الأهلية تفتح نوافذ الحلم وسردية ملهمة لتجربة البحرين المالية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في صباحٍ مختلف، احتضنت الجامعة الأهلية ندوة ثقافية غير تقليدية تحولت إلى لحظة وجدانية وإنسانية بامتياز، استضافت خلالها واحدًا من أعمدة القطاع المصرفي في البحرين والعالم العربي، الأستاذ عدنان أحمد يوسف عبدالملك، الرئيس السابق لاتحاد المصارف العربية، ورئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين، وأحد رواد العمل المصرفي الإسلامي في العالم. أقيمت الندوة بحضور الرئيس المؤسس ورئيس مجلس أمناء الجامعة البروفيسور عبدالله الحواج، ورئيس الجامعة البروفيسور منصور العالي، وقدّمها المستشار الإعلامي أسامة مهران، وسط حضور لافت من الأساتذة والطلبة والمهتمين الذين وجدوا في هذه الجلسة درسًا حيًا في الريادة والقيادة والمثابرة.

قدّم الأستاذ عدنان سردًا مؤثرًا لمسيرته المهنية والإنسانية، قسّمها إلى ثلاث محطات رئيسية. كانت البداية في حضن البحرين، في بيئة وطنية خصبة بالقيم، دفعت به نحو التعليم والعمل الجاد، ورسّخت فيه التزامًا مبكرًا تجاه المجتمع والاقتصاد الوطني. ثم جاءت محطة الانطلاقة المهنية، حيث تدرّج من المواقع الوظيفية البسيطة نحو المناصب القيادية، واكتسب عبر رحلته خبرات مصرفية ثرية أهلته ليكون من أبرز رجال المال في العالم العربي، ويتولّى رئاسة مجالس إدارات لعشرات البنوك في أنحاء متفرقة من العالم، كما أصبح من أوائل من أسهموا في بناء نموذج الصيرفة الإسلامية الحديثة. أما المحطة الأخيرة، فكانت مرحلة القيادة والتحول الاستراتيجي، حين تولى قيادة مجموعة البركة المصرفية من العام 2004 حتى 2020، حيث ارتفعت أصول المجموعة إلى أكثر من 40 مليار دولار، وافتُتحت أكثر من 700 فرع يعمل فيها ما يزيد على 13,200 موظف، منتشرة في آسيا وإفريقيا وأوروبا، مما رسّخ حضور البحرين العالمي في مجال التمويل الإسلامي.

وخلال حديثه، أكد الأستاذ عدنان أن البحرين تميزت إقليميًا ودوليًا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي في إدارة وتمرير القروض المشتركة، موضحًا أن قروض مشاريع دول الخليج وأمريكا اللاتينية وتركيا وشمال إفريقيا كانت تمرّ في عدد واسع منها عبر البحرين، نظرًا لما تمتلكه من كوادر مصرفية عالية الكفاءة، وهو ما جعل منها مركز ثقل مالي موثوق في الأسواق العالمية. واستشهد بمثال على ذلك بإدارته مشروعًا لشركة البترول الجزائرية عام 1983 بقيمة بلغت 750 مليون دولار.

كما توقّف بإعجاب عند ريادة البحرين المبكرة في الصيرفة الإسلامية، متذكرًا انطلاقة هذه التجربة في عام 1986 من خلال بنك المؤسسة العربية المصرفية الإسلامي، برأسمال بلغ 200 مليون دولار، والذي شكل النواة الأولى لصناعة التمويل الإسلامي في المنطقة. وأضاف أن البحرين أسست من خلاله وبمساهمة من شخصيات بارزة عددًا من البنوك الإسلامية، من بينها البنك البريطاني الإسلامي الذي أصبح مملوكًا لاحقًا لدولة قطر، وكذلك البنك الأوروبي الإسلامي. وأشار إلى أن هذه التجربة مدعومة بكوادر بحرينية تميزت بالكفاءة، وكانت خيارًا مفضلًا لأي مشروع تمويل في دول شمال إفريقيا.

لكنه عبّر أيضًا عن ضرورة مراجعة مسيرة الصيرفة الإسلامية، داعيًا إلى انطلاقة جديدة أكثر انسجامًا مع متغيرات التكنولوجيا والشمول المالي، وقال بنبرة تجمع بين الإخلاص والطموح: "نحن من بدأ، لكن لا يمكن أن نستمر بالأساليب نفسها... علينا أن نطلق مرحلة جديدة من الريادة."

وفي سياق حديثه، لم ينسَ الأستاذ عدنان أن يستحضر بتقدير ووفاء أسماء ساهمت في رسم ملامح تجربته، وفي مقدمتهم الشيخ صالح كامل، رائد التمويل الإسلامي ومؤسس مجموعة دلة البركة، الذي أسس أول بنك إسلامي في البحرين عام 1984، واصفًا إياه بأنه رجل آمن بالاقتصاد الأخلاقي ووضع البحرين في صميم رؤيته. كما خصّ بالذكر الأستاذ عبدالله السعودي، أحد أعلام العمل المصرفي العربي، الذي وصفه بأنه قائد سابق لعصره، وكان له فضل كبير في دعم البحرين واستقطاب الكفاءات المصرفية العربية إليها.

وقد تفاعل الحضور اءاتذة وطلبة بشكل لافت مع حديث الأستاذ عدنان، حيث جاءت كلماتهم محمّلة بالإعجاب والتقدير. البروفيسور عبدالله الحواج عبّر عن سعادته البالغة قائلًا: "الأستاذ عدنان نموذج بحريني ناجح بامتياز. ترأس في مرحلة ما مجالس إدارات نحو 70 إلى 80 بنكًا، ولا يزال حتى اليوم معطاءً ومستشارًا ومرجعًا للخبرة. وهو أيضًا داعم مهم للجامعة الأهلية، وهذا فخر لنا."

أما عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور محمود عبدالعاطي فقال: "ما سمعناه اليوم ليس مجرد سيرة مهنية، بل حياة ملهمة."

وشاركت أستاذة اللغة العربية الدكتورة زهرة حرم بتجربة شخصية مؤثرة، حين قالت: "عندما رغبت في تقديم استقالتي، ناداني الأستاذ عدنان وأصر أن أستمر، وقال لي: ‘من نؤمن بهم لا نتركهم’. هذا هو الأستاذ عدنان، القائد الذي يزرع الثقة، ويحتضن زملاءه."

وفي ختام الندوة، قدّمت الجامعة الأهلية درعًا تذكاريًا للأستاذ عدنان أحمد يوسف عبدالملك، تقديرًا لمسيرته المصرفية المشرقة، ووفاءً لما قدّمه للوطن ولأجيال من المصرفيين والمهنيين، في لحظة غمرت القاعة بالتصفيق الحار والامتنان، لرجل لم يكن فقط رقمًا في الاقتصاد، بل ضميرًا حيًا في مهنة تمسّ الناس وتُبنى بها الأوطان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق