loading ad...
في جميع النظم التعليمية التي نتطلع إليها كمراجع للتقدم والابتكار، لم تُقدِم أي دولة، مهما بلغت نسب المعلمات فيها، على تأنيث التعليم بقرار رسمي يُقصي المعلمين الذكور من المراحل الأولى.اضافة اعلان
لا في فنلندا، حيث يُحتفى بالتعليم كأحد أرقى المهن، ولا في كندا، ولا حتى في بريطانيا التي تشهد نسباً عالية من الإناث في الصفوف المبكرة. تلك النسب ليست نتاج سياسات إقصائية، بل ثمرة اختيارات مهنية حرّة، ومسارات مبنية على ميول فردية وظروف شخصية، وليست على استبعاد الآخر.
أما أن تُفرض تأنيث التعليم كسياسة، فذلك لا يُفسَّر إلا كإقصاء منهجي. إقصاء للمعلمين الذكور من فرصة التوظيف، من حقهم في ممارسة مهنة نبيلة، من إمكانية أن يكونوا جزءاً من التكوين التربوي في لحظة هي الأهم في حياة الطفل: لحظة التأسيس الأولى، حيث تتشكل القيم، وتتكون العلاقات الأولى مع العالم.
حين نحصر التعليم في هذه المرحلة بالرعاية، ونربط الرعاية بالأنوثة، فإننا نعيد إنتاج صورة نمطية تجاوزها العالم منذ عقود. التعليم لم يعد وظيفة مرتبطة فقط بالعاطفة والرعاية، بل هو مشروع تكوين إنساني شامل، يحتاج إلى التنوع، إلى النماذج المختلفة، إلى التوازن بين اللين والحزم، وبين العاطفة والعقل.
ما كنا ننتظره حقاً هو سياسة تُعلي من قيمة المعلم، أيّاً كان جنسه. سياسة تُؤمِن بأن الكفاءة لا تلبس هوية جندرية، وأن الطفل لا يحتاج إلى معلمة أو معلم، بقدر ما يحتاج إلى إنسان مؤهل، مدرَّب، متمكن من أدواته، وقادر على بناء علاقة آمنة وعادلة ومحفّزة مع كل طفل.
كنا نأمل في توجه يُعزز التنوع داخل بيئة التعلم، ويكسر أحادية التمثيل الجندري، لا أن يُكرّسها. لأن في ذلك مصلحة مباشرة للطفل، الذي يحتاج إلى التفاعل مع نماذج بشرية مختلفة، كي يتكوّن بشكل أكثر توازناً وانفتاحاً.
لذلك، فإننا نرى ضرورة مراجعة هذا القرار، لا من باب الدفاع عن الذكور كفئة مهنية فقط، بل من باب الدفاع عن حق الطفل في تنوّع بيئته التربوية، وعن حق المجتمع في تعليمٍ قائم على الكفاءة، لا على التصنيفات المسبقة.
التعليم لا يُبنى بالإقصاء. والأجيال لا تُصنع بالتهميش. وما يحتاجه أطفالنا اليوم هو بيئة تعليمية عادلة، متنوعة، تنظر إلى الإنسان لا إلى جنسه، وتؤمن أن بناء الإنسان هو مهمة مشتركة، لا حصرية.
د. زينا الكركي
مختصة في القيادة التعليمية
0 تعليق