بوتين إذ يشكر “حماس”.. دلالات سياسية تتجاوز المجاملة الدبلوماسية

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بوتين

السبيل – خاص

 

في مشهد أثار الكثير من التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، الأسير الإسرائيلي السابق في غزة ساشا تروبونوف، الذي أفرجت عنه “سرايا القدس” في إطار صفقة تبادل مع الاحتلال الإسرائيلي.

 

لكن اللافت في اللقاء لم يكن مجرّد الاستقبال، بل تصريح بوتين الصريح: “يجب أن نشكر قيادة الجناح السياسي لحركة حماس على تعاونها معنا، وعلى هذا العمل الإنساني”.

 

هذا التصريح، الخارج من فم رئيس دولة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن، لا يمكن فهمه بمعزل عن السياقات الإقليمية والدولية المحيطة بالحرب على غزة، ولا عن طبيعة الدور الروسي في الشرق الأوسط في مرحلة يعاد فيها رسم موازين النفوذ والتأثير.

 

رسائل في اتجاهات متعددة

 

في ظاهر الأمر؛ بدا الشكر الروسي لحماس لافتاً كونه صادراً من دولة تصنّف “إسرائيل” كدولة “شريكة” في ملفات أمنية متعددة، وتحرص عادة على تجنب التورط المباشر في صراعاتها مع خصومها. لكن تصريح بوتين حمل رسائل أبعد، في أكثر من اتجاه.

 

فهو أولاً تأكيد روسي على أن موسكو تمتلك قنوات فاعلة مع أطراف النزاع، بما فيها الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها “حماس”. وهذا يُعيد تذكير الغرب بأن روسيا ما زالت رقماً صعباً في المنطقة، ولديها القدرة على التأثير في ملفات معقّدة، مثل ملف الأسرى.

 

وثانياً يحمل التصريح ضمناً اعترافاً بشرعية التفاوض مع “حماس” وبدورها في المعادلة، على عكس الخطاب الغربي الذي يسعى لشيطنة الحركة ونزع صفة “الفاعل السياسي” عنها. فالشكر العلني لحركة تصنّفها واشنطن وأوروبا كـ”منظمة إرهابية” يُعدّ تجاوزاً ضمنياً لهذا التصنيف، ورسالة مفادها أن موسكو تحتفظ بنظرة مستقلة عن المعايير الغربية.

 

محاولة روسية لملء الفراغ الأمريكي

 

منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى”، لم تُخفِ روسيا امتعاضها من الانحياز الأميركي الكامل لـ”إسرائيل”، وهو ما اعتبرته موسكو فرصة لتقديم نفسها كطرف “متوازن” وأكثر استعداداً للوساطة.

 

وجاء لقاء بوتين بالأسير المحرر ليُعزّز هذه الصورة، عبر تقديم روسيا كقوة قادرة على التأثير في مسار الأزمات، وعقد الصفقات، وإدارة خطوط التفاوض حتى مع من يصفهم الغرب بـ”العدو”.

 

وعلى الرغم من أن بوتين لم يشر إلى “حماس” بوصفها حركة مقاومة، فإن شكره المباشر لقيادتها السياسية على تعاونها “الإنساني” يفتح نافذة جديدة حول كيفية تعامل موسكو مستقبلاً مع الفصائل الفلسطينية، وربما يمثل تمهيداً لرفع سقف العلاقة بين الطرفين، في حال تصاعد الصراع أو تطورت التسويات.

 

حسابات الكرملين في زمن التحولات

 

ولا شك أن روسيا، التي تخوض مواجهة استراتيجية مع الغرب على أكثر من جبهة، تجد في الانفتاح على قوى المقاومة في المنطقة ورقة توازن جديدة.

 

فكلّ تعميق للعلاقة مع حماس، والجهاد الإسلامي، وحلفاء طهران، يمنحها قدرة على المناورة في ساحات أبعد من أوكرانيا والبلطيق، ويقوّي أدواتها في الضغط على إسرائيل في ملفات مثل أوكرانيا والسلاح الإسرائيلي المُرسل لكييف.

 

كما أن هذه الإشادة العلنية قد تسهم في تعزيز العلاقة مع الرأي العام العربي والإسلامي، الذي يرى في روسيا لاعباً أقل عداءً للقضية الفلسطينية من واشنطن أو العواصم الأوروبية، في وقت يتزايد فيه الغضب الشعبي من المجازر الإسرائيلية في غزة، وصمت الغرب تجاهها.

 

ولم يكن تصريح بوتين مجاملة بروتوكولية، ولا مجرد تعبير عن امتنان عابر، بل هو موقف محسوب بدقة في لحظة سياسية حساسة. فشكرُه لـ”حماس” يعكس توجّهاً روسياً لإعادة صياغة دور موسكو في الملف الفلسطيني، وتثبيت موقعها كلاعب دولي قادر على خرق الجدار السياسي الذي تحاول “إسرائيل” والغرب إقامته حول المقاومة.

 

وختاماً؛ في وقتٍ تتصاعد فيه الدعوات لوقف الحرب على غزة؛ يأتي الموقف الروسي ليقول: الكلمة لم تكتب بعد، وموسكو لن تكون خارج الحلبة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق