التعمين وقضايا أخرى

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثار البيان الذي أصدرته وزارة العمل قبل يومين الكثير من التساؤلات حول قدرات المؤسسات الصغيرة على تعمين الوظائف وهي مؤسسات ذات رؤوس أموال محدودة وأرباح بسيطة، واعتبر الكثيرون أن إجبار هذه المؤسسات على ذلك يعني في النهاية خروجها من السوق، وربما سنجد في المستقبل الشركات الكبرى التي دافعت عنها الوزارة في بيانها تقوم بفتح مغاسل الملابس ومحلات الحلاقة ومقاهي الكرك ونحوها من المحلات الصغيرة كما حدث قبل عدة سنوات عندما تم تعمين محلات بيع المواد الغذائية.

يبدو أن البيان يدافع بشكل واضح عن نحو 1000 منشأة كبيرة تحقق نسبة تعمين تبلغ 44 بالمائة، وتجاهل البيان أن رؤوس أموال هذه الشركات يتجاوز المليون ريال عماني وأنها تحصل على نحو 90 بالمائة من المناقصات الحكومية، في حين تحصل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة - وليس من بينها المحلات الصغيرة - على 10 بالمائة فقط بحسب التشريعات المنظمة للمناقصات والمشروعات الحكومية.

وحتى نقف على الحقائق علينا أن نقرأ واقع الباحثين عن عمل من خلال الإحصائيات التي ينشرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وبحسب النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة في أبريل الماضي تشير الإحصائيات إلى أن معظم العاملين الوافدين يعملون في وظائف لا يمكن تعمينها لأسباب عديدة سنشير إليها لاحقا وهي مهنة التشييد التي يعمل فيها حتى مارس الماضي 438 ألف وافد، كما يعمل 283 ألف وافد في أنشطة الأسر المعيشية التي تستخدم أفرادا وأنشطة الأسر المعيشية التي تعمل في إنتاج سلع وخدمات غير مميزة لاستعمالها الخاص، بالإضافة إلى وجود 273 ألف وافد يعملون في تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات وإجمالي هذه الأعداد يصل إلى حوالي 995 ألف عامل يضاف إليهم آلاف الوظائف الأخرى في أنشطة من الصعب تعمينها لأسباب اقتصادية واجتماعية ومهنية مثل أنشطة الصرف الصحي وإدارة النفايات ومعالجتها وإمدادات المياه ونحوها من الأنشطة الأخرى.

في المقابل تشير البيانات الإحصائية إلى أن نسبة الباحثين عن عمل تتركز في المستويات التعليمية المرتفعة في حين أن الوافدين الذين أشرنا إليهم لا تتطلب الأعمال التي يزاولونها شهادة البكالوريوس أو دبلوم التعليم العالي، فهل يمكننا أن نتصور أن من يحصل على شهادة تعليم مرتفعة عليه أن يعمل بأجر في المحلات الصغيرة التي أشرنا إليها سابقا وهي وظائف كما قال معالي رئيس جهاز الاستثمار العماني «لا نرضاها للعمانيين مع وجود النفط والغاز والمقدرات المالية».

إذا عدنا إلى الإحصائيات سنجد أن نسبة الباحثين عن عمل من حملة دبلوم التعليم العالي حتى مارس الماضي تبلغ 15.6 بالمائة للإناث و2.1 بالمائة للذكور، فيما تبلغ نسبة الباحثين عن عمل من حملة البكالوريوس 1.1 بالمائة للذكور و13.7 بالمائة للإناث، وفي دبلوم التعليم العام وما يعادله تبلغ نسبة الباحثين عن عمل 3.6 بالمائة للذكور و13.9 بالمائة للإناث.

صحيح أن هذه البيانات لا تذكر الأعداد الحقيقية للباحثين عن عمل وإنما تكتفي بذكر النسبة ولكننا نجدها مؤشرا واضحا على أمرين رئيسيين الأول هو أن معظم الباحثين عن عمل هم من الإناث والثاني هو أن معظم الباحثين عن عمل من حملة الشهادات المرتفعة ويفترض أن رواتبهم لا تقل عن 500 ريال عماني فهل تتناسب الأعمال التي سيقدمونها مع هذا الراتب المرتفع؟ ثم لو افترضنا أنهم قبلوا بهذه الأعمال ألن ينعكس ذلك على تكاليف المعيشة؟ ثم ما هو الطموح الذي نربي عليه أبناءنا؛ إن كانوا سيعملون في وظائف لا تتطلب أي نوع من التعليم سوى مهارات بسيطة يتعلمونها بمرور الزمن؟.

التعمين هو هدف سامٍ والمجتمع يطالب به ولكن علينا أن ننظر إلى التعمين النوعي وليس الكمي. ما نحتاج إليه هو استقطاب الشركات الكبرى لافتتاح فروع لها، فهذه الشركات برؤوس أموالها الضخمة تستطيع توظيف آلاف الشباب العماني، أما أنشطة المؤسسات الصغيرة التي يبلغ رأسمالها 5 آلاف ريال عماني أو أكثر قليلا فلا يمكنها تحقيق التعمين. هذه المؤسسات تُسهم في الاقتصاد من خلال تحريك الأنشطة التجارية الأخرى مثل العقارات والمطاعم ومحلات البيع بالتجزئة وغيرها من الأنشطة التي تستفيد من نمو الحركة الاقتصادية كما أنها تُسهم في الحد من ارتفاع نسبة التضخم من خلال التكاليف المعتدلة للخدمات التي تقدمها.

إن انسجام السياسات بين مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة أمر ضروري لتحقيق طموحات مجتمعنا ومواكبة تطلعات أبنائنا، وفي نظرنا فإن استقطاب الاستثمارات إلى سلطنة عُمان وتوفير البيئة المشجعة لنموها واستقرار بيئة العمل والتشريعات وعدم تغييرها بين ليلة وضحاها بالإضافة إلى التسهيلات والمزايا والحوافز هو ما ينبغي أن نشتغل عليه لتوفير فرص العمل للشباب العُماني. نريد وظائف تستوعب آلاف الاختصاصيين من الشباب العماني وترفع من طموحات أبنائنا على مقاعد الدراسة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق