شيبولا يرى أن الشخص الغبي يولد بهذه الآفة ناقلا لهذه العدوى، وفي كتابه الشهير «قوانين الغباء الخمسة الأساسية»، يقدم تصورا صادما للغباء على أنه قوة منتشرة ومتغلغلة في المجتمعات بغضّ النظر عن الثقافة أو التعليم أو المكانة الاجتماعية، وبأن الغبي يُلحق الأذى بالآخرين دون تحقيق مكسب ذاتي بل ويضر نفسه أيضا، وقد يكون الغبي مرموقا مكينا، وقد يكون معدما مهينا لا يكاد يبين وقد يكون ذا سلطة ومال وقد يكون رث الحال ويرى بأن خطر الأغبياء يكمن في عشوائيتهم ودون وضوحهم، مما يجعل مقاومتهم أصعب من الشر المتعمد، ويضع شيبولا خمسة قوانين لفهم الغباء البشري، أولا: عدد الأغبياء أكبر مما تتوقع مقابل حفنة من الأذكياء. ثانيا: الغباء يعم بين جميع الفئات المجتمعية. ثالثا: الغبي خطر مدمر ذاتي ومجتمعي. رابعا: الأذكياء قد يستهينون بقوة الأغبياء. خامسا: تحالف الأغبياء بمراكز القرار أساس الدمار.
وتناول ابن الجوزي حالة الأغبياء وأسماهم الحمقى والمغفلين واعتبرهم مرضى في سلوكهم وعقولهم، وفي كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين» الذي قسمه إلى أربعة وعشرين بابا، تحدث فيه عن صفات الحمقى والمغفلين الخلقية والأخلاقية، وحذر من مصاحبتهم أو حتى الجلوس معهم ومحادثتهم، ويرى أنهم متنفس لغيرهم يصنعون جوا من المرح والأنس فقط، لنقص إدراكهم وهفواتهم وقلة وعيهم، كما يرى أن الأحمق موسوم بالجهل مصاب بفساد العقل لا يرجى برؤه أو علاجه.
ورغم التباعد الزمني بين شيبولا كفيلسوف أوروبي نشر فكرته فترة السبعينات، وابن الجوزي كفقيه عربي نشر فكرته في القرون الوسطى، إلا أن بينهما تقاطعا مثيرا للانتباه، حيث يرى كلاهما الغباء قوة حقيقية تؤثر في مصير الأفراد والجماعات، وأن الغباء ليس مقصورا على الجهل بل يمتد إلى سوء التصرف وعدم تقدير النتائج، ويختلفان في أن شيبولا يتعامل مع الغباء كظاهرة طبيعية جينية حتمية، بينما يراها ابن القيم ظاهرة أخلاقية سلوكية روحية.
فلماذا نحتاج فهم فلسفة الغباء واستشعارها رغم انتشارها؟
برأيي إننا نعيش حاليا مرحلة معقدة من تفشي السلوكيات الغبية عبر وسائل التواصل الذكية، وتبدو الحاجة ملحة لاستيعاب وتقييم فلسفة الغباء ليس فقط للوقاية منه بل لفهم كيفية التعامل مع تأثيراته والمؤثرين من خلاله؛ فيبدو أن هنالك الغبي المتذاكي وليس الذكي المتغابي والأول هو ذلك المريض بالحمق من يلزم الحذر منه كونه يتصرف قبل أن يفكر، وحتى في حالة تفكيره هنالك عدم ترابط في منطقية المطروح ولا مشاعرية الوضوح بالتالي تصرفه خائب، مقتنع أن فعله صائب ويحاول أن يقنع الآخرين بأنه صائب مستخدما أسلحة الغباء المدمرة برفع الصوت مرة وبالقوة المطلقة تارة وبالإقصاء تارة أخرى، وإذا تجنبه الآخرون واحتاطوا منه أطلق عليهم صفة الجبناء.. ألا قاتل الله الحمقى والغباء.
فكما حذر شيبولا بأن الغباء أزلي البقاء فقد نبه ابن الجوزي إلى أن عدم الإدراك يؤدي للهلاك، وبين السخرية التحليلية لشيبولا والصرامة الوعظية لابن الجوزي تتشكل رسالة واضحة لفهم فلسفة الغباء بأنه ضرورة لتمييز العقلاء.
ونستحضر في هذه الحالة المقولة «آن لأبي حنيفه أن يمد رجليه».
Yos123Omar@
0 تعليق