آيا صوفيا في تركيا.. إليك أسرار التحفة المعمارية التي صمدت 1،600 عام وتجاوزت سقوط الإمبراطوريات - الأول نيوز

cnn 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تُعد زيارة آيا صوفيا تجربة روحية سواء كنت من المتدينين أم لا. والعبقرية المعمارية لهذا المكان المقدّس، الذي بُني ككنيسة في عام 537 ميلادي قبل أن يتحول إلى مسجد في عام 1453، تخلق وهمًا بالاتساع. إذ تشعر وكأن المكان يبدأ في التمدد بمجرد دخولك إليه.

الفن داخل المبنى يعد شهادة على التعايش، فلا يوجد مكان آخر على وجه الأرض تتجاور فيه الفسيفساء المسيحية للقديسين والحكام البيزنطيين مع الخط الإسلامي.

اليوم، تُعد آيا صوفيا واحدة من أروع المساجد في العالم، إلا أنها أكثر من ذلك، فهي رمز، وظاهرة ثقافية، ونُصب تذكاري أيضًا.

كما هو الحال مع معظم المعالم العظيمة، من الطبيعي أن يكون لهذا الهيكل أساطير خاصة بها. 

ومن بين العديد من القصص التي تُروى عن هذا المبنى، بعضها صحيح، وبعضها مبالغ فيه، وبعضها خيالي تمامًا.

أكبر وأفضل

Yasin Akgul/AFP/Getty Images
شهد شهر أبريل 2025 بداية مشروع ترميم ضخم لحماية الهيكل من الزلازلCredit: Yasin Akgul/AFP/Getty Images

بُني هيكل آيا صوفيا الحالي في القرن السادس الميلادي عندما كانت القسطنطينية، التي تعرف اليوم بإسطنبول، قلب الإمبراطورية البيزنطية المسيحية الأرثوذكسية التي نشأت مع تراجع هيمنة روما القديمة. وحكمت أجزاءً واسعة من أوروبا، وشمال إفريقيا، وصولاً إلى ما يُعرف اليوم بإسبانيا، وليبيا، ومصر، وتركيا، حتى سقطت المدينة في أيدي العثمانيين عام 1453.

والمبنى الذي نراه اليوم ليس هو الأصلي، فسبقه كنيستان بُنيتا في الموقع ذاته، وقد بُنيتا بدورهما فوق معبد وثني قديم.

ويُقال إنّه تم تكليف بناء أول كنيسة من قِبل الإمبراطور قسطنطين، الإمبراطور الروماني الذي اعتنق المسيحية ونقل مركز الإمبراطورية الرومانية إلى القسطنطينية، مُدشِّنًا بذلك العصر البيزنطي.

أما النسخة الثانية من الكنيسة، فقد افتتحها الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني عام 415 ميلادي، لكنها أُحرقت مرة أخرى في عام 532 ميلادي.

أما الكنيسة الثالثة، وهي آيا صوفيا الحالية، فقد بُنيت على يد الإمبراطور جستنيان الأول، الإمبراطور الطموح الذي أمر ببدء البناء عام 523 ميلادي.

وبحسب مصدر تاريخي مجهول نقله المؤرخ التركي من القرن العشرين، رشاد أكرم قوجو، في "Istanbul Encyclopedia"، أراد جستنيان الأول أن تكون كنيسته أكبر وأكثر فخامة من معبد سليمان في القدس، الذي قيل أنّه بُني في القرن العاشر قبل الميلاد.

وخلال فترة البناء التي استغرقت خمس سنوات، أمر جستنيان الأول حكّام الأقاليم بإرسال أروع التحف الأثرية من أطلال العصور القديمة في مناطقهم إلى القسطنطينية لاستخدامها في بناء آيا صوفيا.

ويبدو أن ذلك قد أثمر، فبحسب المصدر المجهول ذاته، عندما دخل جستنيان الأول الكنيسة لأول مرة شعر بالرهبة، وركض نحو المذبح، ورفع رأسه ليشكر الرب على منحه الفرصة لبناء مثل هذه الأعجوبة، ثم صرخ: "لقد تفوقت عليك يا سليمان!"

قد تبدو قصة شيقة لكنها، بحسب المؤرخ والخبير بشأن آيا صوفيا، سادات بورنوفالي، غير صحيحة.

وتلك المعلومات مجهولة المصدر كُتبت بعد حوالي 300 عام من بناء آيا صوفيا. ولا تظهر هذه القصة في أعمال بروكوبيوس، المؤرخ الرسمي للإمبراطور جستنيان الأول، الذي كتب أيضًا كتابًا نقديًا عن الإمبراطور بعنوان "التاريخ السري".

بناء باهظ التكلفة بشكل أسطوري

آيا صوفيا
لا يزال بإمكان الزوار رؤية الفسيفساء البيزنطية التي لا تقدر بثمن والتي تم تكليف صنعها عندما كان مبنى آيا صوفيا كنيسة.Credit: Umit Turhan Coskun/NurPhoto/Shutterstock

بصرف النظر عن الدوافع وراء ذلك، فإن تكلفة المشروع والعجلة في بدء بناء واحد من أعظم الهياكل الضخمة في عصره قد اكتسبتا مكانة شبه أسطورية.

قيل إنّ تكلفة المشروع كانت هائلة، وفي كتابه بعنوان "سقوط الإمبراطورية الرومانية: تاريخ جديد لروما والبرابرة"، أفاد المؤرخ بيتر هيذر أنّ الإمبراطور الروماني جستنيان الأول دفع "ما بين 15 إلى 20 ألف رطل من الذهب". 

أما حسب "Istanbul Encyclopedia" الصادرة عام 1945، فقدّرت التكلفة بمبلغ أكثر تواضعًا، ولكنه لا يزال هائلاً، وهو 75 مليون دولار، أي ما يعادل 1.3 مليار دولار اليوم. وهذا أكثر من تكلفة إعادة بناء كاتدرائية نوتردام البالغة مليار دولار.

مسجد بصور مسيحية

آيا صوفيا
تُعد الفسيفساء المتلألئة واحدة من أروع الأمثلة على الأعمال الفنية البيزنطيةCredit: Saeid Arabzadeh/Middle East Images/AFP/Getty Images

في عهد البيزنطيين، أصبحت آيا صوفيا مركزًا للمسيحية الأرثوذكسية وآخر رمز قائم لإمبراطوريتهم. ولكن في عام 1453، عندما استولى السلطان العثماني محمد الثاني (المعروف أيضًا بمحمد الفاتح) على القسطنطينية، مهد انتصاره الطريق لقيام الدولة العثمانية، التي استمرت حتى عام 1922.

وللدلالة على تفوق الإسلام، وكذلك للإيحاء بأن العثمانيين هم الورثة الحقيقيون للرومان، حوّل محمد آيا صوفيا إلى مسجد، لكنه احتفظ باسمها الأصلي. 

وبعد فتح القسطنطينية، أدى السلطان الشاب، أول صلاة جُمعة له هناك، ليبدأ تقليدًا اتبعه جميع السلاطين العثمانيين اللاحقين.

حماية التراث الثقافي الفريد

آيا صوفيا
قامت الحكومة التركية بشكل مثير للجدل بتحويل المبنى إلى مسجد في عام 2020. وكانت آيا صوفيا تعد في السابق متحفًا عند إنشاء الدولة التركية العلمانية.Credit: Burak Kara/Getty Images

صمد مبنى آيا صوفيا في وجه العديد من الثورات، والاحتلالات، والاضطرابات، والنهب، والكوارث الطبيعية (ويُقال إن بناؤها على قاعدة من الصخر الصلب ساعدها على النجاة من الزلازل). قلة من المباني التي تعود إلى تلك الحقبة تم الحفاظ عليها بهذه الدرجة من الكمال وبحالة شبه مكتملة.

ولعبت السلالة العثمانية، وخصوصًا محمد الفاتح، دورًا محوريًا في الحفاظ عليها

ويقول المحرر والباحث الحضري حسن مرت كايا: "(محمد) قال لجيشه إنّه إذا فتحوا المدينة، فستكون لهم لثلاثة أيام، باستثناء آيا صوفيا".

كتب قوجو في "Istanbul Encyclopedia" أن محمد لم يأمر بتغطية الفسيفساء المسيحية، رغم من أن الإسلام يحرّم الفن التصويري في السياقات الدينية.

ومع ذلك، بعد قرن من الزمن، أمر السلطان سليمان الأول بتغطيتها بطبقة من الجص.

ومن خلال إنشاء الجمهورية التركية على يد العِلماني، مصطفى كمال أتاتورك، أصبح بإمكاننا رؤيتها اليوم

أُغلق المبنى أمام العامة في أوائل الثلاثينيات لأعمال الترميم، ثم تم تحويله إلى متحف في عام 1935 بمرسوم من أتاتورك، الذي أمر أيضًا بكشف وترميم الفسيفساء البيزنطية.

من مسجد إلى متحف إلى مسجد مجددًا

يقع معلم آيا صوفيا اليوم في قلب صراع على السلطة، وهو صراع تعكسه قصص وأساطير ماضيه بقدر ما تعكسه إعادة تصنيفها الأخيرة كمسجد.

آيا صوفيا
يقال إن تكلفة المبنى تعادل 1.3 مليار دولار بأسعار اليومCredit: Karel Picha/NurPhoto/Shutterstock

أصبح المبنى مفتوحًا للزوار مثل العديد من المساجد الأخرى في إسطنبول، مثل السليمانية، والمسجد الأزرق، وجامع الفاتح. ورغم أن تقديم تذكرة دخول بقيمة 25 يورو في عام 2024 قد أثار بعض الدهشة، إلا أن عام 2025 شهد بداية مشروع ترميم يستمر ثلاث سنوات، يهدف إلى تجديد القبة المركزية، ليشكل بذلك العمل الترميمي الأوسع نطاقًا في تاريخه الممتد لـ1،500 عام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق