«أو...روبا» كلمة قالت لصاحبها: دعني !

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تحاول الدول الأوروبية هذه الأسابيع أن تستوعب واقعها الجديد، بعد الإصرار الأمريكي على أن تتحمل هذه القارة أقدارها وتسيّر مقاديرها بنفسها. لم يكن هذا الرأي مفاجئاً إذ لطالما كان ترمب صريحاً وهو يشير مرة تلو أخرى إلى أن بلاده تتحمل عبئاً كبيراً لحماية قارة لا تريد أن تخصص مواردها لتحمي نفسها. وعلى الضفة المقابلة، مع دعاوى دعم أوكرانيا، والاستقلال عن أمريكا، وكأن أوروبا تقول لنفسها: رب كلمة قالت لصاحبها دعني.

إذا افترضنا أن هذا الخلاف أمده ممتد طوال السنوات الأربع، فهذا بالتأكيد سيفرض واقعاً مختلفاً يلقي بظلاله على الحرب الأوكرانية.

إن الأصوات المنادية بتفرُّد أوروبي عن أمريكا، مهمة، خصوصاً الصوت الإنجليزي والألماني. لكن فرنسا بالذات لديها رغبة كبيرة في لعب دور أكبر لتعويض ما يمكن تعويضه من نفوذها. فرنسا التي منيت بخسائر مضنية في أفريقيا، تريد أن تبقي لها نفوذاً في الشرق الأوسط وتثبت هيبتها على ظلاله.

فرنسا تعرضت لنكسات كبيرة في أفريقيا، خاصة بعد انقلاب حكومات موالية لها في دول مثل مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، وطرد قواتها من هناك. نفوذها تراجع لصالح روسيا (عبر مجموعة فاغنر) والصين. لذلك فإن فرنسا تحاول الآن تعزيز علاقاتها بدول أفريقية مستقرة (كالساحل الشرقي والسنغال)، كما تسعى لزيادة حضورها في آسيا وأوروبا الشرقية اقتصاديّاً وسياسيّاً لتعويض التراجع في أفريقيا.

ورغم ذلك فإن أوروبا وماكرون، الذي يحاول صناعة مجد أوروبا الجديدة، لا يعرفون أن الحدود تغيرت والأوضاع لم تعد كسابق عهدها. ستكون العلاقات مع ترمب هي الأثقل عليه في السنوات الأربع المقبلة.

نعم، هناك توتر سياسي بين أوروبا (خصوصاً فرنسا وألمانيا وبدرجة أقل بريطانيا) وبين الولايات المتحدة بسبب مواقف دونالد ترمب، خاصةً فيما يتعلق بحلف الناتو. والخلاف يتمحور حول نقطتين أساسيتين: فترمب انتقد بشدة الدول الأوروبية، معتبراً أنها لا تدفع ما يكفي مقابل حمايتها من قِبل الولايات المتحدة ضمن إطار حلف الناتو. وطالبها بزيادة مساهماتها المالية. وتصريحاته المتكررة عن احتمال انسحاب أمريكا من الناتو، أو عدم التدخل للدفاع عن دول لا «تدفع نصيبها»، أثارت قلقاً أوروبيّاً كبيراً بشأن موثوقية واشنطن شريكاً استراتيجيّاً.

فرنسا وألمانيا تحديداً تريا أن أوروبا يجب أن تبني قدرة دفاعية أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، وهو ما تعزز في خطاب ماكرون حول «الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي».

ماكرون يريد أن يقود أوروبا نحو سياسة أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة، خصوصاً في عهد ترمب. هناك خلاف واضح بين ماكرون وترمب، خاصة في قضايا مثل: الاعتماد الدفاعي على أمريكا (ماكرون يدعو لاستقلال أوروبي استراتيجي). وبخصوص التغير المناخي (ترمب انسحب من اتفاق باريس، وماكرون انتقده بشدة). والتعددية الدولية (ماكرون يدافع عنها، بينما ترمب كان يميل إلى الأحادية).

ولا ننسى أن توسّع حلف الناتو شرقاً بعد الحرب الباردة اعتبرته روسيا تهديداً مباشراً، وردّت عليه بغضب متزايد عبر السنوات. الكثير من المحللين يرون أن توسّع الناتو كان مبالغاً فيه وساهم في توتير العلاقات، وأنه كان أحد العوامل التي أدّت إلى حرب أوكرانيا، لأن روسيا اعتبرت احتمال انضمام أوكرانيا للناتو خطاً أحمر.

المعطيات لا تصب في صالح الاستقرار إلا إذا اقتنعت أوروبا أن مصالح الدول الكبرى لها مكان تحت الشمس!

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق