أمثال ترامب دائما يسقطون ويمكننا التنبؤ بالطريقة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعلمنا التاريخ أن الطغاة لا ينتهون على خير. فقد كان خروج ريتشارد الثالث وكوريولانوس خروجا دمويا، وانتهى سلوبودان ميلوسيفيتش إلى السجن. والاستبداد Tyranny لفظ مشتق من كلمة يونانية هي «تورانوس» (أي: الحاكم المطلق)، وعادة ما يتغذى الاستبداد على الغطرسة وحتما يؤدي إلى السقوط. فالطغاة دائما مصيرهم الإطاحة. ويكون سقوطهم نعمة ونجاة.

وقد رجع الاستبداد، بأشكاله المتعددة، إلى الصدارة، وكلنا نعلم من يلام على ذلك. وللإنصاف أقول إن من الخطأ الفادح أن نشير إلى أوجه الشبه بين هؤلاء الأشخاص الكريهين السابق ذكرهم ودونالد ترامب. ذلك أنه، من أوجه معينة، أسوأ منهم، فبمقياس الاستعداد والقدرة على إيذاء أفقر فقراء العالم وأشدهم ضعفا وإحداث فوضى اقتصادية عالمية والتهديد بالإبادة النووية يمثل ترامب خطرا فريدا يزداد خطورة يوما بعد يوم.

في أي عصبة استبدادية افتراضية، يتصدر ترامب القائمة، ويليه عن قرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولو شكَّل هذان النرجسيان شراكة (وهي فكرة مخيفة ولكنها ليست مستبعدة بأي حال)، فمن الممكن أن نسميها Monsters R US أي «الوحوش هم نحن» [ولا يخفى اللعب على حرف R اختصارا لروسيا ولفعل are الناقص وحرفي US أي أمريكا و«نحن»]. وفي شتى أرجاء العالم المضطرب، يصطف الطامحون إلى «الطغيان» راغبين في الانضمام إلى ناديهما.

لكن شأن كل طاغية، قديم أم جديد، لا بد أن يسقط ترامب. فكيف يتحقق هذا السقوط في سلام وسلاسة؟ فيما ينهي دونالد ترامب أيامه المائة الأولى في السلطة، تكتسب هذه الأسئلة طبيعة ملحة. فهل يمكن إيقاف الرئيس الأمريكي الرابع والسبعين ومنع جرافاته من سحق الديمقراطية والقوانين والقيم والأحلام في الولايات المتحدة؟ وكيف يمكن إنقاذ البقية الباقية من النظام العالمي القائم على القواعد؟ ومن الذي سيطيح به عن عرشه، أو ماذا؟

في العادة لا تفضي أخطاء السياسات والسلوك الشخصي المشين إلى انهيار رئيس. ودستور الولايات المتحدة يفتقر إلى المرونة، فهو يكفل الحماية لانعدام الكفاءة، ويحدد للجشع فترة رئاسية. وترامب باق في السلطة حتى عام 2029 ما لم يتم عزله ـ فهل يحالفه الحظ مرة ثالثة؟ ـ بتهمة ارتكاب «جرائم جسيمة»، أو يعتبر غير ملائم بموجب القسم الرابع من التعديل الخامس والعشرين في الدستور الأمريكي [الذي يسمح بتدخل نائب الرئيس والوزراء لإقالة الرئيس في حالة عجزه ورفضه للتنحي]. وفي ظل وجود جيه دي فانس، الرجل الذي لا يقول إلا «نعم»، ويؤدي دور حارس المكتب البيضاوي، وفي ظل امتلاء الكونجرس بأنصار حركة ماجا (استعادة عظمة أمريكا)، يبدو سيناريو هذا الإجراء مستبعدا.

من المؤكد أن الدعم الشعبي يتراجع، فالمظاهرات التي عمت البلد في الأسبوع الماضي، والمخاوف المتعلقة بالتضخم والمدخرات، والغضب بسبب تخفيض التمويلات الفيدرالية، وتأليب حرب ثقافية، وعمليات الإقالة الجماعية، كل ذلك يعكس نذيرا عميقا بوجود تهديدات جسيمة لنمط حياة كامل. وتبين استطلاعات الرأي أن ترامب يخسر حاليا المعتدلين الذين أنهت أصواتهم ولاية بايدن. غير أنه برغم التماثل الملكي مع طاغية آخر هو الملك جورج الثالث، فإن الطريق لا يزال بعيدا للغاية عن قيام ثورة أمريكية ثانية.

ينظر الكثيرون إلى القضاء بحثا عن النجاة. ويستمر القضاة في تحدي إملاءات ترامب في قضية ترحيل المهاجرين وقضايا أخرى. ولقد كانت لجنة محلفين من نيويورك هي التي أدانت ترامب في أربع وثلاثين جناية العام الماضي، لكنها للأسف فشلت في سجنه. وتظل شركاته تتعرض لاتهامات متكررة بالاحتيال. والآن يقال إن «مبدأ الأسئلة الأساسية» المعروف في المحكمة العليا قد يرغمه على أن يجثو على ركبتيه. ولكن هذا يستوجب من الحكومة أن تظهر «تفويضا واضحا من الكونجرس» حينما تتخذ قرارات ذات «أهمية سياسية واقتصادية» كبيرة، بحسب ما أوضح أستاذ القانون الأمريكي آهارون تانج. فالوضع أقرب إلى ضبط النفس.

وفي بلد ووترجيت، هل يستطيع الإعلام أن ينال من الطاغية؟ ذلك أمل عظيم وبعيد. فالمؤسسات الإعلاميات الكبرى، التي تنال منها وسائل التواصل الاجتماعي وفيضانات الأكاذيب الرسمية، تتعرض لسخرية أعلى المستويات باعتبارها مروجة ليبرالية لـ«الأخبار الكاذبة». وتواجه هذه المؤسسات تحديات قانونية بل وحظرا مباشرا، كما في قضية خليج ترامب الانتقامية المرفوعة من ترامب على أسوشييتد بريس. وأبسط مفاهيم الصحافة الموضوعية تحترق بإيثار البيت الأبيض للمنابر الإعلامية اليمينية المناصرة لترامب. فلا مفر من أن تكون الصحافة الحرة الآن هي الحذرة لا المرهوبة.

ولهذا الصراع جوانبه المعنوية والأخلاقية أيضا، وفي ضوء أن الحديث عن الولايات المتحدة، فإن الدعاء سلاح قوي في أيدي الراغبين في قتل الأشرار. ولو أننا نظرنا إلى الخطايا السبع المهلكة ـ الغرور أو الكبر، والجشع أو الطعم، والشهوة، والحسد، والشره، والغضب، والكسل، لرأينا ترامب مدانا فيها جميعا وآثما إثما مبينا. وفي سفر إشعياء (13-11) يوجه الرب تحذيرا منصفا: «وأضع حدًّا لصلف المتغطرسين وأذل كبرياء العتاة». فعسى أن يستجيب الرب. والمعجزات تحدث.

من بين جميع الأدوات في صندوق عدة الإطاحة بالطغاة، ما من شيء يحتمل أن يكون حاسما بقدر الأدوات التي يقدمها غباء ترامب نفسه. فأغلب الناس يفهمون أنه لا قيمة لصفقة سلام تافهة تكافئ بوتين وتخون أوكرانيا. وهل يؤمن ترامب حقا بأن دعمه للقتل الجماعي في غزة، وتهديده بمهاجمة إيران وقصفه الأهوج لليمن، سوف ينهي صراع الشرق الأوسط ويخول له الحصول على جائزة نوبل في السلام؟

واحتكاما إلى أي مقياس، فإن حرب الرسوم الجمركية العالمية الفوضوية التي يخوضها ترامب تلحق الضرر بالمستهلكين الأمريكيين، وتضر الشركات، وتقلص نفوذ الولايات المتحدة. وهي دفعة للصين وهجمة على حلفاء راسخين وشركاء تجاريين قدامى من أمثال بريطانيا. وتدرك شركات التكنولوجيا الكبرى المؤيدة لترامب هذا الأمر، كما يدركه العديد من الجمهوريين. لكنهم لا يتجاسرون على قول الحقيقة في وجه السلطة.

وهناك جشعه أيضا، جشعه الصارخ الصفيق لكنز المال الذي تسبب له بالفعل في اتهامات بالتداول الداخلي، وحكم الأقلية الفاسدة، وتضارب المصالح الذي لا يحصى ولا يعد، وكل ما لم تراقبه هيئات الرقابة الحكومية السبع عشرة التي أقالها ترامب بجرة قلم. كما يسعى أقاربه وشركاته مرة أخرى إلى صفقات خارجية مربحة. ولا يمكن لفساد بهذا الحجم أن يمر دونما محاسبة إلى أجل غير مسمى. فالجشع وحده قد يكون سببا في هلاك ترامب.

كل هذا يشير إلى نتيجة واحدة: بوصفه طاغية، ناهيكم بوصفه رئيسا، لا أمل في ترامب في واقع الأمر، ومع تزايد إخفاقاته وإحباطاته وأوهامه، ستزداد خطورة اضطرابه وزعزعته. وليس لترامب من عدو أكبر من ترامب نفسه. ويجب على من يسعون إلى إنقاذ الولايات المتحدة وأنفسهم - في الداخل والخارج - استخدام جميع الوسائل الديمقراطية لاحتوائه وردعه ونزع أنيابه وعزله، لكن في الوقت الراهن، فإن الأمل الأفضل والأكثر إشراقا هو أن ترامب الغارق في الغطرسة هو الذي سيدمر نفسه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق