غزة.. سكينة لا تعرف الانكسار

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

في بقعة من الأرض، ضيقة المساحة، متسعة الروح، تقف غزة..
لا مدينة ككل المدن، بل مرآة تُريك وجها آخر للطمأنينة، وجها لا يُرى في القصور ولا بين دفء الأرائك. في غزة، السكينة ليست رفاهية، بل خيار يومي.. ضرورة تُختار مع كل فجر، بين صوت الأذان وصدى القصف.اضافة اعلان
هناك، حيث تتكئ الحياة على حافة الموت، وحيث الوجع يتكرر كأن الزمن عالق، يعيش الناس لا لأن الظروف تسمح بذلك، بل لأن الإيمان يجعل كل شيء ممكنا. في كل شارع مدمر، في كل بيت فقد صاحبه، في كل أم تُودع أبناءها ولا تذرف دمعة أمامهم.. شيء ما يقول لك:
هنا يولد الثبات من تحت الركام، وتزهر الطمأنينة من قلب العاصفة.
في غزة، لا حديث عن فلسفات قديمة، ولا عن نظريات رواقية تُدرّس في الكتب..
لكن إن أردت أن ترى الرواقية تُمارس واقعًا، فانظر في وجوه أطفالها، في ابتسامة شاب يحمل الإسمنت على كتفه ليبني ما هُدم، في يد ترفع الدعاء بدل أن ترفع الراية البيضاء.
الفلسفة الرواقية قالت: "لا تحزن على ما لا تملكه، ولا تغضب لما لا تستطيع تغييره".
أما أهل غزة فقالوا: "حسبنا الله ونِعم الوكيل"، وقالوا: "قدر الله وما شاء فعل"، وقالوا: "وإن مع العسر يُسرًا".
لم يقرأوا الفلسفات، لكنهم سكنوا معناها، وأقاموا فيها كأنها وطن.
حين نقرأ: "لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم"، نفهمها، لكنهم يعيشونها. لا يتوقفون عند فقد بيت، أو غياب ابن، أو لحظة انهيار. يقفون، يربتون على قلوبهم بأن الله معنا، ثم يمضون.
حين تسأل: كيف يبتسمون؟
يقول لك طفل فقد عائلته: لأن الله لا ينسى.
وحين تسأل: من أين لهم هذه القوة؟
تجيبك أم شهيد: لأنني على وعد.. وعد الجنة، ووعد النصر.
غزة لا تملك رفاهية أن تنتظر الأخبار الجيدة، هي تصنعها.
لا تنتظر أن يأتي الفرج، بل تحمله في دعائها، وتكتبه على جدرانها، وتعلّمه لأبنائها.
في كل لحظة تهديد، هناك لحظة تسليم.
في كل ليلة خوف، هناك سجدة طويلة تبكي فيها القلوب قبل العيون.
هناك في غزة، السكينة ليست غياب الخطر، بل حضور الله.
العالم قد يتحدث عن قوة الصواريخ، وعدد القتلى، وخسائر الاقتصاد..
لكننا إن أردنا أن نكتب تاريخا حقيقيا لهذه الأرض، فلن نبدأ بالحصار، بل بـ"الصبر".
ولن نحكي عن الأنفاق، بل عن "القلوب التي لم تنهر"،
ولن نحصي ما فُقد، بل ما لم يُفقد أبدًا: الكرامة، الإيمان، والعزة.
نعم، غزة تتألم.
لكنها لا تنكسر.
تُقصف.. لكنها تُكبّر.
تُهاجَم.. لكنها تصمد، وتكتب للعالم أعظم دروس السكينة.
سكينة من نوع خاص، لا تُشترى، ولا تُدرَّس، بل تُغرس في القلب حين يعرف أن الأرض لله، وأن وعده حق، وأن الألم طريق، لكنه ليس النهاية.
فيا أهل غزة، أنتم لستم فقط مقاومين..
أنتم أنبياء الطمأنينة في زمن الخوف، أنتم حجّة علينا جميعًا، أن الصبر ليس ضعفًا، والرضا ليس هزيمة، والسكينة ليست انسحابًا، بل قوة لا يُدركها إلا من عرف ربه في عمق المحنة.
سلامٌ على غزة..
سلام على وجوهها الثابتة، على قلوبها المطمئنة،
سلام على من لا يبحث عن الحياة، بل عن المعنى.
ومن وجد المعنى، عاش.. ولو تحت القصف.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق