ما بين المشهد والسطر ..
لطالما كانت الرواية، بوجود شخوصها المتنفسين بين أوراقها، والقاطنين وسط أحداثها، هم عنصر جذب للقارئ، حيث أن السطر المكتوب بتفاصيله، والحبكة المصاغة بعناية، هي سبيل القراء للولوج في عوالم الخيال، وتوقظ لديهم الرغبة في الإبحار بعيدا في فضاءات السرد بكل جمالياته.
إلا أن العمل الأدبي الذي تحول في ليلة وضحاها من عمل مكتوب على ورق، إلى مشهد سينمائي على الشاشات، والشخصيات من أسماء وأفراد قاطنون في الخيال، إلى أجساد تتحرك وتتنفس، لها صوت وتعابير جسدية تُرى، وتتفاعل مع غيرها، ومن عمل يملأ عالمك بالصمت والهدوء، لاشيء سوى همسك برفقته، إلى ضجيج سينمائي، تحضر فيه أصوات حركية وموسيقية، وأضواء شاشات.
في رحلة التحول من عمل كتابي ورقي، إلى نسخة رقمية مصورة، تلمع عدد من الأسئلة، هل تنصف السينما أو الدراما العمل الأدبي؟ وهل استطاعت الشاشات أن تترجم كل الأحساسيس المكتوبة؟
تاريخ العمل الأدبي الناجح مرئيا ..
تعود المحاولات الأولى لتجسيد الرواية إلى عمل سينمائي، كان في أوائل القرن العشرين، حيث تحولت الروايات الكلاسيكية مثل دراكولا، وفرانكستاين إلى السينما الصامتة، ورغم نجاحها إلا أنه لا يمكن أن يكون الأمر مدعاة للنجاح في كل مرة، إلا أن العمل السينمائي بات يستقي من نهر العمل الأدبي الروائي كثيرا، ولعلّ أبرز الأعمال التي نجحت عالميا هي سلسلة "هاري بوتر"، مشكلة قاعدة جماهيرية كبرى إلى اليوم للعمل السينمائي المتحول من رواية.
ولعلّ أحد الأعمال العالمية الناجحة كان "نساء صغيرات" الذي كان تحول النص الأدبي إلى عمل سينمائي بإخراج غريتا غيرويغ، وثم عمل كرتوني ناجح، ولم يفقد العمل الأدبي روحه ووهجه.
وعربيا حظيت بعض الأعمال الأدبية بجماهيرية عريضة ونجاحا باهرا مثل أعمال عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، وقد تم تحويلها إلى أفلام سينمائية، رغم أن البعض كان يوجه لها الانتقاد، ودار نقاش فيها بين مؤيد ومعارض.
وأقدم عدد من كبار الكتاب العرب على محاولة جسر الهوة بين عالم السينما والعالم الروائي، من خلال كتابة نصوص مخصصة للشاشة الصغيرة "الدراما"، والشاشة الكبيرة "السينما"، والمسرح، وأوجدوا خطا ومسارا واضحا للنجاح في الأعمال التي رسخت في الذاكرة، وبقيت أعمالهم كأسماء لها وقعها في عوالم السينما والأدب، فإلى جانب "نجيب محفوظ" في ثلاثيته الناجحة، قدم كتاب "رجال في الشمس" للكاتب غسان كنفاني، بفيلم من إخراج نبيل المالح، حاز على إعجاب الجماعير وجسد صورة واقعية لمعاناة الفلسطينيين في الشتات، ورواية عمارة يعقوبيان للكاتب علاء الأسواني، الذي رسم في روايته صورة حية للقاهرة، المدينة القاسية التي تُرغم سكانها على تقديم التنازلات والخضوع للمساومات، وتدور الأحداث داخل عمارة يعقوبيان الواقعة في قلب القاهرة، وحقق العمل السينمائي الذي أخرجه مروان حامد إلى فيلم في 2006، محققا نجاحا جماهيريا ضخما وفتح أبواب النقاش حول عدة جوانب تخص المجتمع المصري الحديث.
نجاح وفشل مرتبط بالكاتب أو الفريق ..
ولعلنا نؤكد على أن العمل الأدبي ليس بالضرورة أن يكون ناجحا إذا تحول لعمل مرئي، فهناك تباين واختلاف بين كل شكل وآخر، إذا أن لكل منهما لغته، وطريقته في العرض، والأسلوب الجاذب للجمهور، بما يتيح تفاعله معها، كما أن العمل الدرامي قابل للحذف والإضافة، وينقل للجمهور برؤية المخرج لا بجهد المؤلف، بينما العمل الأدبي فالكاتب هو المسؤول الأول والأخير في جذب جمهوره من عدمه، فما يكتبه يصوره بخياله، ويشكله بلغته متناسبا مع أذهان القراء الموجه لعم العمل، أما في الجانب المرئي فرؤية العمل تعتمد على السيناريست والمخرج وأداء الممثلين، ونجاح العمل من فشله تكون على عاتق فريق كامل.
وقد يكون فشل بعض الأعمال الأدبية المحولة لعمل مرئي تعود إلى عدم إمكانية تحويل بعض الروايات لمسلسلات أو أفلام، وهذا يدفع المخرج للبحث عن سيناريو جاهز، في حين تحتاج بعض الروايات لإعادة صياغة حتى تتحول إلى سيناريو وهذا يتطلب الكثير من الوقت والجهد.
الجمهور الحكم الأول..
ولكن وجب القول أن للجمهور القدرة على أن يكونوا حكاما، فمن يدخل السينما لمشاهدة فيلم مأخوذ عن نص أدبي وفي ذهنه الرواية أو القصة التي قرأها ويريد عقد مقارنة بين ما قرأ وما يعرض على الشاشة؛ فهنا هو يصدم بالكثير من التفاصيل، قد لا يجد الصورة المتخيلة التي تشكلت في ذهنه أثناء القراءة، إذ لابد من مشاهدة الفيلم كعمل فني لأن أي مقارنة غالباً ما ستكون لصالح النص الأدبي، خصوصا الرواية لأنه دائماً يقال إن المخرج فشل في تقديم الرواية كفيلم سينمائي نظراً إلى إصراره أن يبرز مواقف ثانوية في الرواية وتهميش مواقف وأحداث وشخصيات قد تكون أساسية في العمل الأدبي، لكن المعالجة الفنية للعمل الدرامي تتطلب التعديل والتغيير لتقديمه بهذا الشكل الفني وهنا فإن عقد المقارنة يعد ظلماً للعمل الفني.
ومن الأعمال الأدبية الناجحة "رواية ساق البامبو" للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، الفائزة بجائزة البوكر العربية عام 2013، والتي حولها الكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن إلى سيناريو درامي، ومثلت بأداء نجوم كبار من الخليج العربي، إلا أنها لم تلاقي النجاح والسيط الجماهيري المتوقع.
ورغم أن الأمثلة ليست عموما على كل الأعمال إلا أنه يمكن لكل شكل أن ينجح دون تحوله، فيما يكون أحيانا العمل المرئي مرآة للعمل الأدبي، وربما عنصرا للجذب لاسيما أن العمل المرئي أسرع في الوصول والمشاهدة، بينما يمكن النجاح كل منهما على حدة، والنجاح يحدث حين تلتقي النظرة الفنية العميقة بالإخراج الوعي مع وجود نص به بيئة خصبة تنبت عملا ناجحا.
0 تعليق