loading ad...
على الرغم من توقيع اتفاق إعادة الإعمار بين كييف وواشنطن، يبقى مستقبل أوكرانيا غامضاً في ظل غياب ضمانات أمنية واستمرار الحرب، واحتمال تقديم تنازلات مؤلمة لروسيا في حال عودة ترامب إلى السلطة.اضافة اعلان
***
بعد شهرين من الترقب المتوتر عقب المشادة التي شهدها المكتب البيضاوي، لا بد أن فريق الرئيس زيلينسكي قد تنفس الصعداء على وقع إعلان وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، عن إبرام اتفاق لإعادة الإعمار والاستثمار مع كييف.
الخبر الجيد بالنسبة لزيلينسكي هو أن هذه الصفقة تبدو أقل إذلالاً بكثير لأوكرانيا من تلك التي كان قد رفض التوقيع عليها في شباط (فبراير)، وهو ما دفع بدونالد ترامب في ذلك الحين إلى توجيه ذلك التعليق القاسي له: "أنت لا تمتلك أوراقاً رابحة".
أزيلت من الاتفاق فكرة اعتبار المساعدات العسكرية الأميركية السابقة "ديناً" يترتب على أوكرانيا سداده، كما أزيلت منه الشروط التي قد تتعارض مع التزامات أوكرانيا تجاه شركائها الأوروبيين.
لكن أي تدخل أميركي مستقبلي في إعادة الإعمار يقتضي إحلال السلام أولاً: إذ من هو الذي سيستثمر ماله في مصانع أو عمليات جديدة على الأرض بينما تئز مسيرات "شاهد" في السماء؟ كيف نصل إلى تلك المرحلة إذن؟ لم يتم الكشف عن أي نقطة تتعلق بالضمانات الأمنية لكييف.
وحتى أثناء الاحتفال بتوقيع اتفاق المعادن، شدد دونالد ترامب على أن "هذه كانت حرب بايدن، وأنا أحاول إنهاءها". ما يزال ترامب يلقي بالمسؤولية عن اندلاع هذه الحرب على عاتق سلفه، وليس بوتين، مما يعني أنه ما يزال يلوح للروس باحتمال إبرام صفقة.
في هذا السياق، لا يسعنا أن نلوم ميخائيل ساكاشفيلي، الحاكم السابق لمقاطعة أوديسا الأوكرانية التي تعصف بمينائها الحرب، حين تذكر بأسى وهو مستلق على سرير المستشفى داخل سجنه في بلده جورجيا، صراعه الشخصي مع روسيا في العام 2008. مثل زيلينسكي، علق ساكاشفيلي كل آماله لضمان أمن جورجيا على الأثر الرادع لالتزام أميركي بدعم انضمام بلاده بعد حين إلى حلف الـ"ناتو". ولكن عندما بدأت الأزمة، سافر الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، إلى تبليسي ليطلب من ساكاشفيلي قبول هدنة مذلة، لأن "الأميركيين ليسوا قادمين لإنقاذك"، بحسب تعبيره.
وضع بوتين يده على منطقتين في جورجيا بحكم الأمر الواقع. ورفضت البلاد الإقرار بهذه الهزيمة، لكن ولاية ساكاشفيلي تلقت ضربة قاضية، ثم قام خلفاؤه بسجنه وتقربوا من روسيا بينما كانوا يبتعدون عن الغرب.
في هذه السابقة عبرة لفولوديمير زيلينسكي ونذير بالشؤم. فقد تخلى ترامب بالفعل عن شبه جزيرة القرم لصالح الروس. وماذا عن التنازل عن جنوب شرقي أوكرانيا الذي يحتله الروس في مقابل السلام والمساعدات الاقتصادية الأميركية؟ بدأت الشخصيات القومية المتطرفة، ولا سيما في الجيش، مسبقًا بالتنديد بأي تنازلات لصالح روسيا وبتهديد السياسيين الذين يوافقون عليها.
يدعم عدد كبير من حلفاء ترامب الجمهوريين في الكونغرس فرض عقوبات ثانوية واسعة النطاق تهدف إلى ضرب صادرات الطاقة والموارد الطبيعية الروسية، في حال عدم موافقة بوتين على اتفاق يصعب على الأوكرانيين تقبله. ربما يؤدي تضييق الخناق على الكرملين اقتصادياً ببوتين إلى تقديم بعض التنازلات، والمؤكد أن رد فعله على مقاربة ترامب الأولية الملطفة منذ كانون الثاني (يناير) كان بزيادة حدة قصف المدن الأوكرانية ومطالبة أوكرانيا بكل قسوة بالتخلي عن بعض أراضيها (وليس شبه جزيرة القرم فحسب)، والقبول بنزع السلاح في ما تبقى من البلاد.
إذا تبين في نهاية المطاف أن الأمل بتجديد الدعم الأميركي لأوكرانيا زائف، قد يشكل ذلك ضربة قاسية لمعنويات الجيش الأوكراني. ولكن لا شك في أن القوات الروسية تتساءل أيضاً من جهتها عما إذا كان قائدها الأعلى هو فعلاً سيد الميدان والدبلوماسية، كما يردد الإعلام الموالي لبوتين منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
يشدد محللون كثر على أن الحرب الحالية ليست حرباً من زمن ما بعد الحداثة بقدر ما هي عودة للمعارك الشاقة والطويلة التي شهدتها الحرب العالمية الأولى. فعلى الرغم من الصواريخ الروسية الفرط صوتية واستخدام طرفي النزاع طائرات من دون طيار فوق القتال الدائر على الأرض، ما تزال الجبهة تتحرك اليوم عملياً ببطء شديد، إذا افترضنا أنها تتحرك من الأساس.
في ربيع العام 1918، كانت الأفضلية للألمان، واعترف مارشال القوات البريطانية هيغ بأن قواته تقاتل "من موقع صعب". ولكن بعد مرور ستة أشهر، انهارت معنويات الألمان مع تضاعف الخسائر من دون أي نهاية مرتقبة للحرب.
الحرب المتواصلة هي الشيء الوحيد المؤكد في الوقت الراهن. ولكن إلى أي مدى يستطيع أي من الطرفين تحمل المزيد من القتال؟ ما يزال الصراع لعبة ذهنية بقدر ما هو لعبة ميدانية، وما يزال دونالد ترامب هو الورقة المتقلبة والرابحة.
***
بعد شهرين من الترقب المتوتر عقب المشادة التي شهدها المكتب البيضاوي، لا بد أن فريق الرئيس زيلينسكي قد تنفس الصعداء على وقع إعلان وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، عن إبرام اتفاق لإعادة الإعمار والاستثمار مع كييف.
الخبر الجيد بالنسبة لزيلينسكي هو أن هذه الصفقة تبدو أقل إذلالاً بكثير لأوكرانيا من تلك التي كان قد رفض التوقيع عليها في شباط (فبراير)، وهو ما دفع بدونالد ترامب في ذلك الحين إلى توجيه ذلك التعليق القاسي له: "أنت لا تمتلك أوراقاً رابحة".
أزيلت من الاتفاق فكرة اعتبار المساعدات العسكرية الأميركية السابقة "ديناً" يترتب على أوكرانيا سداده، كما أزيلت منه الشروط التي قد تتعارض مع التزامات أوكرانيا تجاه شركائها الأوروبيين.
لكن أي تدخل أميركي مستقبلي في إعادة الإعمار يقتضي إحلال السلام أولاً: إذ من هو الذي سيستثمر ماله في مصانع أو عمليات جديدة على الأرض بينما تئز مسيرات "شاهد" في السماء؟ كيف نصل إلى تلك المرحلة إذن؟ لم يتم الكشف عن أي نقطة تتعلق بالضمانات الأمنية لكييف.
وحتى أثناء الاحتفال بتوقيع اتفاق المعادن، شدد دونالد ترامب على أن "هذه كانت حرب بايدن، وأنا أحاول إنهاءها". ما يزال ترامب يلقي بالمسؤولية عن اندلاع هذه الحرب على عاتق سلفه، وليس بوتين، مما يعني أنه ما يزال يلوح للروس باحتمال إبرام صفقة.
