loading ad...
جوناثان كوك* - (مدونة جوناثان كوك) 1/5/2025
دور وسائل الإعلام هو إرباكنا وتضليلنا بحيث لا نصدق ما نستطيع أن نراه بأعيننا: أن هناك إبادة جماعية مستمرة، وأن قادتنا يساعدونها بنشاط.اضافة اعلان
* * *
من الممكن تمامًا تفكيك أي تقرير في صحيفة "الغارديان" عن غزة -كما فعلَت مع قصة منشورة في عدد اليوم- والتعرف إلى نفس أنواع الممارسات الصحفية الخاطئة.
وبالإضافة إلى ذلك، كان بإمكاني أخذ أي فقرة في المقالة وتحليلها بنفس الطريقة التي أفعل بها أدناه. ولكن من أجل الإيجاز، اخترت أربع فقرات (كل منها بين أقواس نص)، توضح الحالة السيئة للتغطية عن غزة التي تقدمها الصحيفة البريطانية الأكثر جدّية وليبرالية.
لاحظوا أن هذه التحريفات متضمنة في قصة تنتقد إسرائيل ظاهريًا. يتهم تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة إسرائيل بممارسة الإيذاء الجسدي والتعذيب ضد موظفيها، بمن فيهم معلمون وأطباء واختصاصيون اجتماعيون، واستخدام آخرين كدروع بشرية.
تعمل اللغة والإطار اللذان تستخدمهما صحيفة "الغارديان" أدناه على تخفيف تأثير تقرير الأمم المتحدة، وبالتالي إعطاء سلوك إسرائيل شرعية أكثر بكثير مما يستحق.
لاحظوا الفقرة التالية:
"قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يوم الثلاثاء إن إسرائيل أفرجت عن مسعف كان محتجزًا منذ هجوم مميت ومثير للجدل إلى حد كبير شنه القوات الإسرائيلية على سيارات إسعاف في جنوب غزة في 23 آذار (مارس)".
"مثير للجدل إلى حد كبير" هو الطريقة الجبانة التي استخدمتها صحيفة "الغارديان" للإشارة إلى عمل فظيع لا جدال فيه. فقد قتلت إسرائيل 15 مسعفًا وأفراد طاقم الإطفاء بإطلاق وابل من الرصاص لمدة ثلاث دقائق ونصف على سيارات الطوارئ التي تحمل علامات واضحة. ثم قامت إسرائيل بعد ذلك بسحق المركبات ودفنها مع جثث أفراد الطاقم لإخفاء الأدلة.
في أي عالم يكون هذا "مثيرًا للجدل" فقط؟
"الجدل" ينطوي على وجود جانبين لقضية ما. إنه يوحي بوجود مجال للشك. ولكن، لا يوجد جدل أو شك حول ما حدث -باستثناء النقاش الذي تديمه وسائل الإعلام الغربية. ولو فعلت روسيا الشيء نفسه مع مسعفين أوكرانيين، لكانت صحيفة "الغارديان" قد وصفته بما هو عليه: جريمة حرب.
إن جرائم الحرب ليست "مثيرة للجدل". إنها جرائم حرب.
وكتبت الصحيفة:
"وكانت إسرائيل قد حظرت جميع أشكال التعاون مع أنشطة (الأونروا) في غزة والضفة الغربية المحتلة في وقت سابق من هذا العام، وتدعي أن ’حماس‘ اخترقت الوكالة [التابعة للأمم المتحدة]، وهو ادعاء تم الاعتراض عليه بشدة".
مرة أخرى، "تم الاعتراض عليه بشدة" هي طريقة "الغارديان" المراوغة في إعطاء مصداقية لكذبة إسرائيلية واضحة. كان أمام إسرائيل الكثير من الشهور لتقديم حتى أصغر دليل لدعم ادعائها بأن "حماس" تسللت إلى "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" -لكنها فشلت بشكل واضح في فعل ذلك.
إن وصف الافتراء بأنه "ادعاء" والادعاء بأنه "تم رفضه بشده" يوحي بأن هناك جهة ثالثة غير إسرائيل تأخذ هذا الافتراء على محمل الجد. وهو ما لا يحدث. هذا هو السبب في أنه افتراء.
لاحظوا العبارة التالية أيضًا. كتبت الصحيفة:
"وتتهم جماعات حقوقية إسرائيل باستخدام ’تكتيك تجويع‘ يعرّض جميع السكان للخطر، مما قد يجعله جريمة حرب".
إنها ليست مجرد "مجموعة حقوقية"، وليس مجرد "اتهام". لدى "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية -وإحدى هذه الجرائم هي تجويع سكان غزة. وقد اشتدت سياسة التجويع الإسرائيلية بالفعل منذ أن انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار الشهر الماضي -حتى أن القادة الإسرائيليين يعترفون بفخر بأنهم يجوعون السكان. فكيف يكون هذا مجرد "اتهام"؟
إن تجويع السكان ليس مجرد جريمة حرب "محتملة". إنها جريمة حرب. وهي مثال رئيسي في القانون الدولي على "العقاب الجماعي" -معاقبة المدنيين بشكل جماعي على أفعال قادتهم. وفي هذه الحالة، فإن "العقاب" هو تجويعهم حتى الموت -أخطر أنواع العقاب الجماعي وأخطر أنواع جرائم الحرب.
وكتبت الصحيفة أيضًا:
"تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمواصلة الهجوم إلى أن تتم إعادة جميع الرهائن وتدمير ’حماس‘ أو موافقتها على نزع سلاحها ومغادرة المنطقة".
عادة ما يستخدم الصحفيون كلمة "تعهد" للإشارة إلى وجهة نظر إيجابية للإجراء المقترح. والكلمة الأكثر حيادية هنا هي "هدد". حتى "محكمة العدل الدولية" المحافظة تشتبه في أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. فكيف يبدو "تعهد نتنياهو بمواصلة الإبادة الجماعية إلى أن تتم إعادة جميع الرهائن"؟ غريب؟ فاحش؟ إذن، أنتم تفهمون هذه النقطة.
بالإضافة إلى ذلك، لماذا لا تتحدث صحيفة "الغارديان" إلا عن أكثر مزاعم نتنياهو خدمة للذات حول أهداف جرائم الحرب الإسرائيلية (بينما تمنح إسرائيل ميزة الشك حول ما إذا كانت هذه الأعمال جرائم حرب)؟ هناك مجموعة كاملة من الأسباب الأخرى الأكثر منطقية بكثير لقيام إسرائيل بتدمير جميع البنية التحتية في غزة، بما في ذلك مستشفياتها، وقتل وتشويه 100.000 فلسطيني، من "استعادة الرهائن" أو "نزع سلاح حماس".
وهي تشمل هدفًا أعلن عنه نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين: أنهم يرغبون في "تشجيع" الفلسطينيين على مغادرة وطنهم. ويبدو أن الموت والدمار الوحشي الذي تنشره إسرائيل هو ما يعنونه جميعا بـ"التشجيع".
إن التقطير المستمر للغة المنحرفة والتقارير المشوهة والتأطير المتحيز التي تمارسها وسائل الإعلام الغربية له غرض. والغرض منه هو تآكل إحساس القارئ بالصواب والخطأ، والحقيقة والخيال، والضحية والظالم. وهو موجود هناك لإرباكنا، بحيث يجعلنا أكثر انفتاحًا على عدم تصديق ما يمكننا أن نراه بأعيننا: أن هناك إبادة جماعية تحدث، وأن قادتنا يساعدونها بنشاط.
*جوناثان كوك Jonathan Cook: صحفي بريطاني حائز على جوائز. أقام في مدينة الناصرة لمدة 20 عامًا. عاد إلى المملكة المتحدة في العام 2021. وهو مؤلف لثلاثة كتب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: "الدم والدين: كشف القناع عن الدولة اليهودية" Blood and Religion: The Unmasking of the Jewish State، (2006)؛ "إسرائيل وصراع الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط" (2008) Israel and the Clash of Civilisations: Iraq, Iran and the Plan to Remake the Middle East؛ و"فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في البؤس البشري" (2008) Disappearing Palestine: Israel’s Experiments in Human Despair.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The drip-drip of slanted Gaza reporting erodes our sense of right and wrong
دور وسائل الإعلام هو إرباكنا وتضليلنا بحيث لا نصدق ما نستطيع أن نراه بأعيننا: أن هناك إبادة جماعية مستمرة، وأن قادتنا يساعدونها بنشاط.اضافة اعلان
* * *
من الممكن تمامًا تفكيك أي تقرير في صحيفة "الغارديان" عن غزة -كما فعلَت مع قصة منشورة في عدد اليوم- والتعرف إلى نفس أنواع الممارسات الصحفية الخاطئة.
وبالإضافة إلى ذلك، كان بإمكاني أخذ أي فقرة في المقالة وتحليلها بنفس الطريقة التي أفعل بها أدناه. ولكن من أجل الإيجاز، اخترت أربع فقرات (كل منها بين أقواس نص)، توضح الحالة السيئة للتغطية عن غزة التي تقدمها الصحيفة البريطانية الأكثر جدّية وليبرالية.
لاحظوا أن هذه التحريفات متضمنة في قصة تنتقد إسرائيل ظاهريًا. يتهم تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة إسرائيل بممارسة الإيذاء الجسدي والتعذيب ضد موظفيها، بمن فيهم معلمون وأطباء واختصاصيون اجتماعيون، واستخدام آخرين كدروع بشرية.
تعمل اللغة والإطار اللذان تستخدمهما صحيفة "الغارديان" أدناه على تخفيف تأثير تقرير الأمم المتحدة، وبالتالي إعطاء سلوك إسرائيل شرعية أكثر بكثير مما يستحق.
لاحظوا الفقرة التالية:
"قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني يوم الثلاثاء إن إسرائيل أفرجت عن مسعف كان محتجزًا منذ هجوم مميت ومثير للجدل إلى حد كبير شنه القوات الإسرائيلية على سيارات إسعاف في جنوب غزة في 23 آذار (مارس)".
"مثير للجدل إلى حد كبير" هو الطريقة الجبانة التي استخدمتها صحيفة "الغارديان" للإشارة إلى عمل فظيع لا جدال فيه. فقد قتلت إسرائيل 15 مسعفًا وأفراد طاقم الإطفاء بإطلاق وابل من الرصاص لمدة ثلاث دقائق ونصف على سيارات الطوارئ التي تحمل علامات واضحة. ثم قامت إسرائيل بعد ذلك بسحق المركبات ودفنها مع جثث أفراد الطاقم لإخفاء الأدلة.
في أي عالم يكون هذا "مثيرًا للجدل" فقط؟
"الجدل" ينطوي على وجود جانبين لقضية ما. إنه يوحي بوجود مجال للشك. ولكن، لا يوجد جدل أو شك حول ما حدث -باستثناء النقاش الذي تديمه وسائل الإعلام الغربية. ولو فعلت روسيا الشيء نفسه مع مسعفين أوكرانيين، لكانت صحيفة "الغارديان" قد وصفته بما هو عليه: جريمة حرب.
إن جرائم الحرب ليست "مثيرة للجدل". إنها جرائم حرب.
وكتبت الصحيفة:
"وكانت إسرائيل قد حظرت جميع أشكال التعاون مع أنشطة (الأونروا) في غزة والضفة الغربية المحتلة في وقت سابق من هذا العام، وتدعي أن ’حماس‘ اخترقت الوكالة [التابعة للأمم المتحدة]، وهو ادعاء تم الاعتراض عليه بشدة".
مرة أخرى، "تم الاعتراض عليه بشدة" هي طريقة "الغارديان" المراوغة في إعطاء مصداقية لكذبة إسرائيلية واضحة. كان أمام إسرائيل الكثير من الشهور لتقديم حتى أصغر دليل لدعم ادعائها بأن "حماس" تسللت إلى "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" -لكنها فشلت بشكل واضح في فعل ذلك.
إن وصف الافتراء بأنه "ادعاء" والادعاء بأنه "تم رفضه بشده" يوحي بأن هناك جهة ثالثة غير إسرائيل تأخذ هذا الافتراء على محمل الجد. وهو ما لا يحدث. هذا هو السبب في أنه افتراء.
لاحظوا العبارة التالية أيضًا. كتبت الصحيفة:
"وتتهم جماعات حقوقية إسرائيل باستخدام ’تكتيك تجويع‘ يعرّض جميع السكان للخطر، مما قد يجعله جريمة حرب".
إنها ليست مجرد "مجموعة حقوقية"، وليس مجرد "اتهام". لدى "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية -وإحدى هذه الجرائم هي تجويع سكان غزة. وقد اشتدت سياسة التجويع الإسرائيلية بالفعل منذ أن انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار الشهر الماضي -حتى أن القادة الإسرائيليين يعترفون بفخر بأنهم يجوعون السكان. فكيف يكون هذا مجرد "اتهام"؟
إن تجويع السكان ليس مجرد جريمة حرب "محتملة". إنها جريمة حرب. وهي مثال رئيسي في القانون الدولي على "العقاب الجماعي" -معاقبة المدنيين بشكل جماعي على أفعال قادتهم. وفي هذه الحالة، فإن "العقاب" هو تجويعهم حتى الموت -أخطر أنواع العقاب الجماعي وأخطر أنواع جرائم الحرب.
وكتبت الصحيفة أيضًا:
"تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمواصلة الهجوم إلى أن تتم إعادة جميع الرهائن وتدمير ’حماس‘ أو موافقتها على نزع سلاحها ومغادرة المنطقة".
عادة ما يستخدم الصحفيون كلمة "تعهد" للإشارة إلى وجهة نظر إيجابية للإجراء المقترح. والكلمة الأكثر حيادية هنا هي "هدد". حتى "محكمة العدل الدولية" المحافظة تشتبه في أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. فكيف يبدو "تعهد نتنياهو بمواصلة الإبادة الجماعية إلى أن تتم إعادة جميع الرهائن"؟ غريب؟ فاحش؟ إذن، أنتم تفهمون هذه النقطة.
بالإضافة إلى ذلك، لماذا لا تتحدث صحيفة "الغارديان" إلا عن أكثر مزاعم نتنياهو خدمة للذات حول أهداف جرائم الحرب الإسرائيلية (بينما تمنح إسرائيل ميزة الشك حول ما إذا كانت هذه الأعمال جرائم حرب)؟ هناك مجموعة كاملة من الأسباب الأخرى الأكثر منطقية بكثير لقيام إسرائيل بتدمير جميع البنية التحتية في غزة، بما في ذلك مستشفياتها، وقتل وتشويه 100.000 فلسطيني، من "استعادة الرهائن" أو "نزع سلاح حماس".
وهي تشمل هدفًا أعلن عنه نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين: أنهم يرغبون في "تشجيع" الفلسطينيين على مغادرة وطنهم. ويبدو أن الموت والدمار الوحشي الذي تنشره إسرائيل هو ما يعنونه جميعا بـ"التشجيع".
إن التقطير المستمر للغة المنحرفة والتقارير المشوهة والتأطير المتحيز التي تمارسها وسائل الإعلام الغربية له غرض. والغرض منه هو تآكل إحساس القارئ بالصواب والخطأ، والحقيقة والخيال، والضحية والظالم. وهو موجود هناك لإرباكنا، بحيث يجعلنا أكثر انفتاحًا على عدم تصديق ما يمكننا أن نراه بأعيننا: أن هناك إبادة جماعية تحدث، وأن قادتنا يساعدونها بنشاط.
*جوناثان كوك Jonathan Cook: صحفي بريطاني حائز على جوائز. أقام في مدينة الناصرة لمدة 20 عامًا. عاد إلى المملكة المتحدة في العام 2021. وهو مؤلف لثلاثة كتب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: "الدم والدين: كشف القناع عن الدولة اليهودية" Blood and Religion: The Unmasking of the Jewish State، (2006)؛ "إسرائيل وصراع الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط" (2008) Israel and the Clash of Civilisations: Iraq, Iran and the Plan to Remake the Middle East؛ و"فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في البؤس البشري" (2008) Disappearing Palestine: Israel’s Experiments in Human Despair.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The drip-drip of slanted Gaza reporting erodes our sense of right and wrong
0 تعليق