عاد فيلم "صبيان وبنات" للمخرج يسري نصر الله إلى الواجهة بعد ما يقرب من 30 عامًا على إنتاجه، بعدما انتشر مقطع منه على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر بدايات الفنان باسم سمرة حين كان لا يزال مدرسًا بإحدى المدارس الصناعية، قبل أن يحلم بدخول عالم التمثيل.
أعاد هذا المشهد البسيط، الذي ظهر فيه سمرة ووالدته في حوار تلقائي داخل منزلهم، النقاش حول العمل الوثائقي الذي مرّ مرور الكرام عند عرضه الأول، لكنه اليوم يُقرأ بعيون مختلفة ويُستقبل بتفاعل لافت.
الفيلم الذي أُنتج عام 1995 لا يُعد مجرد تسجيل لحياة شاب يحلم بالتمثيل، بل وثيقة بصرية تكشف الكثير عن مصر في التسعينات، من خلال عدسة تسائل وتنتقد وتُحلل، بعيدًا عن الزخرفة الفنية. المدهش أن نصر الله آنذاك لم يلجأ لممثلين محترفين أو سيناريو تقليدي، بل قرر أن يترك الكاميرا تلتقط الحياة كما هي، فكان باسم سمرة هو نفسه، وأسرته هم أنفسهم، والطموح والألم والحيرة على وجوههم لم تكن تمثيلًا بل واقعًا صارخًا.
وإن كانت تجربة "صبيان وبنات" قد بدت حينها محاولة فنية خاصة لجمهور نخبوي، فإن الزمن أعاد لها قيمتها الحقيقية. رواد مواقع التواصل وجدوا أنفسهم أمام مشاهد تصف واقعهم اليومي رغم مرور السنوات، بل اعتبر البعض أن يسري نصر الله سبق عصره حين أضاء على المهمّشين قبل أن يصبح ذلك تيارًا دارجًا في السينما.
اللافت أن الفيلم، رغم جرأته، لم يحظَ حينها بتقدير نقدي واسع ولا توزيع جماهيري ملائم، وهو ما دفع البعض اليوم للتساؤل: هل كان الوسط الفني والجمهور مستعدًا حينها لتلقّي عمل يكشف بواقعية مؤلمة هشاشة الحلم في بيئة قاسية؟ وهل قدّمت السينما التجارية لاحقًا بديلاً حقيقيًا لهذا النوع من التوثيق الصادق؟
يعيد "صبيان وبنات" فتح النقاش حول دور السينما في توثيق الحياة، لا تجميلها، ويضع الضوء على بداية نجم مثل باسم سمرة، الذي انطلق من الشارع الحقيقي، لا من ورشة تمثيل أو مكتب إنتاج. كما يرسّخ موقع يسري نصر الله كمخرج لا يخشى كسر القوالب، حتى لو كان الثمن التهميش المؤقت.
0 تعليق