في هذا السياق، لا يسعنا أن نلوم ميخائيل ساكاشفيلي، الحاكم السابق لمقاطعة أوديسا الأوكرانية التي تعصف بمينائها الحرب، حين تذكر بأسى وهو مستلق على سرير المستشفى داخل سجنه في بلده جورجيا، صراعه الشخصي مع روسيا في العام 2008. مثل زيلينسكي، علق ساكاشفيلي كل آماله لضمان أمن جورجيا على الأثر الرادع لالتزام أميركي بدعم انضمام بلاده بعد حين إلى حلف الـ"ناتو". ولكن عندما بدأت الأزمة، سافر الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، إلى تبليسي ليطلب من ساكاشفيلي قبول هدنة مذلة، لأن "الأميركيين ليسوا قادمين لإنقاذك"، بحسب تعبيره.
وضع بوتين يده على منطقتين في جورجيا بحكم الأمر الواقع. ورفضت البلاد الإقرار بهذه الهزيمة، لكن ولاية ساكاشفيلي تلقت ضربة قاضية، ثم قام خلفاؤه بسجنه وتقربوا من روسيا بينما كانوا يبتعدون عن الغرب.
في هذه السابقة عبرة لفولوديمير زيلينسكي ونذير بالشؤم. فقد تخلى ترامب بالفعل عن شبه جزيرة القرم لصالح الروس. وماذا عن التنازل عن جنوب شرقي أوكرانيا الذي يحتله الروس في مقابل السلام والمساعدات الاقتصادية الأميركية؟ بدأت الشخصيات القومية المتطرفة، ولا سيما في الجيش، مسبقًا بالتنديد بأي تنازلات لصالح روسيا وبتهديد السياسيين الذين يوافقون عليها.
يدعم عدد كبير من حلفاء ترامب الجمهوريين في الكونغرس فرض عقوبات ثانوية واسعة النطاق تهدف إلى ضرب صادرات الطاقة والموارد الطبيعية الروسية، في حال عدم موافقة بوتين على اتفاق يصعب على الأوكرانيين تقبله. ربما يؤدي تضييق الخناق على الكرملين اقتصادياً ببوتين إلى تقديم بعض التنازلات، والمؤكد أن رد فعله على مقاربة ترامب الأولية الملطفة منذ كانون الثاني (يناير) كان بزيادة حدة قصف المدن الأوكرانية ومطالبة أوكرانيا بكل قسوة بالتخلي عن بعض أراضيها (وليس شبه جزيرة القرم فحسب)، والقبول بنزع السلاح في ما تبقى من البلاد.
إذا تبين في نهاية المطاف أن الأمل بتجديد الدعم الأميركي لأوكرانيا زائف، قد يشكل ذلك ضربة قاسية لمعنويات الجيش الأوكراني. ولكن لا شك في أن القوات الروسية تتساءل أيضاً من جهتها عما إذا كان قائدها الأعلى هو فعلاً سيد الميدان والدبلوماسية، كما يردد الإعلام الموالي لبوتين منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
يشدد محللون كثر على أن الحرب الحالية ليست حرباً من زمن ما بعد الحداثة بقدر ما هي عودة للمعارك الشاقة والطويلة التي شهدتها الحرب العالمية الأولى. فعلى الرغم من الصواريخ الروسية الفرط صوتية واستخدام طرفي النزاع طائرات من دون طيار فوق القتال الدائر على الأرض، ما تزال الجبهة تتحرك اليوم عملياً ببطء شديد، إذا افترضنا أنها تتحرك من الأساس.
في ربيع العام 1918، كانت الأفضلية للألمان، واعترف مارشال القوات البريطانية هيغ بأن قواته تقاتل "من موقع صعب". ولكن بعد مرور ستة أشهر، انهارت معنويات الألمان مع تضاعف الخسائر من دون أي نهاية مرتقبة للحرب.
الحرب المتواصلة هي الشيء الوحيد المؤكد في الوقت الراهن. ولكن إلى أي مدى يستطيع أي من الطرفين تحمل المزيد من القتال؟ ما يزال الصراع لعبة ذهنية بقدر ما هو لعبة ميدانية، وما يزال دونالد ترامب هو الورقة المتقلبة والرابحة.
*مارك ألموند Mark Almond: كاتب ومؤرخ بريطاني ولد في العام 1958. يعرف بمقالاته وتحليلاته السياسية التي تنشر في صحف، مثل "الإندبندنت" و"الغارديان". شغل منصب محاضر في التاريخ الحديث بكلية أوريل في جامعة أكسفورد، وتركزت اهتماماته الأكاديمية على تاريخ أوروبا الوسطى والشرقية في القرنين التاسع عشر والعشرين.
0 تعليق