loading ad...
عمان - في ضوء تعالي دعوات محلية ودولية نحو أهمية اتباع حلول مبتكرة لمواجهة تغير نوعية المياه السطحية والجوفية، بدءا من الرصد المتقدم للمياه، إلى الزراعة المستدامة والتقنيات الجديدة لإنشاء مجار مائية أكثر نقاء، أكد خبراء في قطاع المياه، أهمية جهود قطاع المياه الأردني لرصد نوعية المياه السطحية، والحد من التعديات والتلوث من خلال التشريعات والتفتيش الدوري.اضافة اعلان
إلا أن تلك الجهود ما تزال تصطدم بتحديات زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني واللجوء، وضعف التمويل لبعض المشاريع البيئية، وتأثير التغير المناخي على معدلات الهطول وانتظام الجريان.
وفي حين أبدت تلك الدعوات قلقها إزاء تسرب أي نوع من الملوثات من خلال مجاري المياه كالطرق والمزارع والمناطق الصناعية إلى المجاري المائية، وانعكاسه على نوعية المياه، أشار المختصون، في تصريحات لـ"الغد"، إلى ضرورة اتخاذ تدابير وقائية للحد من استخدام المبيدات الحشرية واستخدام تقنيات زراعية مستدامة كالزراعة العضوية.
وفيما سلطت الدعوات الضوء على حلول الإدارة المسؤولة للأراضي، وتقليل استخدام المواد الكيميائية، وتحسين التخطيط الحضري مع بنية تحتية خضراء، وتحسين التخلص من النفايات لتقليل الملوثات في المسطحات المائية، قال الخبراء إنه من المهم فهم تعقيدات الجريان السطحي الزراعي وتأثيره على جودة المياه، لحماية نظمنا الإيكولوجية وضمان توافر المياه النظيفة للأجيال.
وأكدوا أن قطاع المياه بالأردن يعمل على عدة مستويات لمعالجة قضايا حماية المياه السطحية والجريان السطحي كأولوية قصوى، خصوصا أن كونها من الدول التي تعاني من شح المياه، وتصنف كأفقر دولة مائيا على مستوى العالم.
دراسة سلطة المياه
بدورها، انسجمت مساعي وزارة المياه والري بسلطتيها المياه ووادي الأردن مع الحفاظ على تحقيق هدف حماية نوعية المياه، إذ أطلقت أخيرا دراسة "تحديات جودة المياه - دراسة حالة النيترات"، والتي أجرتها الوزارة - سلطة المياه، بالتعاون مع المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية (BGR).
وتكمن أهمية تلك الدراسة في رسم "خريطة طريق لمناطق مصادر المياه القابلة للتلوث، والمناطق التي يمكن إنشاء استثمارات فيها يكون تأثيرها أقل على نوعية المياه".
وأشارت الدراسة التي قدمت خطة أساسية لجودة المياه الجوفية في الأردن بين عامي 2020 و2023 وبينت جودة المياه كما وُجدت في موقع المراقبة قبل أي معالجة، إلى وجود ما نسبته 41 % من أصل 520 موقعا مأخوذا من مصادر مائية متعددة، "تجاوزت حدود نظام المياه الجوفية الأردني".
إلا أن الأمين العام لوزارة المياه والري د. جهاد المحاميد، أكد، في تصريحات سابقة لـ"الغد"، أنه "من حسن حظ الأردن أن كامل مصادر التلوث هي مصادر نقطية، أي أنها محدودة في منطقة معينة ويمكن السيطرة عليه، وليست مساحية، بمعنى أنه يكون من الصعب جدا استخدام الطبقة المائية".
وشدد حينها، على أهمية الدراسة في كيفية تحسين شبكات المراقبة فيما يتعلق بنوعية المياه، وتحديد مواقع النقاط الساخنة، توازيا وتحديد مصادر التلوث، والذي سيترتب عليه رسم خريطة طريق يستدل من خلالها أصحاب القرار نحو تحديد نوع النشاط سواء كان زراعيا أو صناعيا، وذلك بناء على القياسات التي تتعلق بنوعية المياه.
وقال المحاميد إن ذلك سيساهم في تعزيز شبكة المراقبة، وتعزيز الاستدامة في الموارد المائية، وذلك بناء على المؤشرات التي تظهر لدينا من خلال شبكة المراقبة.
من جهتها، تقوم مديرية شؤون المختبرات والنوعية في سلطة المياه، وهي مركز رائد يساهم في تحقيق الأمن المائي الوطني، بتطبيق إجراءات ترتبط باستخدام أحدث التقنيات والمستجدات العلمية في مجال مراقبة نوعية المياه والتحاليل المخبرية، وتطبيق متطلبات نظام ضبط الجودة التحليلية لنظام الآيزو رقم 17025، وتطبيق منهجيات حماية المساقط المائية وسلامة مياه الشرب من خلال تطبيق تعليمات حماية المصادر المائية وخطط مأمونية المياه. وذلك إلى جانب إجراءات "شؤون المختبرات والنوعية" في توفير البيانات التحليلية عبر نظام متطور لإدارة المعلومات المخبرية، وإجراء الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة في مجال نوعية المياه، وتطبيق متطلبات السلامة العامة.
تدابير وقائية
إلى ذلك، أكدت الخبيرة الأردنية في "دبلوماسية المياه" م. ميسون الزعبي على أهمية اتخاذ تدابير وقائية للحد من استخدام المبيدات الحشرية واستخدام تقنيات زراعية مستدامة كالزراعة العضوية.
وشددت الزعبي على أهمية فهم تعقيدات الجريان السطحي الزراعي وتأثيره على جودة المياه، لحماية نظمنا الإيكولوجية وضمان توافر المياه النظيفة للأجيال القادمة، مشيرة إلى الدور الحاسم للمزارعين في الحد من الجريان السطحي الزراعي وضمان صحة واستدامة مواردنا المائية.
وقالت: "من خلال اعتماد ممارسات مبتكرة وصديقة للبيئة، يمكن الحد بشكل كبير من كمية الملوثات التي تشق طريقها إلى مواردنا المائية".
وأضافت: "ومن خلال تبني الممارسات الزراعية المستدامة، وتنفيذ إستراتيجيات الإدارة الفعالة، وتعزيز التعاون بين أصحاب المصلحة، يمكننا أن نسعى جاهدين نحو نظام زراعي أكثر استدامة يقلل من التكاليف الخارجية المرتبطة بالجريان السطحي ويحمي مواردنا المائية الثمينة".
وأشارت إلى ضرورة تطبيق سياسات بيئية فعّالة لمنع تسرب الملوثات إلى موارد المياه الجوفية، وتعزيز التخلص الآمن من النفايات الصناعية والزراعية والمنزلية، موصية بأهمية تطوير تقنيات مبتكرة لمعالجة المياه الجوفية والاستفادة منها للتخلص من الملوثات الحالية واستعادة نقاء المياه الجوفية.
ورأت أنه لحسن الحظ، تتوفر تدابير يمكن للمزارعين وصانعي السياسات اتخاذها للتخفيف من آثار الجريان السطحي الزراعي، لافتة إلى إمكانية أن تساعد أفضل ممارسات الإدارة (BMPs) كالحراثة، والمحافظة على البيئة، وزراعة الغطاء النباتي، والإدارة الدقيقة للمغذيات، في تقليل كمية الرواسب والمواد المغذية والمبيدات الحشرية التي تدخل المسطحات المائية.
وتابعت: "يمكن للمناطق العازلة، وهي مناطق نباتية بين الحقول والمسطحات المائية، أن تساعد أيضاً في تصفية الجريان السطحي ومنع الاتصال المباشر بين الملوثات والمياه، بالإضافة إلى ذلك، فإن تثقيف المزارعين حول أهمية حماية مصادر المياه يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً في حماية جودة المياه".
وبينت أن التكنولوجيا الحيوية البيئية تساهم في تطوير تقنيات زراعية مستدامة تعتمد على تحسين خصوبة التربة باستخدام الطرق الطبيعية دون اللجوء لاستخدام الأسمدة الكيماوية الضارة، وهو حل مبتكر ومستدام لمواجهة تحديات التلوث وتغير المناخ.
مستقبل أنظف للبيئة
وأوضحت الزعبي أنه بفضل استخدام الكائنات الحية والتقنيات المتقدمة، يُمكن تحقيق تحسينات ملموسة في جودة البيئة وتقليل الآثار السلبية على المناخ. ومع استمرار البحث والابتكار، ستصبح هذه التكنولوجيا ركيزة أساسية في تحقيق الاستدامة وبناء مستقبل أنظف وأكثر مراعاةً للبيئة.
وتُعدّ الممارسات الزراعية المستدامة، المدعومة بالتقنيات الخضراء، مفتاحا لتحسين إنتاجية المحاصيل، والحد من هدر الغذاء، وضمان الأمن الغذائي لأعداد السكان المتزايدة، وفق الزعبي التي استعرضت مثالا حول إمكانية استفادة الزراعة الدقيقة من أجهزة الاستشعار والطائرات بدون طيار وتحليل البيانات لتحسين استخدام الموارد وتخصيص تطبيقات الأسمدة والري لتلبية احتياجات المحاصيل المحددة، معتبرة أن "هذا النهج القائم على البيانات، يقلل من الهدر، ويعزز الإنتاجية، ويُقلل من الأثر البيئي".
وأضافت: "يشهد عالم التقنيات الخضراء تطورا مستمرا، مع ظهور ابتكارات جديدة لمواجهة تحديات الأمن المائي والغذائي بدقة وكفاءة أكبر، فمن بين هذه الابتكارات أجهزة الاستشعار النانوية، التي يمكنها الكشف عن ملوثات المياه بمستويات منخفضة للغاية، ما يتيح الكشف المبكر عن التلوث ومعالجته".
وأكدت أهمية تعزيز البحث والابتكار في مجال معالجة المياه، إلى جانب تحسين العمليات المستخدمة لإزالة الملوثات الكيميائية والعضوية، والتركيز على التوعية البيئية، وتعزيز التثقيف بأهمية المياه الجوفية وتأثير تلوثها، منوهة بمساهمة تعزيز الإجراءات الوقائية في نقاء وجودة المياه والحفاظ عليهما للأجيال الحالية والمستقبلية.
أما عن الأطر القانونية والتنظيمية الموضوعة للسيطرة على تلوث الجريان السطحي، فشددت على دورها الحاسم في التخفيف من الآثار الضارة للأنشطة الزراعية على المسطحات المائية والنظم البيئية، وذلك عبر تنفيذ أفضل ممارسات الإدارة، ومعايير جودة المياه، وخطط إدارة المغذيات، وبرامج الحفاظ عليها.
وبحسب الزعبي "بما أن إدارة المياه تقع ضمن مسؤولية وزارة المياه والري، وإدارة العمليات الزراعية داخل المزرعة تقع ضمن مسؤولية وزارة الزراعة، ولحماية المياه الجوفية من التلوث الناتج عن العمليات الزراعية، ثمة حاجة للتركيز على نهج الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والنظام البيئي".
وهنا، دعت إلى أهمية تفعيل دور مجلس الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والبيئة المُنشأ حديثًا لتعزيز الترابط بين القطاعات الحيوية، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة وضمان استقرار الموارد للأجيال القادمة.
ونوهت بأنه "رغم الجهود المبذولة في الأردن، كمشاريع الطاقة الشمسية لضخ وتنقية وتحلية المياه، واستخدام تقنيات الري الحديثة، إلا أن تطبيق هذا المفهوم يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، ما يعيق تنفيذ سياسات متكاملة"، موصية في هذا السياق بضرورة "وضع إطار تنظيمي لتعزيز حوكمة قطاعات المياه والطاقة والغذاء والبيئة المترابطة".
مسؤولية جماعية
ورأت الزعبي أن حماية المياه الجوفية، تتطلب تعاونا وتضافرا شاملين بين الحكومات والمجتمعات المحلية والمؤسسات البيئية والصناعية، داعية إلى ضرورة تحمل المسؤولية المشتركة للحفاظ على هذا المورد الحيوي، والعمل معًا لتحقيق التنمية المستدامة.
وحذرت الزعبي من مخاطر تلوث المياه الجوفية، مشيرة إلى كونها مشكلة بيئية خطيرة تُهدد سلامة ونقاء موارد المياه العذبة التي يعتمد عليها الأردنيون، وأهمها المياه الجوفية.
وقالت إنه "في حال تلوث المياه الجوفية، قد تكون آثاره طويلة الأمد ويصعب إصلاحها. لذلك، يجب اتخاذ تدابير شاملة لحماية المياه الجوفية والحفاظ عليها من التلوث".
وتابعت أنه "بالإضافة إلى الإفراط في الاستخدام، تتعرض موارد المياه الجوفية للتهديد بسبب التلوث البشري الناجم عن الممارسات الصناعية والزراعية"، مبينة أن تدهور نوعية موارد المياه الجوفية، والناتج عن الاستغلال المفرط والتلوث، يؤدي لتفاقم ندرة المياه.
وأوضحت أن الأنشطة الزراعية تلعب دورا مهما في تلوث المياه السطحية، فالإفراط في التسميد، واستخدام المبيدات الحشرية، وسوء إدارة الأسمدة، قد تؤدي لجريان غني بالمغذيات، ما قد يؤدي إلى تسرب مواد ضارة إلى المياه الجوفية والسطحية.
ولفتت إلى إمكانية أن يساهم تآكل التربة الناجم عن الحقول الزراعية أيضًا إلى جريان مياه محمّلة بالرواسب، ما يزيد من تدهور جودة المياه.
أهمية المياه السطحية
بدورها، أكدت الأستاذة في كلية هندسة وإدارة الموارد الطبيعية في الجامعة الألمانية الأردنية د. منى هندية، أن قطاع المياه والري في الأردن، يعمل على عدة مستويات لمعالجة قضايا حماية المياه السطحية والجريان السطحي كأولوية قصوى، خصوصا أنه من الدول التي تعاني من شح المياه.
وقالت هندية إن المياه السطحية في الأردن، تسهم بحوالي 28 % من إجمالي إمدادات المياه في البلاد، إذ توفر موارد المياه السطحية، مثل نهر الأردن واليرموك والزرقاء، 239 مليون متر مكعب لكل سنة من المياه.
وأضافت إن قطاع المياه في الأردن، يعمل على عدة مستويات لمعالجة هذه القضايا؛ مشيرة إلى بناء عدد من السدود الكبرى مثل سد الملك طلال، وسد الوحدة.
وبينت أن هناك خططا لمزيد من مشاريع الحصاد المائي لتعزيز تخزين الجريان السطحي، حيث تبذل جهود لرصد نوعية المياه السطحية، والحد من التعديات والتلوث من خلال التشريعات والتفتيش الدوري.
وتسعى وزارة المياه والري إلى تعزيز وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على الموارد المائية، ودور الأفراد في تقليل التلوث، فيما تتمثل التحديات القائمة في زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني واللجوء، وضعف التمويل لبعض المشاريع البيئية، وتأثير التغير المناخي على معدلات الهطول وانتظام الجريان.
وتابعت أنه نظرا لشح المياه ومحدودية مصادرها في الأردن، تعد السدود أداة إستراتيجية للأمن المائي، ومن أهم البُنى التحتية التي يعتمد عليها قطاع المياه لتجميع مياه الأمطار والجريان السطحي، وتغذية المياه الجوفية وتوفير مياه للري والزراعة، ودعم مياه الشرب في بعض المناطق، والحد من خطر الفيضانات في فصل الشتاء.
أما التحديات التي تواجهها السدود في بعض المواسم فتشهد ضعفًا شديدًا في الأمطار، ما ينعكس على نسب التخزين، وتفقد السدود كميات كبيرة من المياه سنويًا بسبب التبخر، وتراكم الطمي والرواسب يقلل من السعة التخزينية الفعلية للسدود، وبعض السدود تتعرض لتسرب مياه عادمة معالجة أو غير معالجة تؤثر على نوعية المياه، وفق هندية.
ودعت بهذا الخصوص إلى تحديث البنية التحتية لبعض السدود، وتحسين أنظمة التشغيل والصيانة، وسط عدم إغفال أهمية تعزيز التعاون الإقليمي خاصة في السدود الحدودية مثل سد الوحدة مع سورية.
وبينت أنه في ظل التحديات البيئية والمناخية المتزايدة، تبرز قضية حماية المياه السطحية والجريان السطحي كأولوية قصوى، خصوصًا في الدول التي تعاني من شح المياه كالأردن.
ووفق هندية، فإن هذه المصادر تشكل عنصرا أساسيا في الأمن المائي والغذائي، وتتطلب إدارة واعية ومتكاملة لضمان استدامتها للأجيال القادمة، مشددة على أولوية حماية المياه السطحية والجريان السطحي باعتبارها ليست خيارا، بل ضرورة وطنية في الأردن.
وأشارت إلى أهمية بناء شراكة فعالة بين القطاع الحكومي، والمجتمع، والمؤسسات البحثية، لضمان استدامة هذا المورد الحيوي، وذلك لمواجهة هذا التحدي الكبير، لكن الفرصة ما تزال قائمة إذا توفرت الإرادة والتخطيط السليم.
وأكدت ضرورة حماية المياه السطحية، بما فيها الأنهار والسدود، حيث تستخدم لتوفير مياه الشرب والزراعة والصناعة، مشددة على دورها في تغذية المياه الجوفية عبر الجريان السطحي، والمساهمة في المحافظة على النظم البيئية المرتبطة بالمياه، كالأراضي الرطبة التي تحتضن التنوع الحيوي.
ونوهت بدور الإدارة الفعالة للجريان السطحي في تخفيف آثار الفيضانات والجفاف الناتجة عن التغيرات المناخية.
وزادت: "للأسف فإن الجريان السطحي يحمل معه مخلفات زراعية، كيميائية، وجرثومية وزيوتًا من الطرق والمناطق الحضرية، حيث يؤدي عدم السيطرة عليه لتلوث السدود والمياه الجوفية."
وأضافت: "وهذا يؤدي لتدهور نوعية المياه وتزايد تكلفة معالجتها، وفقدان مصادر مياه مهمة كالسدود نتيجة تراكم الرواسب والملوثات وارتفاع معدلات الأمراض المرتبطة بتلوث المياه وتآكل التربة وتدهور الأراضي الزراعية، وتهديد الأمن المائي في ظل محدودية الموارد في الأردن".
واعتبرت هندية أن استنزاف المياه الجوفية، خصوصًا في الدول ذات إمكانات التغذية الطبيعية المحدودة، كالأردن، واعتماد عدد كبير من سكانها على المياه الجوفية كمصدر رئيس للمياه، سواء للشرب أو للزراعة، لم يعد مجرد خطر مستقبلي، بل واقعا يهدد الأمن المائي والاقتصادي وحتى السياسي للبلاد.
مشكلة الأحواض
وقالت هندية " إن المشكلة في الأردن تكمن في أن تسعة أحواض جوفية من أصل 12 وصلت إلى مرحلة الاستنزاف، أما الثلاثة المتبقّية؛ وهي حوض الحماد شمال شرقي البلاد، وحوض اليرموك شمالاً، وحوض السرحان جنوباً، فإن الحصول على المياه من خلالها غير مجدٍ اقتصادياً؛ لوجودها على عمق سحيق وإنتاجيتها قليلة".
وبينت أنه يتم ضخ المياه الجوفية بضعف الحد الآمن لطبقات المياه الجوفية. وباستثناء حوضي الديسي والجفر، فإن باقي الأحواض المائية متجدّدة. ولهذا نحتاج إلى حملة وطنية تربط الأمن المائي بالأمن القومي وتوضح خطورة استمرار الاستنزاف الحالي، وسط ضرورة تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر في العقبة ونقل مياه الشرب المحلاة إلى جميع المحافظات، لحماية المياه الجوفية من الاستنزاف.
وأضافت: "لهذا يجب أن تعتمد وزارة المياه والري على نظام مراقبة رقمي ذكي للآبار، وضبط كميّات السحب من الأحواض حسب معدلات التجدد الطبيعية؛ وضبط آبار الضخ العشوائي وغير المرخص، وتطبيق إجراءات قانونية صارمة ضد المخالفين، وتنظيم استخدام المياه الجوفية للزراعة من خلال دعم التحوّل إلى الزراعة الذكية مائيًا، وتحفيز زراعة محاصيل أقل استهلاكًا للمياه، إلى جانب إجراءات تخصيص حوافز مالية للمزارعين الملتزمين بأنظمة الري الحديثة."
ويتم حاليا استخدام ما يتجاوز 90 % من المياه المعالجة في الأردن، ومعظمها في الري، ما يخلق مصادر مياه قيمة وجديدة، فيما ستقوم وزارة المياه والري تدريجيا بتقليل استخدام المياه الجوفية العذبة في المناطق المرتفعة لتحل محلها المياه المستصلحة.
وبينت أن الاستخدام "المستدام" للمياه الجوفية، يعني الحد من استخدامات المياه لتلبية معدل التغذية الطبيعية للخزان الجوفي، مشيرة إلى أهمية مساعي سلطة وادي الأردن في إجراءات البدء وتنفيذ مشروع السدود تحت الأرضية في غضون العام الحالي، وذلك بغرض تعزيز الاستفادة من الجريان الدائم للينابيع، ورفع منسوب المياه الجوفية، حيث تكلفتها أقل وتنفيذها أسرع.
وذلك إلى جانب دورها في خفض معدلات التبخر مقارنة بالسدود الأخرى، وتحقيق أعلى مستوى من السلامة العامة، وتأمين احتياجات المناطق النائية بمياه ذات نوعية عالية الجودة، وتحقيق الاستخدام الفعال للمياه والحد من هدر المياه، أما الخيارات المقترحة لمواقع المشروع فهي ثلاثة مواقع، وهي وادي الجرم، ووادي الريان، ووادي الهيدان.
وأوصت أيضا بأهمية العمل على إبرام اتفاقيات جديدة أو تحديث القائمة منها مع الدول المجاورة، لتنظيم الاستخدام المشترك لمصادر المياه الجوفية لضمان التوزيع العادل، وإنشاء أطر دبلوماسية ومؤسساتية للتفاوض وتسوية الخلافات بين الدول المعنية، وتفعيل اللجان الفنية الدائمة لرصد حالة الأحواض المشتركة وتقديم توصيات فنية حيادية، بالإضافة لتبادل المعلومات والبيانات حول مستويات المياه، ومعدلات السحب، وتجدد المياه بين الدول.
واختتمت حديثها بقولها: "ما لم نتحرك اليوم بخطوات علمية وواقعية، فإننا نخاطر بأن نعيش جفافًا غير قابل للارتداد خلال بضعة عقود"، مضيفة إن "ضمان الأمن المائي في الأردن لا يعني فقط تأمين مصادر جديدة، بل يتطلب منا الحفاظ على ما تبقى من المخزون الحالي، وإدارته بعقلانية وتخطيط طويل الأمد، وبين الجغرافيا والمناخ والتحديات السياسية، يقف الأردن على مفترق طرق مائي، فإما أن نختار طريق الاستدامة، أو نغرق في أزمات العطش والصراع".
تفاصيل الدراسة
وعودة لتفاصيل تلك الخلاصة، فإنها أكدت أهمية تطوير مراقبة المياه، والحد من الجريان السطحي الزراعي، وإعادة تدوير مياه الصرف الصناعي للحد من تلوث الجريان السطحي.
أما حول منع تلوث الجريان السطحي، فأكدت الدعوات ذاتها أن منع تأثير الجريان السطحي، يبدأ بالرصد المستمر، إذ تستخدم أجهزة تحليل جودة المياه منصات مدعومة بإنترنت الأشياء مع تكاملات بيانات سحابية لتوفير نتائج سريعة مباشرة في الميدان، ما يلغي الحاجة إلى التحليلات المخبرية ويجعل الرصد ممكنًا في المناطق النائية التي كان يصعب الوصول إليها سابقا.
وأشارت التوصيات إلى أهمية دور الإدارة المسؤولة للأراضي، باعتبارها إحدى الآليات الرئيسة لمنع تأثير تلوث الجريان السطحي، ويشمل ذلك تدابير مكافحة التعرية كتجنب الرعي الجائر، واستخدام النباتات والغطاء الأرضي على طول المسطحات المائية، وبناء الجدران الاستنادية.
ولفتت أيضا إلى إمكانية انعكاس تقليل استخدام المواد الكيميائية، بما في ذلك الأسمدة والمبيدات الحشرية، في تقليل مساهمتها في تلوث الجريان السطحي، داعية في الوقت ذاته إلى أهمية المضي في تحسين التخطيط الحضري، من خلال دمج المزيد من المساحات الخضراء والأسطح النفاذة التي تسمح بتصريف المياه، بالإضافة إلى دمج حدائق الأمطار والأسطح الخضراء، والتي يمكن أن تقلل بشكل أكبر من حجم الجريان السطحي ويخفف من آثاره الضارة.
وأكدت التوصيات أهمية التخلص السليم من النفايات وإنشاء اقتصادات دائرية في الصناعة على تقليل الملوثات والمعادن الثقيلة وغيرها من الملوثات في مجاري المياه، بالإضافة للترويج للاستخدام المسؤول للمضادات الحيوية، باعتباره أمرا ضروريا للحد من انتشار مقاومة مضادات الميكروبات.
وحذرت من مخاطر تلوث المجاري المائية، يعد أزمة عالمية متنامية، وسط تقديرات تشير إلى أن 80 % من تلوث المحيطات يأتي من مصادر برية، بما في ذلك الجريان السطحي، والذي أبدت الدعوات مخاوفها حياله، مشيرة إلى أنه "لا يحظى باهتمام كبير".
ولفتت إلى شركة "سمارت ووتر"، وهي شركة متخصصة في إدارة المياه، لمساهمة المواد الكيميائية والمغذيات التي تحملها مياه الأمطار، بانعكاس ضار بالنظم البيئية المائية، موضحة أنها تخل بتوازنها وتؤثر على الحياة المائية، حيث يمكن أن يتسبب جريان المغذيات في نمو الطحالب بشكل مفرط ثم تحللها، ما يحرم النباتات والحيوانات من الأكسجين من خلال عملية تُسمى "التغذية المفرطة".
وإلى جانب ذلك، يمكن للتربة المتآكلة التي يحملها الجريان أن تُعكر المياه وتحجب ضوء الشمس، بينما يمكن أن تتراكم الرواسب لتدمير مناطق التكاثر أو التغذية للأسماك والكائنات المائية الأخرى، ونتيجة لذلك، تتدهور الموائل، ما يؤدي إلى انخفاض في أعداد الأسماك والكائنات المائية الأخرى.
ومع ذلك، يمكن أن يهدد الجريان أيضا البشر والحياة البرية غير المائية، ويمكن أن تتراكم المعادن الثقيلة مثل النحاس والزنك والرصاص المستخدمة في تربية الأحياء المائية، وتدخل في سلسلتنا الغذائية، ويمكن أن يساهم تلوث المواد الكيميائية والبكتيريا على إحداث الضرر بمياه الشرب، بينما تساهم بقايا مضادات الميكروبات الناتجة عن الاستخدام الزراعي في مقاومة مضادات الميكروبات (AMR)، ما يقلل من فعالية المضادات الحيوية في علاج العدوى.
وأكدت الدعوات أهمية استصلاح المياه، كونها أمرا أساسيا في استصلاح الأراضي الرطبة وإنشائها للسيطرة على الفيضانات وتصفية ملوثات الجريان السطحي، إذ تُعدّ الأراضي الرطبة بمثابة حواجز طبيعية، تُحسّن جودة المياه وتدعم التنوع البيولوجي.
إلا أن تلك الجهود ما تزال تصطدم بتحديات زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني واللجوء، وضعف التمويل لبعض المشاريع البيئية، وتأثير التغير المناخي على معدلات الهطول وانتظام الجريان.
وفي حين أبدت تلك الدعوات قلقها إزاء تسرب أي نوع من الملوثات من خلال مجاري المياه كالطرق والمزارع والمناطق الصناعية إلى المجاري المائية، وانعكاسه على نوعية المياه، أشار المختصون، في تصريحات لـ"الغد"، إلى ضرورة اتخاذ تدابير وقائية للحد من استخدام المبيدات الحشرية واستخدام تقنيات زراعية مستدامة كالزراعة العضوية.
وفيما سلطت الدعوات الضوء على حلول الإدارة المسؤولة للأراضي، وتقليل استخدام المواد الكيميائية، وتحسين التخطيط الحضري مع بنية تحتية خضراء، وتحسين التخلص من النفايات لتقليل الملوثات في المسطحات المائية، قال الخبراء إنه من المهم فهم تعقيدات الجريان السطحي الزراعي وتأثيره على جودة المياه، لحماية نظمنا الإيكولوجية وضمان توافر المياه النظيفة للأجيال.
وأكدوا أن قطاع المياه بالأردن يعمل على عدة مستويات لمعالجة قضايا حماية المياه السطحية والجريان السطحي كأولوية قصوى، خصوصا أن كونها من الدول التي تعاني من شح المياه، وتصنف كأفقر دولة مائيا على مستوى العالم.
دراسة سلطة المياه
بدورها، انسجمت مساعي وزارة المياه والري بسلطتيها المياه ووادي الأردن مع الحفاظ على تحقيق هدف حماية نوعية المياه، إذ أطلقت أخيرا دراسة "تحديات جودة المياه - دراسة حالة النيترات"، والتي أجرتها الوزارة - سلطة المياه، بالتعاون مع المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية (BGR).
وتكمن أهمية تلك الدراسة في رسم "خريطة طريق لمناطق مصادر المياه القابلة للتلوث، والمناطق التي يمكن إنشاء استثمارات فيها يكون تأثيرها أقل على نوعية المياه".
وأشارت الدراسة التي قدمت خطة أساسية لجودة المياه الجوفية في الأردن بين عامي 2020 و2023 وبينت جودة المياه كما وُجدت في موقع المراقبة قبل أي معالجة، إلى وجود ما نسبته 41 % من أصل 520 موقعا مأخوذا من مصادر مائية متعددة، "تجاوزت حدود نظام المياه الجوفية الأردني".
إلا أن الأمين العام لوزارة المياه والري د. جهاد المحاميد، أكد، في تصريحات سابقة لـ"الغد"، أنه "من حسن حظ الأردن أن كامل مصادر التلوث هي مصادر نقطية، أي أنها محدودة في منطقة معينة ويمكن السيطرة عليه، وليست مساحية، بمعنى أنه يكون من الصعب جدا استخدام الطبقة المائية".
وشدد حينها، على أهمية الدراسة في كيفية تحسين شبكات المراقبة فيما يتعلق بنوعية المياه، وتحديد مواقع النقاط الساخنة، توازيا وتحديد مصادر التلوث، والذي سيترتب عليه رسم خريطة طريق يستدل من خلالها أصحاب القرار نحو تحديد نوع النشاط سواء كان زراعيا أو صناعيا، وذلك بناء على القياسات التي تتعلق بنوعية المياه.
وقال المحاميد إن ذلك سيساهم في تعزيز شبكة المراقبة، وتعزيز الاستدامة في الموارد المائية، وذلك بناء على المؤشرات التي تظهر لدينا من خلال شبكة المراقبة.
من جهتها، تقوم مديرية شؤون المختبرات والنوعية في سلطة المياه، وهي مركز رائد يساهم في تحقيق الأمن المائي الوطني، بتطبيق إجراءات ترتبط باستخدام أحدث التقنيات والمستجدات العلمية في مجال مراقبة نوعية المياه والتحاليل المخبرية، وتطبيق متطلبات نظام ضبط الجودة التحليلية لنظام الآيزو رقم 17025، وتطبيق منهجيات حماية المساقط المائية وسلامة مياه الشرب من خلال تطبيق تعليمات حماية المصادر المائية وخطط مأمونية المياه. وذلك إلى جانب إجراءات "شؤون المختبرات والنوعية" في توفير البيانات التحليلية عبر نظام متطور لإدارة المعلومات المخبرية، وإجراء الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة في مجال نوعية المياه، وتطبيق متطلبات السلامة العامة.
تدابير وقائية
إلى ذلك، أكدت الخبيرة الأردنية في "دبلوماسية المياه" م. ميسون الزعبي على أهمية اتخاذ تدابير وقائية للحد من استخدام المبيدات الحشرية واستخدام تقنيات زراعية مستدامة كالزراعة العضوية.
وشددت الزعبي على أهمية فهم تعقيدات الجريان السطحي الزراعي وتأثيره على جودة المياه، لحماية نظمنا الإيكولوجية وضمان توافر المياه النظيفة للأجيال القادمة، مشيرة إلى الدور الحاسم للمزارعين في الحد من الجريان السطحي الزراعي وضمان صحة واستدامة مواردنا المائية.
وقالت: "من خلال اعتماد ممارسات مبتكرة وصديقة للبيئة، يمكن الحد بشكل كبير من كمية الملوثات التي تشق طريقها إلى مواردنا المائية".
وأضافت: "ومن خلال تبني الممارسات الزراعية المستدامة، وتنفيذ إستراتيجيات الإدارة الفعالة، وتعزيز التعاون بين أصحاب المصلحة، يمكننا أن نسعى جاهدين نحو نظام زراعي أكثر استدامة يقلل من التكاليف الخارجية المرتبطة بالجريان السطحي ويحمي مواردنا المائية الثمينة".
وأشارت إلى ضرورة تطبيق سياسات بيئية فعّالة لمنع تسرب الملوثات إلى موارد المياه الجوفية، وتعزيز التخلص الآمن من النفايات الصناعية والزراعية والمنزلية، موصية بأهمية تطوير تقنيات مبتكرة لمعالجة المياه الجوفية والاستفادة منها للتخلص من الملوثات الحالية واستعادة نقاء المياه الجوفية.
ورأت أنه لحسن الحظ، تتوفر تدابير يمكن للمزارعين وصانعي السياسات اتخاذها للتخفيف من آثار الجريان السطحي الزراعي، لافتة إلى إمكانية أن تساعد أفضل ممارسات الإدارة (BMPs) كالحراثة، والمحافظة على البيئة، وزراعة الغطاء النباتي، والإدارة الدقيقة للمغذيات، في تقليل كمية الرواسب والمواد المغذية والمبيدات الحشرية التي تدخل المسطحات المائية.
وتابعت: "يمكن للمناطق العازلة، وهي مناطق نباتية بين الحقول والمسطحات المائية، أن تساعد أيضاً في تصفية الجريان السطحي ومنع الاتصال المباشر بين الملوثات والمياه، بالإضافة إلى ذلك، فإن تثقيف المزارعين حول أهمية حماية مصادر المياه يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً في حماية جودة المياه".
وبينت أن التكنولوجيا الحيوية البيئية تساهم في تطوير تقنيات زراعية مستدامة تعتمد على تحسين خصوبة التربة باستخدام الطرق الطبيعية دون اللجوء لاستخدام الأسمدة الكيماوية الضارة، وهو حل مبتكر ومستدام لمواجهة تحديات التلوث وتغير المناخ.
مستقبل أنظف للبيئة
وأوضحت الزعبي أنه بفضل استخدام الكائنات الحية والتقنيات المتقدمة، يُمكن تحقيق تحسينات ملموسة في جودة البيئة وتقليل الآثار السلبية على المناخ. ومع استمرار البحث والابتكار، ستصبح هذه التكنولوجيا ركيزة أساسية في تحقيق الاستدامة وبناء مستقبل أنظف وأكثر مراعاةً للبيئة.
وتُعدّ الممارسات الزراعية المستدامة، المدعومة بالتقنيات الخضراء، مفتاحا لتحسين إنتاجية المحاصيل، والحد من هدر الغذاء، وضمان الأمن الغذائي لأعداد السكان المتزايدة، وفق الزعبي التي استعرضت مثالا حول إمكانية استفادة الزراعة الدقيقة من أجهزة الاستشعار والطائرات بدون طيار وتحليل البيانات لتحسين استخدام الموارد وتخصيص تطبيقات الأسمدة والري لتلبية احتياجات المحاصيل المحددة، معتبرة أن "هذا النهج القائم على البيانات، يقلل من الهدر، ويعزز الإنتاجية، ويُقلل من الأثر البيئي".
وأضافت: "يشهد عالم التقنيات الخضراء تطورا مستمرا، مع ظهور ابتكارات جديدة لمواجهة تحديات الأمن المائي والغذائي بدقة وكفاءة أكبر، فمن بين هذه الابتكارات أجهزة الاستشعار النانوية، التي يمكنها الكشف عن ملوثات المياه بمستويات منخفضة للغاية، ما يتيح الكشف المبكر عن التلوث ومعالجته".
وأكدت أهمية تعزيز البحث والابتكار في مجال معالجة المياه، إلى جانب تحسين العمليات المستخدمة لإزالة الملوثات الكيميائية والعضوية، والتركيز على التوعية البيئية، وتعزيز التثقيف بأهمية المياه الجوفية وتأثير تلوثها، منوهة بمساهمة تعزيز الإجراءات الوقائية في نقاء وجودة المياه والحفاظ عليهما للأجيال الحالية والمستقبلية.
أما عن الأطر القانونية والتنظيمية الموضوعة للسيطرة على تلوث الجريان السطحي، فشددت على دورها الحاسم في التخفيف من الآثار الضارة للأنشطة الزراعية على المسطحات المائية والنظم البيئية، وذلك عبر تنفيذ أفضل ممارسات الإدارة، ومعايير جودة المياه، وخطط إدارة المغذيات، وبرامج الحفاظ عليها.
وبحسب الزعبي "بما أن إدارة المياه تقع ضمن مسؤولية وزارة المياه والري، وإدارة العمليات الزراعية داخل المزرعة تقع ضمن مسؤولية وزارة الزراعة، ولحماية المياه الجوفية من التلوث الناتج عن العمليات الزراعية، ثمة حاجة للتركيز على نهج الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والنظام البيئي".
وهنا، دعت إلى أهمية تفعيل دور مجلس الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والبيئة المُنشأ حديثًا لتعزيز الترابط بين القطاعات الحيوية، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة وضمان استقرار الموارد للأجيال القادمة.
ونوهت بأنه "رغم الجهود المبذولة في الأردن، كمشاريع الطاقة الشمسية لضخ وتنقية وتحلية المياه، واستخدام تقنيات الري الحديثة، إلا أن تطبيق هذا المفهوم يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، ما يعيق تنفيذ سياسات متكاملة"، موصية في هذا السياق بضرورة "وضع إطار تنظيمي لتعزيز حوكمة قطاعات المياه والطاقة والغذاء والبيئة المترابطة".
مسؤولية جماعية
ورأت الزعبي أن حماية المياه الجوفية، تتطلب تعاونا وتضافرا شاملين بين الحكومات والمجتمعات المحلية والمؤسسات البيئية والصناعية، داعية إلى ضرورة تحمل المسؤولية المشتركة للحفاظ على هذا المورد الحيوي، والعمل معًا لتحقيق التنمية المستدامة.
وحذرت الزعبي من مخاطر تلوث المياه الجوفية، مشيرة إلى كونها مشكلة بيئية خطيرة تُهدد سلامة ونقاء موارد المياه العذبة التي يعتمد عليها الأردنيون، وأهمها المياه الجوفية.
وقالت إنه "في حال تلوث المياه الجوفية، قد تكون آثاره طويلة الأمد ويصعب إصلاحها. لذلك، يجب اتخاذ تدابير شاملة لحماية المياه الجوفية والحفاظ عليها من التلوث".
وتابعت أنه "بالإضافة إلى الإفراط في الاستخدام، تتعرض موارد المياه الجوفية للتهديد بسبب التلوث البشري الناجم عن الممارسات الصناعية والزراعية"، مبينة أن تدهور نوعية موارد المياه الجوفية، والناتج عن الاستغلال المفرط والتلوث، يؤدي لتفاقم ندرة المياه.
وأوضحت أن الأنشطة الزراعية تلعب دورا مهما في تلوث المياه السطحية، فالإفراط في التسميد، واستخدام المبيدات الحشرية، وسوء إدارة الأسمدة، قد تؤدي لجريان غني بالمغذيات، ما قد يؤدي إلى تسرب مواد ضارة إلى المياه الجوفية والسطحية.
ولفتت إلى إمكانية أن يساهم تآكل التربة الناجم عن الحقول الزراعية أيضًا إلى جريان مياه محمّلة بالرواسب، ما يزيد من تدهور جودة المياه.
أهمية المياه السطحية
بدورها، أكدت الأستاذة في كلية هندسة وإدارة الموارد الطبيعية في الجامعة الألمانية الأردنية د. منى هندية، أن قطاع المياه والري في الأردن، يعمل على عدة مستويات لمعالجة قضايا حماية المياه السطحية والجريان السطحي كأولوية قصوى، خصوصا أنه من الدول التي تعاني من شح المياه.
وقالت هندية إن المياه السطحية في الأردن، تسهم بحوالي 28 % من إجمالي إمدادات المياه في البلاد، إذ توفر موارد المياه السطحية، مثل نهر الأردن واليرموك والزرقاء، 239 مليون متر مكعب لكل سنة من المياه.
وأضافت إن قطاع المياه في الأردن، يعمل على عدة مستويات لمعالجة هذه القضايا؛ مشيرة إلى بناء عدد من السدود الكبرى مثل سد الملك طلال، وسد الوحدة.
وبينت أن هناك خططا لمزيد من مشاريع الحصاد المائي لتعزيز تخزين الجريان السطحي، حيث تبذل جهود لرصد نوعية المياه السطحية، والحد من التعديات والتلوث من خلال التشريعات والتفتيش الدوري.
وتسعى وزارة المياه والري إلى تعزيز وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على الموارد المائية، ودور الأفراد في تقليل التلوث، فيما تتمثل التحديات القائمة في زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني واللجوء، وضعف التمويل لبعض المشاريع البيئية، وتأثير التغير المناخي على معدلات الهطول وانتظام الجريان.
وتابعت أنه نظرا لشح المياه ومحدودية مصادرها في الأردن، تعد السدود أداة إستراتيجية للأمن المائي، ومن أهم البُنى التحتية التي يعتمد عليها قطاع المياه لتجميع مياه الأمطار والجريان السطحي، وتغذية المياه الجوفية وتوفير مياه للري والزراعة، ودعم مياه الشرب في بعض المناطق، والحد من خطر الفيضانات في فصل الشتاء.
أما التحديات التي تواجهها السدود في بعض المواسم فتشهد ضعفًا شديدًا في الأمطار، ما ينعكس على نسب التخزين، وتفقد السدود كميات كبيرة من المياه سنويًا بسبب التبخر، وتراكم الطمي والرواسب يقلل من السعة التخزينية الفعلية للسدود، وبعض السدود تتعرض لتسرب مياه عادمة معالجة أو غير معالجة تؤثر على نوعية المياه، وفق هندية.
ودعت بهذا الخصوص إلى تحديث البنية التحتية لبعض السدود، وتحسين أنظمة التشغيل والصيانة، وسط عدم إغفال أهمية تعزيز التعاون الإقليمي خاصة في السدود الحدودية مثل سد الوحدة مع سورية.
وبينت أنه في ظل التحديات البيئية والمناخية المتزايدة، تبرز قضية حماية المياه السطحية والجريان السطحي كأولوية قصوى، خصوصًا في الدول التي تعاني من شح المياه كالأردن.
ووفق هندية، فإن هذه المصادر تشكل عنصرا أساسيا في الأمن المائي والغذائي، وتتطلب إدارة واعية ومتكاملة لضمان استدامتها للأجيال القادمة، مشددة على أولوية حماية المياه السطحية والجريان السطحي باعتبارها ليست خيارا، بل ضرورة وطنية في الأردن.
وأشارت إلى أهمية بناء شراكة فعالة بين القطاع الحكومي، والمجتمع، والمؤسسات البحثية، لضمان استدامة هذا المورد الحيوي، وذلك لمواجهة هذا التحدي الكبير، لكن الفرصة ما تزال قائمة إذا توفرت الإرادة والتخطيط السليم.
وأكدت ضرورة حماية المياه السطحية، بما فيها الأنهار والسدود، حيث تستخدم لتوفير مياه الشرب والزراعة والصناعة، مشددة على دورها في تغذية المياه الجوفية عبر الجريان السطحي، والمساهمة في المحافظة على النظم البيئية المرتبطة بالمياه، كالأراضي الرطبة التي تحتضن التنوع الحيوي.
ونوهت بدور الإدارة الفعالة للجريان السطحي في تخفيف آثار الفيضانات والجفاف الناتجة عن التغيرات المناخية.
وزادت: "للأسف فإن الجريان السطحي يحمل معه مخلفات زراعية، كيميائية، وجرثومية وزيوتًا من الطرق والمناطق الحضرية، حيث يؤدي عدم السيطرة عليه لتلوث السدود والمياه الجوفية."
وأضافت: "وهذا يؤدي لتدهور نوعية المياه وتزايد تكلفة معالجتها، وفقدان مصادر مياه مهمة كالسدود نتيجة تراكم الرواسب والملوثات وارتفاع معدلات الأمراض المرتبطة بتلوث المياه وتآكل التربة وتدهور الأراضي الزراعية، وتهديد الأمن المائي في ظل محدودية الموارد في الأردن".
واعتبرت هندية أن استنزاف المياه الجوفية، خصوصًا في الدول ذات إمكانات التغذية الطبيعية المحدودة، كالأردن، واعتماد عدد كبير من سكانها على المياه الجوفية كمصدر رئيس للمياه، سواء للشرب أو للزراعة، لم يعد مجرد خطر مستقبلي، بل واقعا يهدد الأمن المائي والاقتصادي وحتى السياسي للبلاد.
مشكلة الأحواض
وقالت هندية " إن المشكلة في الأردن تكمن في أن تسعة أحواض جوفية من أصل 12 وصلت إلى مرحلة الاستنزاف، أما الثلاثة المتبقّية؛ وهي حوض الحماد شمال شرقي البلاد، وحوض اليرموك شمالاً، وحوض السرحان جنوباً، فإن الحصول على المياه من خلالها غير مجدٍ اقتصادياً؛ لوجودها على عمق سحيق وإنتاجيتها قليلة".
وبينت أنه يتم ضخ المياه الجوفية بضعف الحد الآمن لطبقات المياه الجوفية. وباستثناء حوضي الديسي والجفر، فإن باقي الأحواض المائية متجدّدة. ولهذا نحتاج إلى حملة وطنية تربط الأمن المائي بالأمن القومي وتوضح خطورة استمرار الاستنزاف الحالي، وسط ضرورة تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر في العقبة ونقل مياه الشرب المحلاة إلى جميع المحافظات، لحماية المياه الجوفية من الاستنزاف.
وأضافت: "لهذا يجب أن تعتمد وزارة المياه والري على نظام مراقبة رقمي ذكي للآبار، وضبط كميّات السحب من الأحواض حسب معدلات التجدد الطبيعية؛ وضبط آبار الضخ العشوائي وغير المرخص، وتطبيق إجراءات قانونية صارمة ضد المخالفين، وتنظيم استخدام المياه الجوفية للزراعة من خلال دعم التحوّل إلى الزراعة الذكية مائيًا، وتحفيز زراعة محاصيل أقل استهلاكًا للمياه، إلى جانب إجراءات تخصيص حوافز مالية للمزارعين الملتزمين بأنظمة الري الحديثة."
ويتم حاليا استخدام ما يتجاوز 90 % من المياه المعالجة في الأردن، ومعظمها في الري، ما يخلق مصادر مياه قيمة وجديدة، فيما ستقوم وزارة المياه والري تدريجيا بتقليل استخدام المياه الجوفية العذبة في المناطق المرتفعة لتحل محلها المياه المستصلحة.
وبينت أن الاستخدام "المستدام" للمياه الجوفية، يعني الحد من استخدامات المياه لتلبية معدل التغذية الطبيعية للخزان الجوفي، مشيرة إلى أهمية مساعي سلطة وادي الأردن في إجراءات البدء وتنفيذ مشروع السدود تحت الأرضية في غضون العام الحالي، وذلك بغرض تعزيز الاستفادة من الجريان الدائم للينابيع، ورفع منسوب المياه الجوفية، حيث تكلفتها أقل وتنفيذها أسرع.
وذلك إلى جانب دورها في خفض معدلات التبخر مقارنة بالسدود الأخرى، وتحقيق أعلى مستوى من السلامة العامة، وتأمين احتياجات المناطق النائية بمياه ذات نوعية عالية الجودة، وتحقيق الاستخدام الفعال للمياه والحد من هدر المياه، أما الخيارات المقترحة لمواقع المشروع فهي ثلاثة مواقع، وهي وادي الجرم، ووادي الريان، ووادي الهيدان.
وأوصت أيضا بأهمية العمل على إبرام اتفاقيات جديدة أو تحديث القائمة منها مع الدول المجاورة، لتنظيم الاستخدام المشترك لمصادر المياه الجوفية لضمان التوزيع العادل، وإنشاء أطر دبلوماسية ومؤسساتية للتفاوض وتسوية الخلافات بين الدول المعنية، وتفعيل اللجان الفنية الدائمة لرصد حالة الأحواض المشتركة وتقديم توصيات فنية حيادية، بالإضافة لتبادل المعلومات والبيانات حول مستويات المياه، ومعدلات السحب، وتجدد المياه بين الدول.
واختتمت حديثها بقولها: "ما لم نتحرك اليوم بخطوات علمية وواقعية، فإننا نخاطر بأن نعيش جفافًا غير قابل للارتداد خلال بضعة عقود"، مضيفة إن "ضمان الأمن المائي في الأردن لا يعني فقط تأمين مصادر جديدة، بل يتطلب منا الحفاظ على ما تبقى من المخزون الحالي، وإدارته بعقلانية وتخطيط طويل الأمد، وبين الجغرافيا والمناخ والتحديات السياسية، يقف الأردن على مفترق طرق مائي، فإما أن نختار طريق الاستدامة، أو نغرق في أزمات العطش والصراع".
تفاصيل الدراسة
وعودة لتفاصيل تلك الخلاصة، فإنها أكدت أهمية تطوير مراقبة المياه، والحد من الجريان السطحي الزراعي، وإعادة تدوير مياه الصرف الصناعي للحد من تلوث الجريان السطحي.
أما حول منع تلوث الجريان السطحي، فأكدت الدعوات ذاتها أن منع تأثير الجريان السطحي، يبدأ بالرصد المستمر، إذ تستخدم أجهزة تحليل جودة المياه منصات مدعومة بإنترنت الأشياء مع تكاملات بيانات سحابية لتوفير نتائج سريعة مباشرة في الميدان، ما يلغي الحاجة إلى التحليلات المخبرية ويجعل الرصد ممكنًا في المناطق النائية التي كان يصعب الوصول إليها سابقا.
وأشارت التوصيات إلى أهمية دور الإدارة المسؤولة للأراضي، باعتبارها إحدى الآليات الرئيسة لمنع تأثير تلوث الجريان السطحي، ويشمل ذلك تدابير مكافحة التعرية كتجنب الرعي الجائر، واستخدام النباتات والغطاء الأرضي على طول المسطحات المائية، وبناء الجدران الاستنادية.
ولفتت أيضا إلى إمكانية انعكاس تقليل استخدام المواد الكيميائية، بما في ذلك الأسمدة والمبيدات الحشرية، في تقليل مساهمتها في تلوث الجريان السطحي، داعية في الوقت ذاته إلى أهمية المضي في تحسين التخطيط الحضري، من خلال دمج المزيد من المساحات الخضراء والأسطح النفاذة التي تسمح بتصريف المياه، بالإضافة إلى دمج حدائق الأمطار والأسطح الخضراء، والتي يمكن أن تقلل بشكل أكبر من حجم الجريان السطحي ويخفف من آثاره الضارة.
وأكدت التوصيات أهمية التخلص السليم من النفايات وإنشاء اقتصادات دائرية في الصناعة على تقليل الملوثات والمعادن الثقيلة وغيرها من الملوثات في مجاري المياه، بالإضافة للترويج للاستخدام المسؤول للمضادات الحيوية، باعتباره أمرا ضروريا للحد من انتشار مقاومة مضادات الميكروبات.
وحذرت من مخاطر تلوث المجاري المائية، يعد أزمة عالمية متنامية، وسط تقديرات تشير إلى أن 80 % من تلوث المحيطات يأتي من مصادر برية، بما في ذلك الجريان السطحي، والذي أبدت الدعوات مخاوفها حياله، مشيرة إلى أنه "لا يحظى باهتمام كبير".
ولفتت إلى شركة "سمارت ووتر"، وهي شركة متخصصة في إدارة المياه، لمساهمة المواد الكيميائية والمغذيات التي تحملها مياه الأمطار، بانعكاس ضار بالنظم البيئية المائية، موضحة أنها تخل بتوازنها وتؤثر على الحياة المائية، حيث يمكن أن يتسبب جريان المغذيات في نمو الطحالب بشكل مفرط ثم تحللها، ما يحرم النباتات والحيوانات من الأكسجين من خلال عملية تُسمى "التغذية المفرطة".
وإلى جانب ذلك، يمكن للتربة المتآكلة التي يحملها الجريان أن تُعكر المياه وتحجب ضوء الشمس، بينما يمكن أن تتراكم الرواسب لتدمير مناطق التكاثر أو التغذية للأسماك والكائنات المائية الأخرى، ونتيجة لذلك، تتدهور الموائل، ما يؤدي إلى انخفاض في أعداد الأسماك والكائنات المائية الأخرى.
ومع ذلك، يمكن أن يهدد الجريان أيضا البشر والحياة البرية غير المائية، ويمكن أن تتراكم المعادن الثقيلة مثل النحاس والزنك والرصاص المستخدمة في تربية الأحياء المائية، وتدخل في سلسلتنا الغذائية، ويمكن أن يساهم تلوث المواد الكيميائية والبكتيريا على إحداث الضرر بمياه الشرب، بينما تساهم بقايا مضادات الميكروبات الناتجة عن الاستخدام الزراعي في مقاومة مضادات الميكروبات (AMR)، ما يقلل من فعالية المضادات الحيوية في علاج العدوى.
وأكدت الدعوات أهمية استصلاح المياه، كونها أمرا أساسيا في استصلاح الأراضي الرطبة وإنشائها للسيطرة على الفيضانات وتصفية ملوثات الجريان السطحي، إذ تُعدّ الأراضي الرطبة بمثابة حواجز طبيعية، تُحسّن جودة المياه وتدعم التنوع البيولوجي.
0 تعليق