loading ad...
عمان - برزت، موخرا، أسماء كثيرة بالسينما والدراما العربية، جسدت أدوارا درامية عربية شكلت نمطا متكررا من الثراء الفاحش وتقديم الغالي والنفيس للمرأة كرمز للحب والاهتمام والتقدير.اضافة اعلان
بعيدا عن تفاصيل كل شخصية، تكاد تجمع مسلسلات عربية عرضت مؤخرا على صورة واحدة للرجل، واختصرت حلم الفتاة في الرجل الغني.
تكرس هذه الأعمال فكرة أن الأمان والسعادة مرهونان بالمال، وأن الرجل الناجح هو الثري؛ الذي يملك السيارة الفارهة، البيت الكبير، الساعة الفاخرة والحساب البنكي المفتوح.
وفي المقابل، الرجل الطيب، المحب، المحترم، الطموح… قد لا يعد خيارا مناسبا، فقط لأنه "غير مقتدر" وإن قبلت به امرأة، فستكون حياتها مليئة بالبؤس والشقاء.
هذه الصورة الدرامية المتكررة لا تمر من دون أثر؛ بل تسهم، بوعي أو من دون وعي، في إعادة تشكيل مفهوم الزواج في أذهان ملايين المشاهدين من مختلف الطبقات والأعمار، خصوصا في البيئات التي تستهلك الدراما كمرآة للواقع أو كأداة تعليم غير مباشر، وفق ما تقوله التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني.
وتشير الكيلاني إلى أن المشكلة الحقيقية في الدراما اليوم تكمن في حصر هذا المفهوم بالاقتدار المالي، النجاح والجاذبية الشكلية.
وتوضح أن هذا النمط جعل كثيرا من فتيات الجيل الحالي يحلمن بالارتباط بشخصيات ثرية تشبه الشخصيات الدرامية، لتصور الرجل الجيد بأنه صاحب المال والثروة فقط.
وتنوه الكيلاني إلى أن هذا التناول يفرغ الرجل من إنسانيته، ويهمش قيما أساسية مثل الأخلاق، الاحتواء، الرعاية، الحوار، المشاركة والتضحية. هذا التأثير يمتد ليطال عقول الفتيات بمختلف الأعمار، كما يضاعف الضغط النفسي على الرجال الذين يجدون أنفسهم بعيدين عن نمط حياة البذخ والثراء المصورة في الدراما.
تستذكر الكيلاني أنها خلال جلسة مع صديقاتها، دار الحديث حول مسلسل يظهر بطله كرجل غني يقدم الكثير لحبيبته، وكانت الصديقات يتمنين وجود شخصيات مماثلة لبناتهن، متناسيات أن هذا المال الوفير في القصة كان ناتجا عن أعمال محرمة.
وتقول الكيلاني: "كانت الصدمة كبيرة؛ إذ أدركت أن أثر هذه الدراما يتجاوز حدود التسلية أو قضاء وقت عائلي، ليزرع أفكارا سلبية تتسرب إلى العائلات، وتنعكس لاحقا على الأبناء".
من جهته، يوضح اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن الدراما العربية، بما فيها تلك المستنسخة عن الدراما التركية، تشكل ضغطا هائلا على الرجل، خصوصا الشباب المقبلين على الزواج.
ويشير خزاعي إلى أن الكثير من هؤلاء الشباب يشعرون بالعجز أو النقص إذا لم يتمكنوا من تحقيق مستوى مادي معين، لا تفرضه حاجاتهم الفعلية، بل تفرضه "توقعات المجتمع"، المدفوعة غالبا بالصور النمطية التي تغذيها الدراما.
ويضيف خزاعي أن الكثير من الشباب يؤجلون الزواج لأعوام، فقط لأنهم لا يملكون شقة، وآخرين يشعرون بالنقص لأنهم لا يستطيعون مواكبة "الحياة التي تحلم بها الفتيات المتأثرات بحياة المشاهير على السوشال ميديا أو تشبيها بالدراما التي عززت قوة وجاذبية الرجل بالمال".
ويؤكد "اليوم في الدراما العربية تجد الرجل الجميل الأنيق، والزوجة الأنيقة، السيارة الجديدة، السفر الفاخر، الأطفال في مدارس خاصة، والبيت المجهز بأحدث الأجهزة، جميعها صور جاذبة وهناك من يتأثر بها".
ووفق خزاعي، هذه الصور لا تقف على المشاهدة فقط، وإنما تغذي بعض النساء على فكرة أن الرجل وظيفته الأولى هي الإنفاق، وأن حبه لا يقاس إلا بحجم ما يقدمه ماديا، وهنا ينشأ خلل في العلاقات الأسرية، فيصبح الحوار المالي أكثر حضورا من العاطفة، وتتحول العلاقة الزوجية إلى صفقة غير معلنة، تقيم فيها المشاعر على أساس الفواتير.
ويلفت إلى أن الدراما، وهي إحدى أقوى أدوات التأثير الجمعي، لا تنتج هذا الخطاب من فراغ، بل تستند في جزء منها إلى واقع اقتصادي ضاغط، يعاني فيه الملايين من صعوبة العيش، وتصبح المادة فعلا مسألة بقاء، لكنها حين تكرس هذه الصورة من دون توازن، تتحول إلى عامل ضغط إضافي، ينتج أزمات اجتماعية ونفسية أكثر مما يحل.
ويشدد على أن خطورة "الدرامي الموحد" ترسم شخصية الرجل الطيب على أنه ضعيف ماديا، غير جذاب، يضحى به لصالح الرجل الغني الذي يظهر غالبا مغرورا في البداية، ثم يفاجئ الجميع بتحوله الإنساني، هذا النموذج يتكرر حد الملل، ويرسل رسالة أنه لا قيمة للرجل إلا إذا كان قادرا على الإنفاق بسخاء.
أما صورة الأب، فهي أيضا تخضع لهذا القالب. فالأب الذي لا يستطيع شراء كل شيء لأبنائه يصور بالمنكسر، الصامت، الغائب، يسكت بأسئلة طفله، ولا يمنح فرصة للظهور كحام أو موجه أو قدوة.
وأخيرا، يبين خزاعي أن التأثير طويل المدى لهذا الخطاب قد يفرغ صورة الرجل من توازنها ومن أدواره الاجتماعية والتربوية؛ فبدلا من أن يشجع على أن يكون شريكا حقيقيا في بناء الأسرة على كل المستويات، يتحول إلى "صراف آلي" يقاس عطاؤه بقدرته على الدفع، وحين يعجز عن ذلك، يشعر بأنه يفقد مكانته في البيت والمجتمع.
وتعود الكيلاني، وتنصح بعودة الدراما العربية للحديث عن واقع المجتمع بعاداته الأسرية والنفسية وكسر هذا القالب النمطي الجديد وتقديم شخصيات أكثر توازنا كرجال يكافحون.
وتتفق مع خزاعي على أن الرجولة ليست حسابا بنكيا، بل موقف، ومسؤولية، وقدرة على الحب من دون شروط.
وتشدد على أن صورة الرجل في الدراما ليست مجرد حبكة فنية، إنها رسالة اجتماعية، تعيد تشكيل الوعي الجمعي، وتؤثر على اختيارات الفرد وعلاقاته وتوقعاته، فإما أن تكرس ضغوطا جديدة في مجتمع مثقل أصلا، أو تفتح بابا لحوار أكثر إنصافا عن الإنسان، قبل المال.
بعيدا عن تفاصيل كل شخصية، تكاد تجمع مسلسلات عربية عرضت مؤخرا على صورة واحدة للرجل، واختصرت حلم الفتاة في الرجل الغني.
تكرس هذه الأعمال فكرة أن الأمان والسعادة مرهونان بالمال، وأن الرجل الناجح هو الثري؛ الذي يملك السيارة الفارهة، البيت الكبير، الساعة الفاخرة والحساب البنكي المفتوح.
وفي المقابل، الرجل الطيب، المحب، المحترم، الطموح… قد لا يعد خيارا مناسبا، فقط لأنه "غير مقتدر" وإن قبلت به امرأة، فستكون حياتها مليئة بالبؤس والشقاء.
هذه الصورة الدرامية المتكررة لا تمر من دون أثر؛ بل تسهم، بوعي أو من دون وعي، في إعادة تشكيل مفهوم الزواج في أذهان ملايين المشاهدين من مختلف الطبقات والأعمار، خصوصا في البيئات التي تستهلك الدراما كمرآة للواقع أو كأداة تعليم غير مباشر، وفق ما تقوله التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني.
وتشير الكيلاني إلى أن المشكلة الحقيقية في الدراما اليوم تكمن في حصر هذا المفهوم بالاقتدار المالي، النجاح والجاذبية الشكلية.
وتوضح أن هذا النمط جعل كثيرا من فتيات الجيل الحالي يحلمن بالارتباط بشخصيات ثرية تشبه الشخصيات الدرامية، لتصور الرجل الجيد بأنه صاحب المال والثروة فقط.
وتنوه الكيلاني إلى أن هذا التناول يفرغ الرجل من إنسانيته، ويهمش قيما أساسية مثل الأخلاق، الاحتواء، الرعاية، الحوار، المشاركة والتضحية. هذا التأثير يمتد ليطال عقول الفتيات بمختلف الأعمار، كما يضاعف الضغط النفسي على الرجال الذين يجدون أنفسهم بعيدين عن نمط حياة البذخ والثراء المصورة في الدراما.
تستذكر الكيلاني أنها خلال جلسة مع صديقاتها، دار الحديث حول مسلسل يظهر بطله كرجل غني يقدم الكثير لحبيبته، وكانت الصديقات يتمنين وجود شخصيات مماثلة لبناتهن، متناسيات أن هذا المال الوفير في القصة كان ناتجا عن أعمال محرمة.
وتقول الكيلاني: "كانت الصدمة كبيرة؛ إذ أدركت أن أثر هذه الدراما يتجاوز حدود التسلية أو قضاء وقت عائلي، ليزرع أفكارا سلبية تتسرب إلى العائلات، وتنعكس لاحقا على الأبناء".
من جهته، يوضح اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن الدراما العربية، بما فيها تلك المستنسخة عن الدراما التركية، تشكل ضغطا هائلا على الرجل، خصوصا الشباب المقبلين على الزواج.
ويشير خزاعي إلى أن الكثير من هؤلاء الشباب يشعرون بالعجز أو النقص إذا لم يتمكنوا من تحقيق مستوى مادي معين، لا تفرضه حاجاتهم الفعلية، بل تفرضه "توقعات المجتمع"، المدفوعة غالبا بالصور النمطية التي تغذيها الدراما.
ويضيف خزاعي أن الكثير من الشباب يؤجلون الزواج لأعوام، فقط لأنهم لا يملكون شقة، وآخرين يشعرون بالنقص لأنهم لا يستطيعون مواكبة "الحياة التي تحلم بها الفتيات المتأثرات بحياة المشاهير على السوشال ميديا أو تشبيها بالدراما التي عززت قوة وجاذبية الرجل بالمال".
ويؤكد "اليوم في الدراما العربية تجد الرجل الجميل الأنيق، والزوجة الأنيقة، السيارة الجديدة، السفر الفاخر، الأطفال في مدارس خاصة، والبيت المجهز بأحدث الأجهزة، جميعها صور جاذبة وهناك من يتأثر بها".
ووفق خزاعي، هذه الصور لا تقف على المشاهدة فقط، وإنما تغذي بعض النساء على فكرة أن الرجل وظيفته الأولى هي الإنفاق، وأن حبه لا يقاس إلا بحجم ما يقدمه ماديا، وهنا ينشأ خلل في العلاقات الأسرية، فيصبح الحوار المالي أكثر حضورا من العاطفة، وتتحول العلاقة الزوجية إلى صفقة غير معلنة، تقيم فيها المشاعر على أساس الفواتير.
ويلفت إلى أن الدراما، وهي إحدى أقوى أدوات التأثير الجمعي، لا تنتج هذا الخطاب من فراغ، بل تستند في جزء منها إلى واقع اقتصادي ضاغط، يعاني فيه الملايين من صعوبة العيش، وتصبح المادة فعلا مسألة بقاء، لكنها حين تكرس هذه الصورة من دون توازن، تتحول إلى عامل ضغط إضافي، ينتج أزمات اجتماعية ونفسية أكثر مما يحل.
ويشدد على أن خطورة "الدرامي الموحد" ترسم شخصية الرجل الطيب على أنه ضعيف ماديا، غير جذاب، يضحى به لصالح الرجل الغني الذي يظهر غالبا مغرورا في البداية، ثم يفاجئ الجميع بتحوله الإنساني، هذا النموذج يتكرر حد الملل، ويرسل رسالة أنه لا قيمة للرجل إلا إذا كان قادرا على الإنفاق بسخاء.
أما صورة الأب، فهي أيضا تخضع لهذا القالب. فالأب الذي لا يستطيع شراء كل شيء لأبنائه يصور بالمنكسر، الصامت، الغائب، يسكت بأسئلة طفله، ولا يمنح فرصة للظهور كحام أو موجه أو قدوة.
وأخيرا، يبين خزاعي أن التأثير طويل المدى لهذا الخطاب قد يفرغ صورة الرجل من توازنها ومن أدواره الاجتماعية والتربوية؛ فبدلا من أن يشجع على أن يكون شريكا حقيقيا في بناء الأسرة على كل المستويات، يتحول إلى "صراف آلي" يقاس عطاؤه بقدرته على الدفع، وحين يعجز عن ذلك، يشعر بأنه يفقد مكانته في البيت والمجتمع.
وتعود الكيلاني، وتنصح بعودة الدراما العربية للحديث عن واقع المجتمع بعاداته الأسرية والنفسية وكسر هذا القالب النمطي الجديد وتقديم شخصيات أكثر توازنا كرجال يكافحون.
وتتفق مع خزاعي على أن الرجولة ليست حسابا بنكيا، بل موقف، ومسؤولية، وقدرة على الحب من دون شروط.
وتشدد على أن صورة الرجل في الدراما ليست مجرد حبكة فنية، إنها رسالة اجتماعية، تعيد تشكيل الوعي الجمعي، وتؤثر على اختيارات الفرد وعلاقاته وتوقعاته، فإما أن تكرس ضغوطا جديدة في مجتمع مثقل أصلا، أو تفتح بابا لحوار أكثر إنصافا عن الإنسان، قبل المال.
0 تعليق