه الصفة يعني أنه قادر على التمييز بين الأفعال الجيدة وكيفية تقديم المساعدة للآخرين، فتعزيز هذه الخصلة يبدأ بتربية الطفل على أسلوب التفكير المنطقي، بحيث يصبح قادرا على فهم الظروف المحيطة به، وإدراك أن زميله يعاني من إعاقة أو صعوبة معينة، مما يدفعه لتقديم المساعدة بطريقة واعية.
ووفق النوايسة فإن التربويين يؤمنون بمفهوم "العدوى السلوكية"، موضحا أن الأطفال يعيشون في حالة تنافس مستمر، وعندما يشعر الطفل بالتنافس في قضية إيجابية كهذه، يكون لذلك أثر كبير. فقد يعود الطفل إلى المنزل متأثرا بتصرف زميلته؛ "زميلتي ساعدت طفل آخر.. ليش ما أعمل مثلها؟".
ويعد النوايسة أن هذا النوع من التنافس يمثل أحد أشكال "التربية التمثيلية"، حيث يتمثل الأطفال السلوكيات الإيجابية التي يرونها، كما أن تعليم الأقران من الأقران هو من أفضل أنماط التعلم.
ويوضح النوايسة أن الطفل يكتسب السلوكيات الإيجابية من زملائه من خلال المشاهدة والممارسة. فعندما يرى من يساعد زميلا آخر، سواء بالكلمات أو في أمور عملية مثل النزول عن الدرج، فإنه يتعلم هذا السلوك ويبدأ في تقليده. 
من جهة أخرى، أكد النوايسة أن الممارسات الفضلى التي يدعو إليها ديننا الإسلامي، مثل تقبل الآخر، التعاون، التسامح، حب الخير، ومساعدة الآخرين، تشكل جوهر الفلسفات التربوية كافة. هذه القيم تشجع وتدعم الفلسفات التربوية العالمية التي تسعى إلى تعزيز هذه المبادئ وترسيخها.
وأوضح أن الهدف الأساسي هو بناء جيل قادر على مساعدة الآخرين وتقبلهم، وذلك يشكل جزءا من البناء المتكامل لشخصية الطفل، بما يشمل الجوانب النفسية، الاجتماعية، العاطفية، والانفعالية، ويعزز قدرته على التعاون الإيجابي.
من جهة أخرى، أوضح النوايسة أن تكريم المدرسة، للطفل الذي يساعد الآخر ولديه قيم العطاء، ينشر الفكرة الإيجابية ويحفز الآخرين، مما يسهم في بناء نماذج يمكن تقليدها في بيئة التعلم. هذا السلوك خطوة متقدمة بين الطلبة. 
وأشار النوايسة إلى أن الأطفال قد يواجهون تحديات جسدية، نفسية، أو عاطفية، وهنا تأتي أهمية دعمهم. فتلقي الطفل للمساعدة من زميله يترك أثرا مختلفا وأكثر إيجابية مقارنة بالمساعدة التي قد يقدمها مرشد مدرسي أو معلم، حيث تكون درجة تقبله لدعم زميله أعلى بكثير.
ويختتم النوايسة حديثه أن هذا الجيل يتمتع بقدرات وطاقات كبيرة، وأن مستويات التفكير، التعاطف، والتعاون بين الأطفال عالية جدا، مما يستدعي منا استثمار هذه الطاقات بشكل فعال.
ويشدد النوايسة على أن التعليم اليوم بحاجة إلى نمذجة حقيقية، فالأطفال ليسوا بحاجة إلى قضايا تتعلق بالحفظ والتلقين أو دروس من التاريخ لا يتفاعلون معها. بل يجب أن نمنحهم قصصا يتعايشون معها. وهذا ما يعرف بربط التعليم بالحياة، بمعنى أن نعرض للطفل نموذجا للسلوكيات الإيجابية أمامه، مثل التعاون، مساعدة الآخرين، وتقبلهم، بدلا من أن نقتصر على الحديث عن هذه المفاهيم فقط من دون تطبيق.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق