“صقر فلسطين”.. متحدي “الأباتشي” الحالم بطوفان التحرير

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أبريل 17, 2025 4:20 م

عبد العزيز الرنتيسي

بقلم: علي سعادة
هل كنت عصياً على الموت!!
حين ظننا بأنك بعيد عنه كان هو أقرب إليك من حبل الوريد..
كنت تقول دائماً: “إن المرء يمكن أن يموت بالسرطان، أو لأي سبب آخر”، وأنك إذا خيرت فإنك تفضِّل ان يكون موتك بـ”الأباتشي”، هل حققت أمنيتك أيها المتماوت ومدعي الموت؟!
سمعتك ذات مرة تقول لصحفي عربي إن لا أحد يستطيع اغتيالك إلا اذا أراد الله ذلك، وقد أراد الله كما حلمت أنت، أن تُصطَفى مع من اصْطُفوا قبلك عبر مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، وأن تغدق روحك على قلوبنا عطوراً وزنابق، وأن يتدفق نهر الدم الزكي في طرقات نابلس وغزة وجنين، وأن يزركش دمك حجارة القدس العتيقة.
ترجلت عن حصانك بعد أن كنت المحارب العنيد الذي تكسرت السيوف والنصال على جسده، وحده دمك بدفقة سحرية ملحمية جمع ما تناثر من شتات دمنا عبر ردهات الجامعة العربية والأمم المتحدة، وما تبقى من منظماتنا وهيئاتنا الإقليمية، دق دمك أبوابنا المغلقة التي ضربها العفن، حين كنا غارقين حتى آذاننا في وحل حروب البسوس، وأيهما سبق الآخر داحس أم الغبراء، ووهم عنترة العبسي وحاتم الطائي وأبو زيد الهلالي.
نتشبث بفائض الكلام، ونريق أطنان الأحبار، وملايين الكلمات، ونعود إلى قاموس الشجب العربي بطبعته الجديدة المزيدة والمنقحة، ونستخرج منه كل مترادفات الرفض والإدانة، وبكائيات الشعراء على أطلال الحبيب الذي فارق الديار إلى مكان قصي في أطراف الصحراء، نسوّد آلاف الصفحات في صحفنا اليومية والأسبوعية، ويتزاحم الأثير فيضاً من لغو الكلام تغرقنا به الفضائيات والإذاعات العربية، لا بأس، فالكلام أفضل من الصمت، وليس صحيحاً ما يقال بأن الكلام من فضة والسكوت من ذهب، فالساكت شيطان عقد الحق لسانه، والنجمة ضوء النهار.
كان مشهد وداع الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم لك يوما استثنائياً وغير قابل للوصف، الآلاف أرادوا لمسك والتبرك بوجهك، وأن يأخذوا شيئاً منك، من رائحتك الطيبة، من عبير الشهادة الذي أشبع به المسجد العمري بغزة حيث اقيمت صلاة الجنازة على روحك، كأن الندى كان يغفو على خديك، وأوراق الشجر تفتحت فوق سجاد المسجد حيث لامس القماش المخضب بدمك، كأني بك والناس تتزاحم للمس وجهك وتقبيلك تقول لهم: دعوني أمضي إلى حيث اصْطُفِيت، وعودوا أنتم إلى ساحات الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني على امتداد الوطن العربي الكبير.
كأنك تطردهم من زحمة شوارع غزة الضيقة إلى لغة برع بها الاستشهاديون والمقاومون، لغة الحوار، حوار العدو بالدم، وباللغة التي يفهمها، بالبنادق والأحزمة الناسفة، فالمسألة هنا ليست عبد العزيز الرنتيسي أو أحمد ياسين أو أبو علي مصطفى أو إسماعيل أبو شنب أو محمود طوالبة او رائد الكرمي، إنها قضية منهج، أسلوب حياة، إما نحن أو الآخر، النقيض، العدو اللاإنساني لإنسانيتنا، وقيمتنا كبشر.

ولادة “حماس”

وضع عبد العزيز الرنتيسي، مع رفاق له، الأسس النظرية والتنظيمية التي قامت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة التي عرفت ولادتها الحقيقة مع اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.
كان الرجل الثاني في “حماس” مباشرة بعد الشيخ أحمد ياسين رفيق رحلته، وهو ينحدر من عائلة من قرية رنتيس شمال غرب رام الله، اضطرت لمغادرة القرية في بداية الأربعينيات؛ بسبب خلاف مع إحدى عائلات القرية؛ وبسبب حرب 1948 التي حولت العائلة إلى لاجئين في مخيم خان يونس في قطاع غزة.
عمل بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الطب من جامعة الإسكندرية، ثم عمل بعد الماجستير محاضرًا في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978.

الناطق باسم المبعدين
وكان أول من اعتقل من قادة “حماس” وأبعدته سلطات الاحتلال لاحقا عام 1992 مع أكثر من 400 شخص من نشطاء وكوادر حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى جنوب لبنان في منطقة “مرج الزهور”، حيث برز كناطق رسمي باسم المبعدين لإرغام الاحتلال على إعادتهم، وفور عودته من مرج الزهور اعتقلته قوات الاحتلال، وحكم عليه بالسجن حتى أواسط عام 1997.
بلغ مجموع فترات الاعتقال التي قضاها في السجون الإسرائيلية سبع سنوات، بالإضافة إلى السنة التي قضاها مبعدًا، كما أنه اعتقل في سجون السلطة الفلسطينية أربع مرات معزولًا عن بقية المعتقلين.

خلافة أحمد ياسين
ارتبط بالشيخ ياسين منذ عام 1971، فعمل معه وبجواره كتلميذ ورفيق سنوات طويلة في العمل الإسلامي، وجمعهما المعتقل الإسرائيلي ثلاث مرات، وأسسا معا مؤسسة المجمع الإسلامي عام 1975، و”مجد المجاهدين” عام 1984، وفي عام 1987 أنشأ “حماس” التي ظل الرنتيسي يشغل الموقع الثاني في قيادتها.
بايعته “حماس” خليفة للشيخ ياسين بعد استشهاده عام 2004، وبعد توليه قيادة “حماس” حمل بندقية كلاشنكوف وقال: “هذا هو حوارنا مع الصهاينة، وهذا هي طريقنا لتحرير الأقصى”.

5 محاولات اغتيال
وبحسب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني والقيادي في “حماس ” عزيز دويك فقد تعرض الرنتيسي لعدة محاولات اغتيال كانت أولها في مرج الزهور في خيمة الإعلام حين حضر شخص يتحدث العربية ادعى أنه مترجم لصحفي ياباني، دخل الخيمة وترك حقيبة بأكملها، سمع الجميع بعدها صوت انفجار، وهبوا لإطفاء الحريق، وبحثوا عن الصحفي ورفيقه فلم يجدوا لهما أثرًا.
وفي 16 حزيران/يونيو عام 2003 تعرض لمحاولة اغتيال ثانية استشهد فيها اثنان من مرافقيه، وأصيب نجله أحمد بجروح خطيرة. وفي أيلول/سبتمبر عام 2003 تعرض لمحاولة اغتيال ثالثة فشلت هي لأخرى، ثم تعرض لمحاولة اغتيال رابعة في اليوم الثالث لاستشهاد الشيخ ياسين، نجا منها أيضًا، ولم تكشف عنها “حماس” إلا بعد تأكيدها من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية.
لكنه لم ينجُ من المحاولة الخامسة فقد قامت مروحية إسرائيلية من طراز “الأباتشي” بإطلاق ثلاثة صواريخ على سيارته في 17 نيسان/ أبريل عام 2004 مما أدى إلى استشهاده.
وردًا على عملية الاغتيال اجتمع مجلس الأمن الدولي لبحث القضية، وقبلها بأيام اجتمع لمناقشة اغتيال الشيخ ياسين، لكن المجلس فشل في اتخاذ أي قرار بعد أن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض “الفيتو” ضد إدانة دولة الاحتلال.
ومما تمناه الرنتيسي وسعى لتحقيقه تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وكان يردد باستمرار “لن يهدأ لي بال حتى يتم تحرير جميع الأسرى.”

المتواضع الصارم

ومن أبرز ما كان يميز الرنتيسي من صفات صرامته في معاملته مع الاحتلال الإسرائيلي، متواضعًا في عمله كطبيب، ولم يقفل بابه أمام أي مريض قط.
دفع الرنتيسي حياته ثمنًا لمواقفه الوطنية والإنسانية، فيما بقيت قضية الأسرى محورًا أساسيًا في “طوفان الأقصى ” الذي جاء ليعيد فلسطين إلى واجهة العالم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق