من ذلّ ما سلِم

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
احتزم العريفة بالكمر الحلبي، ونزل إلى تحت جناح القلعة كما يطلق عليها، واشتل اللومة فوق كتفه، والمصلبة على ذراعه، وكيس الذرو فوق رأسه؛ وقال لمرته؛ ألحقيني بالثيران نلحق البغرة أربّنا نثبّي الركيب، قبل ما تهلّ الدَينَة اللي تحوم من البارح فوق وادينا؛ فقالت بنت الحلال؛ الله يعطيناه برضا!! ردّ عليها بانفعال: يعطيناه بكرة، أما اليوم يفكّ عنا لين نغلّق العَمَل.

ما هلا، خذ له خُطين؛ إلا وهذا (المنبّش) مقبل عليه من رأس المحجر، فقال في نفسه؛ يا الله إنك لا تحييه؛ ما هلا بيلهوينا؛ والمطر فينا، ضغط بقدمه الحافية على خشبة السحب، وثبّت القبعة بيمينه الحرشاء، فوقفت الثيران.

حلف (المنبّش) إن ما وده يخبّث خاطر كبير القريّة، لكن مساري الفقيه والمذّن زادت، ويخاف يكون بينهم خساسة، ودغالة يحيكونها، في بيت النازلة اللي حلّ في قريتهم ومعه ذهب ونهب. شكّك العريفة في الأمر، فطلب منه يلزم له السحب، ويكمل الحرث، وتناول حجراً مدردم؛ فوضع عمامته الكُرشيّه عليه، واعتنز في فيّة الخوط، ولفّ له سجارة، وقرر يلقّن المنبّش درساً لا ينساه.

دنّ الراعد، فالتفت المنبّش جهة العريفة، وقال؛ خلّ الباقي إلى بكرة، فقال؛ طلاقي ما تبزها شبر لين تسنّد بآخر خُطّ وأنت رجّال، فمسح العرق عن جبهته؛ وصاح في الثيران، فنهره العريفة، قائلاً: لا تصيّح تخرعها (غنّ) لها وتنشط، فقال: قلّ جهدها وما تمشي بقلبها، فاستغل قولته ليبدي له شيء في خاطره؛ وقال: منهو اللي قلّك إن الثور معه قلب!! فبصم على شحم.

ضرب السيل، فأطلقوا الثيران، فدنّقت في العتلة المغرهدة على ضفاف الفلج، فطلب من (المنبّش) يشيل السحب، والمصلبة، ردّ؛ ثقيلة حاوشني؛ قال: شلت الفتنة بكُبرها ما تشيل خشبتين، شِلْ ولا معونة، فسبقهم والثيران وراه.

طلب من بنته (صفيّه) تحط الفأس عند الباب، ليمتص الصواعق، وأضاف: جففي للحلال، وحطي علف في مراح الغنم، عشان لا يبرد البهم من الطيغة، وأرسل ابنه (مرشود) يدعي له المذّن؛ فعاد بمفرده؛ فنشده؛ وينهو؟ فأجابه؛ يقول بيصلّي المغرب ويتعشى ويجي؛ علّق؛ بيتشقق عصعوصه من خوف الله.

سمع صفيق زنوبته في الدرجه، فرفع صوت الرادي، كي لا يقول ارحب؛ دخل عليه؛ فقال: ليش تدعيني ما دام ما بترحب؟ قال: ما سمعتك من الشيطان ذيه، خفّض الصوت، واستقام، ليزيد نور الاتريك، وهو يقصّد ببيت من قصيدة لعب (أشعيت أتاريكنا يا اتريك أفندي)، ثم قعد وقال: سمعت لي هروج عنك، وعن فقيهك خير إن شاء الله، ردّ عليه بثقة: مثلك يدري أن الفقيه كما الفيّه فوق روسنا، والهروج اللي نقلها لك النمّام ما هي صُداق، ردّ عليه بحزم؛ فيّه على رأسك، اللي كما مُسحقة الشيدة، أما روسنا فيّتها السما.

فتح معه سالفة لها أوّل مالها تالي؛ فسأله: وش تا المودة جت أتلى الزمان؛ يا ديكان للفقيه في قلبك؛ ما عد عليك إلا تقول (يا الله تحشرني معه في زمرة الغُرّ المحجّلين) حقة ما قال الزرقوي، ردّ: وشبك تتحسس وتتحكك كما العنز الجربه لا شافت جدار متهايل؛ وأضاف: أربّك نسيت يوم طلبتني أشهد معك زور على حقّ الولايا؟ فاعتدل في قعدته؛ وسأله: من متى فطر لك جناحين يا فرخ الحجل، وإنت ذلال من يوم أعرفك؛ تشوف خيال فقيهك في الماء اللي تشربه؛ فقال المذّن: من ذلّ سِلم.. ردّ عليه: لا فرحت بسلامتك، والله ياللي يذل ما يسلم؛ ثم طلب منه يعطيها المسبولة.

تبلّع ريقه، وهو يتناول كشافه الحُجار، وعصاة الغَرَب؛ وعلّق: ما ظنتي تسمع فيّه حكاوي الملاقيف؛ وانا اعرف خراجي مثل ما تعرف خراجك؛ فرفع العريفة صوته: خراجك أن الفقيه خذك وقاية؛ تقاحر وتناحر، بالنيابة عنه، وتوشون نار الفتن بين الجماعة؛ وإذا شبيتموها قلتم افزع يا عريفة طفّها؛ فقال: إنت ما تدري؛ أنه لو ما هوب الفقيه فك حمارته للجعير؛ كان تعشاني في الوادي، ردّ عليه: أقدى؛ ديتك عنده حمارة يا ديكان وما كذب المقوّل يوم قال (شرهة الميّت على الحيّ).

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق