loading ad...
عمان - الذكريات تشكل جزءا لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، فهي لحظات تركت أثرا في التكوين النفسي والعاطفي، ومواقف ساهمت في إعادة تشكيل الروح. لكن هل يمكن اعتبار الذكريات نوعا من الهزيمة؟ أم أنها دليل على انتصارات وخسارات وتجارب صقلت الذات من جديد واختزال لأعمق المشاعر وأصدقها؟اضافة اعلان
قد تتحول الذكريات إلى هزيمة عندما تصبح قيدا يمنع من التطور وقد تكون الذكريات وقودا يدفع للنجاح، ودرسا مهما، فالسعيدة منها قد تمنح القوة لحياة أفضل وهنا الخيار إما أن "ننظر إليها على أنها سجن يقيدنا أو نقطة انطلاق نحو واقع فيه الحلم والنجاح استحقاقا لا يقبل التنازل".
بحب وامتنان تنظر راما إلى الذكريات التي فهمتها وتقبلتها كجزء من رحلتها. تقول الذكريات ليست عدوا، فطريقتنا في التعامل معها هي التي تحدد ما إذا كانت هذه الذكريات عبئا علينا أم دافعا يلهمنا القدرة على الحلم والتصالح مع الماضي، فنحن لا نملك تغيير ما حدث، لكن يمكننا تغييره في داخلنا عبر فهم الدروس المستفادة وتقدير اللحظات الجميلة دون التعلق بها بشكل مرضي.
وتبين أن لا شيء يمنع من العودة إلى الذكريات بين الحين والآخر، لكن بشرط أن يبقى الحاضر هو المحور الأساسي لحياتنا. راما أحبت ذكرياتها ورأتها الوطن الذي تعود إليه كلما عصف الحنين بها هناك بين الصور القديمة ومقتنياتها الخاصة حكايات طواها الزمن لكنها ستبقى تنبض بالحياة باعتبارها الشاهد الوحيد على كل ما عاشته سابقا.
ويتفق معها عدي إذ يرى أن الذكريات ليست مجرد ماض انتهى بل هي حياة أخرى نعيشها سرا مع أنفسنا، حيث تهزمنا ذكرياتنا عندما تصبح سلاسل تقيد خطواتنا نحو المستقبل وعندما تصبح مصدر ألم مستمر تغرقنا في دوامة الندم أو تعلقنا بزمن مضى وأشخاص خرجوا من حياتنا وأحلام باتت طي الخوف لم نكن نستحقها. الهزيمة الحقيقية ليست بالذكرى نفسها بل في الاستسلام لها في تركها تسرق لحظات الحاضر.
بدورها تبين الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية حنين البطوش أن أهمية الذكريات تكمن في كونها من الركائز الأساسية التي نبني عليها هويتنا فهي تساعدنا على فهم ذواتنا وقيمنا كما أنها تلعب دورا حيويًا في عملية التعلم والتطور، بالاستفادة من تجارب الماضي لتجنب تكرار الأخطاء، وتعمل الذكريات كجسر للتواصل الاجتماعي، حيث نشارك تجاربنا مع الآخرين، مما يعزز الروابط والعلاقات، وتمثل أيضا مصدرا غنيا للإلهام والإبداع، حيث نستمد منها الأفكار والرؤى التي تساهم في تشكيل مستقبلنا.
استحضار الذكريات السعيدة
للذكريات الطيبة، وفق البطوش، تأثير قوي على المشاعر، حيث يمكن لمكان قديم أو لصورة قديمة أن تعيد إحياء لحظات جميلة وتغير مزاجنا بشكل إيجابي، وتعد هذه الذكريات ملاذا في الأوقات الصعبة، حيث تقول بعض الدراسات أن استحضار الذكريات السعيدة بشكل واعٍ يمكن أن يساهم في تفكيك الأنماط السلبية للتفكير، وتخفيف حدة القلق، وحتى تقليل مستويات هرمون الكورتيزول الذي يرتبط بالتوتر، ويعود ذلك إلى أن هذه العملية تعزز تشكيل صورة ذاتية أكثر إيجابية للفرد، فاسترجاع لحظات النجاح أو الإجازات العائلية يمنحنا طاقة إيجابية تساعدنا على المضي قدمًا، كما أن التفكير في الذكريات السعيدة يحفز الاسترخاء، ويرفع المعنويات، ويقلل القلق، وأن استرجاع الذكريات الرائعة يولد شعورًا بالامتنان للأشخاص واللحظات التي شاركناها، ويزيد من احترامنا لذاتنا، خاصة عندما نتذكر فترات النجاح والإنجاز.
ومن الطبيعي، بحسب البطوش، أن نختبر تجارب سيئة أو نشعر بالحنين إلى ذكريات الماضي، ولكن الإفراط في التفكير في هذه الذكريات قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ"الاجترار"، حيث ينغمس العقل في الماضي لدرجة تمنعنا من عيش اللحظة الحاضرة والتطلع إلى المستقبل، هذا الاجترار يثير مشاعر سلبية فورية، مثل الحزن والغضب، وقد يتسبب في استجابات جسدية مثل التعرق وتسارع ضربات القلب، تكرار هذه العملية يزيد من حدة الحزن ويؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، والدراسات تؤكد أن التفكير المستمر في ذكريات الماضي يرتبط بانخفاض الرضا عن الحياة وزيادة مستويات الاكتئاب، لأن هذا التفكير غالبًا ما يرافقه مشاعر سلبية مثل الندم ولوم الذات واليأس.
أما عن الصراع مع الذكريات ليس بالضرورة خسارة، بل يمكن أن يكون جزءًا من رحلة التعافي والنمو، حيث تتجلى الخسارة في هذا الصراع عندما نسمح للماضي بالسيطرة على حاضرنا، أو عندما نعيد تكرار الذكريات المؤلمة في أذهاننا، أو عندما نهرب من مواجهتها، على الجانب الآخر يتحول الصراع إلى انتصار عندما نتعلم من الماضي، ونتصالح معه، ونستغل الذكريات كمصدر للقوة والإلهام، فالذكريات ليست مجرد صور عابرة، بل هي أدوات يمكننا استخدامها للنمو والتطور.
الوعي ببناء الذكريات الإيجابية
وتنوه البطوش بأن بناء ذكريات جميلة هو فن يتطلب وعيًا وتقديرًا للحظات التي نعيشها، يمكن تحقيق ذلك من خلال عدة استراتيجيات، أولها عيش اللحظة بوعي، حيث يتم التركيز على التفاصيل الصغيرة وتجنب المشتتات والاستمتاع بكل لحظة. ثانيًا، مشاركة اللحظات مع الآخرين من خلال قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء والمشاركة في الأنشطة المشتركة والتعبير عن الحب والتقدير.
ثالثًا، توثيق اللحظات بالتقاط الصور ومقاطع الفيديو وكتابة اليوميات والاحتفاظ بالتذكارات الصغيرة، رابعًا عمل تجارب جديدة من خلال تجربة أشياء جديدة والخروج من منطقة الراحة واستكشاف العالم، خامسًا الامتنان للحظات الجميلة والتعبير عن الامتنان والتركيز على الإيجابيات، واستخدام المحفزات الحسية مثل قراءة القرآن والروائح الطيبة ومشاهدة مناظر طبيعية جميلة لإعادة إحياء الذكريات الممتعة، ولا ننسى أن بناء الذكريات الجميلة هو عملية مستمرة، لذا علينا أن نستمتع بالرحلة ونكون واعين للحظات التي تصنع حياتنا.
يمكن أيضاً تحفيز الذكريات الإيجابية بعدة طرق، منها توجيه الانتباه الواعي نحوها عند ملاحظة بداية التفكير في ذكريات سلبية، كما يمكن استخدام تقنيات التفكير الإيجابي لتغيير النظرة إلى الأمور والتركيز على الجوانب المشرقة، والرضا بالموجود ، وشكر الله على النعم، وممارسة الاعتناء بالذات، مثل التأمل واليوغا، تساعد في تعزيز الوعي وتحسين القدرة على استرجاع الذكريات الإيجابية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من التجارب السابقة كمصدر للقوة والتشجيع، وتحديد الأهداف والأحلام لاستخدام الذكريات الإيجابية كدافع لتحقيقها.
تقبل الماضي بكل أشكاله
ووفق البطوش، يتطلب التعامل الصحي مع الذكريات تقبلها كجزء من الماضي، وليس قمعها أو الهروب منها، مع استغلالها كفرصة للتعلم والنمو، وعندما تثير الذكريات مشاعر سلبية، ينبغي التعبير عنها بشكل صحي، سواء بالتحدث مع شخص موثوق أو بالكتابة، والأهم هو التركيز على الحاضر وعدم السماح للذكريات بالسيطرة على الحياة، وفي حال استمرار تأثيرها السلبي، أنصح بطلب المساعدة المتخصصة. تعد الذكريات جزءًا أساسيًا من تكويننا النفسي والعاطفي، فهي تشكل هويتنا وتؤثر على سلوكنا وعلاقاتنا، وتوفر لنا دروسًا قيمة للنمو والتطور، ومن الأفضل عدم السماح للذكريات السلبية بتحديد هويتنا، وتذكر أنها مجرد تفسيرات للماضي، مع أهمية التعامل بلطف مع الذات وعدم لومها على أخطاء الماضي، فالذكريات جزء لا يتجزأ من الحياة، ويمكن اختيار التعامل معها كمصدر للقوة والنمو بدلًا من الألم.
ويمكن تهيئة الذهن لاستعادة اللحظات المبهجة عبر ممارسة بسيطة قبيل الذهاب إلى النوم، وهي استحضار الأحداث السعيدة التي جرت خلال اليوم لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة التي تبعث البهجة، كتذكر موقف مرح، يهدف هذا التمرين إلى تفعيل العقل للتركيز على الجوانب المشرقة وتجاهل السلبية، مما يجعله أكثر تقبلاً وقدرة على استرجاع الذكريات الإيجابية بشكل تلقائي.
استبدال الأفكار السلبية المزعجة
وينصح بتكرار هذا التمرين يوميًا لمدة 21 يومًا على الأقل لتحويلها إلى سلوك معتاد، مما يساهم في تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الصحة النفسية، حيث إن النوم على ذكريات جميلة يريح الأعصاب ويستبدل الأفكار السلبية المزعجة، ورغم أن الماضي لا يمكن تغييره، إلا أن استخلاص العبر منه وطي صفحته يتيح للذكريات الجميلة أن تملأ حياتنا بالسعادة، مما يزيد من فعاليتنا وقدرتنا على مواجهة التحديات، فالتعامل مع الذكريات ليس بالضرورة هزيمة، بل هو جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، حيث تشكل الذكريات، سواء كانت مفرحة أو مؤلمة، هويتنا وتؤثر على حاضرنا ومستقبلنا.
وتشير خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم إلى أن التفكير بالذكريات قد يكون في بعض الأحيان له جانب إيجابي، مثل تعلم الدروس وتجنب تكرار الأخطاء، لكن عندما يسيطر علينا التفكير في الماضي بشكل سلبي ونتذكر أخطاءنا ومعاناتنا القديمة يصبح مرضا يسيطر علينا ويعيقنا عن التقدم.
والتفكير بالذكريات بشكل سلبي يقودنا إلى الإحساس بعدة مشاعر سلبية، مثل الشعور بالندم والغضب والذنب، والتفكير بالحياة بشكل بائس وحزين، والشعور بأننا لا نستحق السعادة، والخوف من المستقبل وعدم تقبل الحاضر. ومن مساوئ التفكير المبالغ بالذكريات عدم القدرة على التقدم وتحقيق الأهداف، وعدم التمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة في الحياة، والمعاناة من النزاعات الداخلية والتفكير المستمر ،ضياع الحاضر وعدم الاستمتاع به وعدم القدرة على التخطيط للمستقبل والتحضير له، كما تقول ابراهيم.
وترى ان التفكير المُفرط بالذكريات بشكل سلبي في أي أمر كان يصيبنا بالتوتر الانفعالي، حيث يُسبب الشعور بالرغبة في الانعزال عن الأشخاص الآخرين، وفقدان الشهية، بالإضافة إلى الإحساس الدائم بعدم الاستقرار والطمأنينة. أيضاً احتمالية الإصابة بالاكتئاب والتوتر والقلق والأرق والضغط النفسي، وقد يسبب بعض الأمراض الجسدية مثل الشد العضلي وتسارع نبضات القلب والقولون العصبي وآلام المعدة والصداع والتعب المستمر. ولعلاج التفكير في الماضي يجب التعايش والمصالحة مع الذكريات.
الى ذلك، ينبغي التسامح مع الذات والآخرين وتجنب الأشخاص السلبيين والبوح بالألم والتعبير عنه لأشخاص مقربين نثق بهم، والتفكير بأمور أخرى غير الماضي والبدء بتحقيق الأهداف، والنظر إلى الماضي بصورة إيجابية والتركيز على الدروس المستفادة.
قد تتحول الذكريات إلى هزيمة عندما تصبح قيدا يمنع من التطور وقد تكون الذكريات وقودا يدفع للنجاح، ودرسا مهما، فالسعيدة منها قد تمنح القوة لحياة أفضل وهنا الخيار إما أن "ننظر إليها على أنها سجن يقيدنا أو نقطة انطلاق نحو واقع فيه الحلم والنجاح استحقاقا لا يقبل التنازل".
بحب وامتنان تنظر راما إلى الذكريات التي فهمتها وتقبلتها كجزء من رحلتها. تقول الذكريات ليست عدوا، فطريقتنا في التعامل معها هي التي تحدد ما إذا كانت هذه الذكريات عبئا علينا أم دافعا يلهمنا القدرة على الحلم والتصالح مع الماضي، فنحن لا نملك تغيير ما حدث، لكن يمكننا تغييره في داخلنا عبر فهم الدروس المستفادة وتقدير اللحظات الجميلة دون التعلق بها بشكل مرضي.
وتبين أن لا شيء يمنع من العودة إلى الذكريات بين الحين والآخر، لكن بشرط أن يبقى الحاضر هو المحور الأساسي لحياتنا. راما أحبت ذكرياتها ورأتها الوطن الذي تعود إليه كلما عصف الحنين بها هناك بين الصور القديمة ومقتنياتها الخاصة حكايات طواها الزمن لكنها ستبقى تنبض بالحياة باعتبارها الشاهد الوحيد على كل ما عاشته سابقا.
ويتفق معها عدي إذ يرى أن الذكريات ليست مجرد ماض انتهى بل هي حياة أخرى نعيشها سرا مع أنفسنا، حيث تهزمنا ذكرياتنا عندما تصبح سلاسل تقيد خطواتنا نحو المستقبل وعندما تصبح مصدر ألم مستمر تغرقنا في دوامة الندم أو تعلقنا بزمن مضى وأشخاص خرجوا من حياتنا وأحلام باتت طي الخوف لم نكن نستحقها. الهزيمة الحقيقية ليست بالذكرى نفسها بل في الاستسلام لها في تركها تسرق لحظات الحاضر.
بدورها تبين الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية حنين البطوش أن أهمية الذكريات تكمن في كونها من الركائز الأساسية التي نبني عليها هويتنا فهي تساعدنا على فهم ذواتنا وقيمنا كما أنها تلعب دورا حيويًا في عملية التعلم والتطور، بالاستفادة من تجارب الماضي لتجنب تكرار الأخطاء، وتعمل الذكريات كجسر للتواصل الاجتماعي، حيث نشارك تجاربنا مع الآخرين، مما يعزز الروابط والعلاقات، وتمثل أيضا مصدرا غنيا للإلهام والإبداع، حيث نستمد منها الأفكار والرؤى التي تساهم في تشكيل مستقبلنا.
استحضار الذكريات السعيدة
للذكريات الطيبة، وفق البطوش، تأثير قوي على المشاعر، حيث يمكن لمكان قديم أو لصورة قديمة أن تعيد إحياء لحظات جميلة وتغير مزاجنا بشكل إيجابي، وتعد هذه الذكريات ملاذا في الأوقات الصعبة، حيث تقول بعض الدراسات أن استحضار الذكريات السعيدة بشكل واعٍ يمكن أن يساهم في تفكيك الأنماط السلبية للتفكير، وتخفيف حدة القلق، وحتى تقليل مستويات هرمون الكورتيزول الذي يرتبط بالتوتر، ويعود ذلك إلى أن هذه العملية تعزز تشكيل صورة ذاتية أكثر إيجابية للفرد، فاسترجاع لحظات النجاح أو الإجازات العائلية يمنحنا طاقة إيجابية تساعدنا على المضي قدمًا، كما أن التفكير في الذكريات السعيدة يحفز الاسترخاء، ويرفع المعنويات، ويقلل القلق، وأن استرجاع الذكريات الرائعة يولد شعورًا بالامتنان للأشخاص واللحظات التي شاركناها، ويزيد من احترامنا لذاتنا، خاصة عندما نتذكر فترات النجاح والإنجاز.
ومن الطبيعي، بحسب البطوش، أن نختبر تجارب سيئة أو نشعر بالحنين إلى ذكريات الماضي، ولكن الإفراط في التفكير في هذه الذكريات قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ"الاجترار"، حيث ينغمس العقل في الماضي لدرجة تمنعنا من عيش اللحظة الحاضرة والتطلع إلى المستقبل، هذا الاجترار يثير مشاعر سلبية فورية، مثل الحزن والغضب، وقد يتسبب في استجابات جسدية مثل التعرق وتسارع ضربات القلب، تكرار هذه العملية يزيد من حدة الحزن ويؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، والدراسات تؤكد أن التفكير المستمر في ذكريات الماضي يرتبط بانخفاض الرضا عن الحياة وزيادة مستويات الاكتئاب، لأن هذا التفكير غالبًا ما يرافقه مشاعر سلبية مثل الندم ولوم الذات واليأس.
أما عن الصراع مع الذكريات ليس بالضرورة خسارة، بل يمكن أن يكون جزءًا من رحلة التعافي والنمو، حيث تتجلى الخسارة في هذا الصراع عندما نسمح للماضي بالسيطرة على حاضرنا، أو عندما نعيد تكرار الذكريات المؤلمة في أذهاننا، أو عندما نهرب من مواجهتها، على الجانب الآخر يتحول الصراع إلى انتصار عندما نتعلم من الماضي، ونتصالح معه، ونستغل الذكريات كمصدر للقوة والإلهام، فالذكريات ليست مجرد صور عابرة، بل هي أدوات يمكننا استخدامها للنمو والتطور.
الوعي ببناء الذكريات الإيجابية
وتنوه البطوش بأن بناء ذكريات جميلة هو فن يتطلب وعيًا وتقديرًا للحظات التي نعيشها، يمكن تحقيق ذلك من خلال عدة استراتيجيات، أولها عيش اللحظة بوعي، حيث يتم التركيز على التفاصيل الصغيرة وتجنب المشتتات والاستمتاع بكل لحظة. ثانيًا، مشاركة اللحظات مع الآخرين من خلال قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء والمشاركة في الأنشطة المشتركة والتعبير عن الحب والتقدير.
ثالثًا، توثيق اللحظات بالتقاط الصور ومقاطع الفيديو وكتابة اليوميات والاحتفاظ بالتذكارات الصغيرة، رابعًا عمل تجارب جديدة من خلال تجربة أشياء جديدة والخروج من منطقة الراحة واستكشاف العالم، خامسًا الامتنان للحظات الجميلة والتعبير عن الامتنان والتركيز على الإيجابيات، واستخدام المحفزات الحسية مثل قراءة القرآن والروائح الطيبة ومشاهدة مناظر طبيعية جميلة لإعادة إحياء الذكريات الممتعة، ولا ننسى أن بناء الذكريات الجميلة هو عملية مستمرة، لذا علينا أن نستمتع بالرحلة ونكون واعين للحظات التي تصنع حياتنا.
يمكن أيضاً تحفيز الذكريات الإيجابية بعدة طرق، منها توجيه الانتباه الواعي نحوها عند ملاحظة بداية التفكير في ذكريات سلبية، كما يمكن استخدام تقنيات التفكير الإيجابي لتغيير النظرة إلى الأمور والتركيز على الجوانب المشرقة، والرضا بالموجود ، وشكر الله على النعم، وممارسة الاعتناء بالذات، مثل التأمل واليوغا، تساعد في تعزيز الوعي وتحسين القدرة على استرجاع الذكريات الإيجابية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من التجارب السابقة كمصدر للقوة والتشجيع، وتحديد الأهداف والأحلام لاستخدام الذكريات الإيجابية كدافع لتحقيقها.
تقبل الماضي بكل أشكاله
ووفق البطوش، يتطلب التعامل الصحي مع الذكريات تقبلها كجزء من الماضي، وليس قمعها أو الهروب منها، مع استغلالها كفرصة للتعلم والنمو، وعندما تثير الذكريات مشاعر سلبية، ينبغي التعبير عنها بشكل صحي، سواء بالتحدث مع شخص موثوق أو بالكتابة، والأهم هو التركيز على الحاضر وعدم السماح للذكريات بالسيطرة على الحياة، وفي حال استمرار تأثيرها السلبي، أنصح بطلب المساعدة المتخصصة. تعد الذكريات جزءًا أساسيًا من تكويننا النفسي والعاطفي، فهي تشكل هويتنا وتؤثر على سلوكنا وعلاقاتنا، وتوفر لنا دروسًا قيمة للنمو والتطور، ومن الأفضل عدم السماح للذكريات السلبية بتحديد هويتنا، وتذكر أنها مجرد تفسيرات للماضي، مع أهمية التعامل بلطف مع الذات وعدم لومها على أخطاء الماضي، فالذكريات جزء لا يتجزأ من الحياة، ويمكن اختيار التعامل معها كمصدر للقوة والنمو بدلًا من الألم.
ويمكن تهيئة الذهن لاستعادة اللحظات المبهجة عبر ممارسة بسيطة قبيل الذهاب إلى النوم، وهي استحضار الأحداث السعيدة التي جرت خلال اليوم لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة التي تبعث البهجة، كتذكر موقف مرح، يهدف هذا التمرين إلى تفعيل العقل للتركيز على الجوانب المشرقة وتجاهل السلبية، مما يجعله أكثر تقبلاً وقدرة على استرجاع الذكريات الإيجابية بشكل تلقائي.
استبدال الأفكار السلبية المزعجة
وينصح بتكرار هذا التمرين يوميًا لمدة 21 يومًا على الأقل لتحويلها إلى سلوك معتاد، مما يساهم في تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الصحة النفسية، حيث إن النوم على ذكريات جميلة يريح الأعصاب ويستبدل الأفكار السلبية المزعجة، ورغم أن الماضي لا يمكن تغييره، إلا أن استخلاص العبر منه وطي صفحته يتيح للذكريات الجميلة أن تملأ حياتنا بالسعادة، مما يزيد من فعاليتنا وقدرتنا على مواجهة التحديات، فالتعامل مع الذكريات ليس بالضرورة هزيمة، بل هو جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، حيث تشكل الذكريات، سواء كانت مفرحة أو مؤلمة، هويتنا وتؤثر على حاضرنا ومستقبلنا.
وتشير خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم إلى أن التفكير بالذكريات قد يكون في بعض الأحيان له جانب إيجابي، مثل تعلم الدروس وتجنب تكرار الأخطاء، لكن عندما يسيطر علينا التفكير في الماضي بشكل سلبي ونتذكر أخطاءنا ومعاناتنا القديمة يصبح مرضا يسيطر علينا ويعيقنا عن التقدم.
والتفكير بالذكريات بشكل سلبي يقودنا إلى الإحساس بعدة مشاعر سلبية، مثل الشعور بالندم والغضب والذنب، والتفكير بالحياة بشكل بائس وحزين، والشعور بأننا لا نستحق السعادة، والخوف من المستقبل وعدم تقبل الحاضر. ومن مساوئ التفكير المبالغ بالذكريات عدم القدرة على التقدم وتحقيق الأهداف، وعدم التمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة في الحياة، والمعاناة من النزاعات الداخلية والتفكير المستمر ،ضياع الحاضر وعدم الاستمتاع به وعدم القدرة على التخطيط للمستقبل والتحضير له، كما تقول ابراهيم.
وترى ان التفكير المُفرط بالذكريات بشكل سلبي في أي أمر كان يصيبنا بالتوتر الانفعالي، حيث يُسبب الشعور بالرغبة في الانعزال عن الأشخاص الآخرين، وفقدان الشهية، بالإضافة إلى الإحساس الدائم بعدم الاستقرار والطمأنينة. أيضاً احتمالية الإصابة بالاكتئاب والتوتر والقلق والأرق والضغط النفسي، وقد يسبب بعض الأمراض الجسدية مثل الشد العضلي وتسارع نبضات القلب والقولون العصبي وآلام المعدة والصداع والتعب المستمر. ولعلاج التفكير في الماضي يجب التعايش والمصالحة مع الذكريات.
الى ذلك، ينبغي التسامح مع الذات والآخرين وتجنب الأشخاص السلبيين والبوح بالألم والتعبير عنه لأشخاص مقربين نثق بهم، والتفكير بأمور أخرى غير الماضي والبدء بتحقيق الأهداف، والنظر إلى الماضي بصورة إيجابية والتركيز على الدروس المستفادة.
0 تعليق