أيمن شكل
صدر عن مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية كتاب بعنوان «الأمن والأمان في عهد حمد» للسفير د. عمر الحسن، والذي استعرض فيه مسيرة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين ضمن نطاق 3 مراحل تاريخية بدأت منذ استقلال البحرين عام 1971، وصولاً إلى بداية حكم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، وكذلك التحديات الأمنية التي واجهتها المملكة.
يضع د. عمر الحسن مؤلف الكتاب بين يدي الباحثين، والدارسين، والأكاديميين، والمؤرخين، والمهتمين بتاريخ البحرين، توثيقاً لمسيرة تنموية استمرت ربع قرن من عهد جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، مسلطًا الضوء على جهود المملكة في الحفاظ على أمنها، والتمسك بهويتها العربية والإسلامية، بما يساعد على تكوين صورة واضحة عن فترات مهمة من تاريخها؛ وليكون مرجعاً لهم في دراسة وتحليل التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها.
وفي المرحلة الأولى يقدم الكتاب لمحة عن التحديات الأمنية للفترة من 1971 - 1999 وهي مرحلة استقلال البحرين عام 1971، ثم ينتقل في المرحلة الثانية إلى التحديات الأمنية من 2000 - 2010 مع تولي ملك البلاد المعظم الحكم في مارس 1999، وبدء البحرين مرحلة جديدة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث أطلق جلالة الملك المعظم المشروع الإصلاحي، الذي تضمن ميثاق العمل الوطني عام 2001، وإصدار دستور جديد عام 2002.
وتطرق الكتاب إلى انضمام البحرين وتصديقها على العديد من الصكوك الحقوقية الدولية، من أهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 2006، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في 2007، وكذلك الإصلاحات الاقتصادية، وإصلاحات التعليم وسوق العمل، وصدور رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي رسمت الطريق نحو المستقبل، كما برز دور المرأة كمشارك رئيسي على قدم المساواة مع الرجل في العمل السياسي والتنموي، وأكد أن نتيجة الاستقرار الأمني حققت المملكة معدلات نمو اقتصادي سنوية متوسطها 7% انعكست على الارتقاء بالمستوى المعيشي للأسرة البحرينية.
ولم ينسَ الكاتب التعريج على المجال الخارجي، وما شهده عهد جلالة الملك المعظم من تعزيز التعاون الأمني الخليجي والعربي، والتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا لمواجهة تحديات التطرف والإرهاب، ونمو المنظمات الإرهابية، وانضمام المملكة لمبادرة إسطنبول في 2004 للتعاون مع الناتو، وانطلاق حوار المنامة للأمن الإقليمي في نفس العام.
ولفت الكاتب إلى ما واجهته البحرين من تحديات جديدة مثل الجرائم السيبرانية، وغسل الأموال، والمخدرات، والأمن المائي والغذائي، حيث وضع ملك البلاد المعظم استراتيجية شاملة للتعامل مع كافة التحديات، وحرص جلالته على تعزيز القدرات الأمنية، وتطوير التشريعات، والتوجيه للتعاون بين المؤسسات التشريعية والقضائية والإعلامية، وتعزيز مفهوم الشراكة المجتمعية، والاهتمام بحقوق الإنسان.
وبالتوازي مع ذلك، تناول الكتاب استراتيجية «وزارة الداخلية»، المتكاملة والمتعددة الأبعاد لحماية وتعزيز الأمن الوطني بكافة أبعاده، قادها وزير الداخلية الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، والتي استطاعت من خلالها أن تحقق استقرار البلاد وأمن المواطنين، مشيراً إلى أن الوزارة طورت منظومتها الأمنية من خلال تدريب وتأهيل كوادرها، وتنفيذ مئات الدورات في مكافحة الإرهاب والجريمة الإلكترونية، وتحديث أدواتها التقنية والتشغيلية، إلى جانب تعزيز قدراتها في الأمن السيبراني، كما فعّلت شراكاتها مع مؤسسات الدولة، لا سيما التشريعية والقضائية، عبر تشريعات رادعة، وتنفيذ أحكام فاعلة.
وبين الكتاب البُعد الإعلامي في عمل وزارة الداخلية، من خلال بناء علاقة تواصل مع وسائل الإعلام والمجتمع، ومبادرات مجتمعية، أبرزها إنشاء شرطة خدمة المجتمع، وتنظيم لقاءات مباشرة مع المواطنين من مختلف الشرائح، ما ساعد في بناء الثقة وترسيخ الأمن المجتمعي. ومن خلال هذه الجهود المتكاملة، جسّدت الوزارة جوهر التوجه الملكي، وأكدت أنها حجر الزاوية في حماية البحرين وتعزيز استقرارها. وكان من شأن تضافر هذه الجهود بين كافة المؤسسات في البلاد في ظل شراكة مجتمعية فعالة وإدارة حكيمة.
ويشير الكتاب إلى المرحلة الأخيرة، عندما واجهت خلالها تحديات مستحدثة، كان أبرزها تفشي جائحة «كورونا» عالمياً، والتي أدارتها بكفاءة واقتدار ودون تمييز بين مواطن ووافد، بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، نالت عنها إشادات من «منظمة الصحة العالمية»، و«منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والأممية».
كما نوه الكتاب بما سعت إليه البحرين من تعزيز ثقافات التسامح والتعايش وقبول الآخر، من خلال مؤتمرات الحوار الحضاري، والديني، والثقافي، والحلقات النقاشية، وإطلاق جائزة الملك حمد للتعايش السلمي.
واختتم الكتاب بالإشارة إلى أن التجربة البحرينية الأمنية، خلال ربع قرن من عهد جلالة الملك المعظم، ليست مجرد نموذج محلي، بل هي «مدرسة في إدارة الأزمات»، تمزج بين التحديث المؤسسي، والمرونة السياسية، والانفتاح المجتمعي، والعمل الأمني الاحترافي، فقد ساهمت الاستراتيجيات الأمنية الشاملة، التي تبنتها المملكة، في تحويل التهديدات إلى فرص للنمو، مما جعلها اليوم إحدى أكثر الدول استقراراً في محيطها الإقليمي المضطرب، بل إنها باتت من أوائل الدول التي طبقت نظام العقوبات البديلة والسجون المفتوحة، في خطوة تعكس التزامها بالقيم الحقوقية الحديثة.
0 تعليق