تداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبر الغرامة التي تبلغ 300 دينار للشخص الذي فتح باب السيارة وأفرغ قمامته وسط الشارع، وقد تحرّكت وزارة شؤون البلديات والزراعة وتمّ ضبط صاحب المركبة وتطبيق الجزاء المنصوص عليه، وذلك بعد أن تطوّع صاحب السيارة التي كانت خلفه بنشر المخالفة التي التقطها له -وهنا (القمنده) مثلما يقولون-، فالنشر هو الذي ساهم في سرعة التحرّك وسرعة إنفاذ القانون.
شيء من الإفاقة حدث عند الناس وكأنه نبّههم بأنه يُمكن لأيٍّ منا أن يكون رقيباً، وأن لدينا قانوناً رادعاً لو طُبّق ولو علمت الناس (بجميع لغاتها) خبر إنفاذه -وهذا هو الأهم- لتغيّر الحال، فالناس تتهاون في تطبيق القانون لأنها تعتقد بأن الأمر سيمرّ عادياً والقانون نائم في الأدراج لا يُطبّق.
الجديّة والحزم في تطبيق وإنفاذ القانون في دولة الإمارات رادع ألزم المواطن والمقيم بشكل ملحوظ، فلا يجرؤ أحد على رمي عقب سيجارة أو ورقة كلينكس في الشارع خوفاً من الغرامة التي تصل إلى 500 درهم وتُطبّق فوراً، بل ويدفعها السائق لا الشركة التي يعمل بها، وشهدتُ على ذلك حين اضطر سائق السيارة التي كانت تقلّنا إلى قاعة المؤتمرات أن يمسك بورقة كلينكس بها صرصار دخل للسيارة خلسة، فقبض عليه بورقة كلينكس أثناء توقفنا في الإشارة في منتصف الطريق، إنما ظل يسوق بيد واحدة ويده اليسار خارج السيارة طوال الطريق ممسكاً بالصرصار والكلينكس لأنه لم يقدر أن يُبقي الورقة في السيارة لأنني هدّدته بالنزول إن فعل، ولم يقدر أن يتخلص من الورقة لأنه خاف من الغرامة، حتى وصلنا إلى وجهتنا فنزل وألقاها في سلة القمامة!
تطبيق القانون هناك يصاحبه نشر على عدّة وسائل دائماً وبعدّة لغات، فالكل يعرف الجدية في إنفاذ القانون، ومبلغ الغرامة لا يستهان به، والاستمرارية في النشر مسألة مستمرة، فالأمر لا يتعلّق (بحملة) مؤقتة إنما حملاتهم مستمرة طوال أيام السنة.
بالنسبة لنا، نعلم أن لدينا قوانين تنظيمية كثيرة، وللعلم أيضاً للقوانين عدة وزارات معنية بالرصد والضبط، إنما نعلم أن التقشف قلّص من عدد المفتشين القضائيين الذين يحقّ لهم تسجيل المخالفات، إنما نعلم أيضاً أن تفعيل الرقابة الشعبية بإمكانه أن يسدّ هذا الفراغ لو تمّ تشجيعها وضبطها حتى لا تُستغل سلباً وكيدياً، وستحل لنا معضلة كبيرة خاصة بوجود أمثال ذلك الشخص الذي صوّر المخالفة ونشرها مع مراعاة الخصوصية بتغطية رقم السيارة.
تخيّلوا حجم المخالفات التي ممكن أن يُبلّغ عنها الناس المتعلّقة بعدّة وزارات كهيئة تنظيم سوق العمل والبلدية والصحة والتنظيم العقاري والكهرباء والمرور وإشغال طرق ووو، وفيها جميعاً مخالفات تُرى بالعين المجرّدة يومياً.
لو تحرّك الناس ونشروا المخالفات التي يرصدونها وهم يمرون عليها ويتحسّرون، تخيّلوا حجم الغرامات التي ممكن أن تُدفع وترفد الميزانية، لكنها ستكون رادعاً سيؤثر حتماً على حجم الالتزام بعدها، فكل من ينوي المخالفة يعلم أنه لن يمرّ اليوم إلا وقد تواصلتْ معه الأجهزة الأمنية وتمّ تغريمه، ألن يكون ذلك رادعاً وهذا هو المطلوب إنفاذه؟ أليست هذه هي البحرين التي نريدها؟
0 تعليق