المتتبع للنشاط البحريني في الآونة الأخيرة، عليه أن يرفع من لياقته الذهنية والجسدية للحاق بزخم الفعاليات المتتابعة على ساحات ذلك النشاط الرشيق، المتنوع في مضمونه، والملهم في تأثيره، وبتفاصيل تنم عن استعداد البحرين التام لتكون منصة نابضة بالحياة والابتكار.
(1) سأبدأ بأول لوحة بانورامية؛ عندما كشف مطار البحرين الدولي -مؤخراً- عن تحفته الفنية الجميلة «كونكورديا»، بريشة وتنفيذ الفنان البريطاني الشهير السير براين كلارك، التي زينت جدران مينائنا الجوي لتحكي لنا، بألوانها المبهجة، قصة الفرح النابعة من الروح الودودة للإنسان البحريني.
الفنان اعتبر العمل أحد أحلامه المهنية، وترجم من خلاله انطباعاته ومهاراته وتخيلاته الفنية المستوحاة من البيئة البحرينية، في حين حرص القائمون على المشروع الفني على أن تعكس رسائله مكانة البحرين كمركز مشع للتقارب الإنساني والتفاعل الحضاري بين الشرق والغرب.
فأهلاً بـ«كونكورديا»، بمعناها اللاتيني الحميم الذي يبشر بوحدة القلوب ووئامها كأصل للسلام والتكامل بين المجتمعات الإنسانية. وإلى لقاء قريب معها... وجهاً لوجه.
(2) أما ثاني مشهد بانورامي، فيأخذنا إلى ضفاف أوساكا اليابانية، حيث تشارك البحرين في معرض «إكسبو 2025»، الذي يناقش بدوره، ويستطلع، رؤية العالم لـ«مجتمع المستقبل».
أوساكا، المعروفة تاريخياً بـ«مطبخ الأمة» كموقع رئيسي لتجارة الأرز الشهيرة، تتميز أيضاً بإطلالتها البحرية كأحد أهم الموانئ وأكثرها نشاطاً، ناهيك عن كون المدينة وجهاً من وجوه اليابان المبدعة في ضبط الموازين بين عراقة التقاليد ومتطلبات الحداثة، ما يجعلها وجهة تشابه ونقطة تلاقٍ تقرّب البحرين باليابان، وتعمّق أواصر صداقتهما الممتدة.
ولا أخفي إعجابي المبدئي بـ«ثيمة» الموقع البحريني الذي أحسن اختيار موضوع البحر نظراً لمكانته في ثقافة أهل الجزر ودوره في تشكيل الشخصية المنفتحة لسكانها، بالإضافة إلى أهميته كجسر من جسور «التلاقي» الثقافي المؤدي للتفاعل الإيجابي للمجتمعات، وتعميق شعور الاعتزاز بالقيمة الإنسانية لتنوعها الفكري.
ومن الواضح بأن جناح البحرين سيكون بمثابة ورشة العمل لفعاليات عديدة تحتفي بالتفاعل والتبادل الثقافي في تقريب المسافات بين الشعوب، لا سيما طرح أفكار مبتكرة لطبيعة وشكل مستقبل المجتمع العالمي.ومع توقع استقباله لما يقارب 28 مليون زائر على مدار 180 يوماً، فلا بد له كذلك من مشاركة العالم شجونه في كيفية حماية التواصل الإنساني الحيّ أمام عقبات القطيعة والصراعات في ظل تقلبات السياسة العالمية، إلى جانب ما تأتي به طفرات وثورات الذكاء الاصطناعي من تحديات تطال الإبداع والفكر الإنساني.
(3) وأتوقف ختاماً عند محطة النجاح المبهر لسباق البحرين للفورمولا 1، الذي يأتينا كل عام بزخم جديد وأداء يتفوق على نفسه. كما أن نجاحه، بالنظر إلى عزيمة وإصرار من يقف خلف هذا العمل الرياضي الكبير، وبتوفيق من الله، هو نجاح محقق.
ولكن هناك نجاح بلا نكهة، وهناك نجاح يجعلك تقفز من مقعدك فرحاً وفخراً وبعيون تغمرها دموع الارتياح من اكتمال الإنجاز، كمشاعر الشاب بشارة عبده، المدير التنفيذي للخدمات المؤسسية في حلبة البحرين الدولية، التي عبّرت لنا عما تعنيه قيمة المثابرة والمصابرة في الخدمة الوطنية. وهذه ميزة «بحرينية بامتياز»، لعزيمة لا تقبل إلا بالمعالي.
ورجوعاً إلى جميع تلك المشاهد التي تضيء بألوان «كونكورديا» وتفوح بنسيم البحر المنعش، نجد بأن عاملها المشترك وقوتها المحركة، هو حماسة، والتزام، وتكامل جهود «فريق البحرين» المتألق، بقيادة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وفقه الله وأعانه. فالفريق يُتقن حبك خيوط نسيج بانورامي متعدد الأبعاد في نظرته، وعالي النشاط في سرعة مواكبته لإيقاعات العصر دون تفريط بالجذور، لتحقيق الرؤية الملكية الرحبة المعانقة للسماء بطموحاتها لرخاء كل أبناء البحرين.
*عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة
0 تعليق