بوح شعري يستعرضه الرحبي في كتابه "رعود هائمة في الفجاج"

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان - في كتابه الجديد "رعود هائمة في الفجاج"، يجسد الشاعر سيف الرحبي بوحا شعريا وسيرا ذاتيا يتنقل بين مساحات واسعة من الشعر والسرد وأدب الرحلة. يحمل الكتاب بين دفتيه ثمانية محاور تمزج بين الحكمة والتجربة الشخصية، إذ يعكس مسارا يتأرجح بين اللحظات الحاسمة في حياة الرحبي وبين الأشخاص الذين أثروا فيه وأثر فيهم. من خلال نصوصه، ينقلنا إلى مناطق بعيدة سواء كانت من خلال مشاهد رعدية وصفها في أول النصوص، أو من خلال تأملات فلسفية في السيرة الذاتية عن الكتابة والإلهام.اضافة اعلان
يشتهر الرحبي بتأملاته العميقة حول الإنسان والوجود، يواصل في هذا الكتاب بناء عوالمه الخاصة التي تمزج بين الذاتي والجماعي، وبين الفلسفة والتاريخ. يتنقل بين الذاكرة والمكان، من بيروت إلى باريس، ويستحضر شخصيات وأماكن تركت بصماتها في روحه. الكتاب، الذي صممت غلافه الفنانة العُمانية بدور الريامي، يعد إضافة قيمة للمكتبة الأدبية العربية، حيث يعكس رؤية الشاعر ورحلته عبر الكلمات، ليكون بمثابة نافذة تطل على العالم بعيون فنية وإنسانية.
قام بتصميم غلاف الكتاب الذي صدر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، الفنانة العُمانية بدور الريامي. وجاء النص الأول للكتاب بعنوان "في ضوء صباح غائم"، افتتحه الرحبي بوصف لمشهد رعدي، قائلا: "الرعد كان يبدأ من أعالي الوادي المسور بالجبال، يهمهم ويسري في عروق السماء والغيوم المنذِرة بالمطر، كما في عروق البشر وأوصالهم (الأطفال خاصة)، الرعود الهائمة ببروقها التي تضيء الأزل كما تضيء القوافل العابرة في الوادي، والقطارات في محطات المدن البعيدة".
"رعود الآلهة والبشر"، هو نص قصير يتألف من مقطعين فقط. في المقطع الثاني، يختصر حكمة الحياة، قائلا: "وسط قيامة الموت والسلاح، يزرع (عزيز أبو شيخة) فسيلة زيتون أو كمثرى. بصمت جنائزي يزرعها، لكن لسان حاله وحال الجموع المكلومة يُلجِم الفضاء بالصراخ والعويل في وجه العدوان والعالم: هذه هي حياتنا، صبرنا الذي سينمو ويزهر غدا، وبعد غد التاريخ المضرج والمصير".
وفي نص بعنوان "إلى شاعر"، يصور الرحبي تلك اللحظة الأشبه بالوحي، وهي لحظة الإلهام التي تمثل للمبدع وكأنها قوى جاذبية علوية، تشد الشاعر أو الكاتب بالكلية، متمخضة عن نص يولد كجنين مكتمل لحظة البزوغ.
يقول الرحبي: "في الأوقات المظلمة التي كان يرفس في أتونها، هبط فجأة عليه الإلهام، ينبوع ماء في صحراء العطش والدم.. ظل مستسلما لنهر الهذيان الجارف مغمض العينين بالكاد يبصر الورقة البيضاء، يكتب بحنان وعصبية كأنما يثأر بحفره في جسد عالم كاد أن يطوح به في مقبرة الجفاف والموت. ظل على هذا النحو من اندفاع المطر السديمي حتى سقط على أرضية الغرفة المفعمة بالفوضى، مترحلا في وديان النوم إلى حيوات وأحلام أخرى".
لم يترك الرحبي مفردة من مفردات حياته اليومية إلا وجعل لها نصيبا مما كتب، حتى تلك الموجة التي قرر أن يخلدها في كتابه، حين خاطبها قائلا: "مباركة أيتها الموجة القادمة من ضفاف البحر العماني، مبارك وصولك بعد أن اجتزتِ الهوام والارتطامات إلى بحر العندمان الهائج هذا الصباح حيث أجلس محدقا في الزبد والأعالي. مباركة أيتها الموجة العمانية في حلك وترحالك، لأنك الوحيدة على هذا النقاء العادل المغامر حين يتحول البشر إلى جيفة ومسوخ".
ويقتطف سيف الرحبي من كل بستان زهرة، ومن كل لقاء موقفا، فقد تحدث عن عدد من الشخصيات التي التقاها في سفراته، صولاته وجولاته، حتى إنه لم يترك شاعرا ولا أديبا ولا فنانا إلا وأفرد له عددا من سطور هذا الكتاب. فها هو في تلك الصحبة من النصوص التي اختار لها عنوان "مقاطع باريس"، تارة يتحدث عن شارع الشانزلزيه، بما له من أناقة ولمعان وطابع مميز، والذي يشوه جماله ذلك الـ"كلوشار"؛ أو المشرد الأشبه بجثة محنطة على رصيف الشانزلزيه!
هنا يعرج الرحبي على عدد من شخصيات الأدباء الفرنسيين البارزين في تلك المقاطع الأدبية السردية، التي تحمل بين حروفها روح الشعر، سواء حين تحدث عن بودلير أو باسكال. ثم يستطرد واصفا أجواء رحلته الباريسية: "أقيم بهذه الرحلة الباريسية وسط المناطق المأهولة بالمؤسسات الأكاديمية الأكثر عراقة في التاريخ الحديث، ولا أكاد أرى أي مظهر لاحتجاج ضد الإبادة أو تعاطف رمزي كالكوفية الفلسطينية مع الضحايا".
اختار الرحبي أن يعنونه "وجوه ومشاهد وتغريدات"، فهو يتحدث فيه عن عدد من الشعراء والمبدعين من ربوع الوطن العربي، ومنهم: الشاعر والروائي الإماراتي ثاني السويدي، والشيخ العارف بالله حمود الصوافي، والشيخ أحمد بن سعود السيابي، والنساخ والراوية محمد بن حسن الرمضاني، والشاعر فتحي عبدالله، والشاعر مبارك العامري، والشاعر حسان عزت، والفنانة فاطمة لوتاه، والشاعر عقل العويط، وغيرهم.
ويختار الرحبي أجزاء من نصوص لهؤلاء، أو مواقف جمعته بهم في رحلته، يحكي عنها كعلامات فارقة على طريقه وبين أسفاره.
وفي ذلك النص الذي اختار له عنوان "سيوران في الزمن العربي الراهن"، يتحدث فيه عن كتاب إيميل سيوران "غسق الأفكار"، ويختتم الرحبي ذلك النص ساخرا، فيقول: "هل أسألك عن الطقس في باريس؟ أعتقد أن موجات البرد القارس انخفضت باتجاه طقس معتدل حتى يصل إلى ربيع يختال مورقا ضاحكا حيث أحلم بالقدوم وتصفية الحساب مع الحر والجفاف بعيدا أيضا عن الصقيع".
ولخص الرحبي كتابه بنص شعري بعنوان "بيروت"، ربما يمزج فيه الحنين بالوجع بالحب بالبكاء، وربما يبحث عن ذاته التي يفتقدها؛ يبحث عنها هناك على شاطئ بيروت، فهلا يجدها!، قائلا "أمام بحركِ يا بيروت، إزاء أفق المتوسط، والجبال المحيطة ترسل غيومها وأشجارها هدايا لعيد ميلادٍ قادم. ثمة امرأة جميلة تتنزه بحزن على الشاطئ، صياد يصلي أمام بحرك يا بيروت، الذي اكتنز القرون؛ الحروب والحضارات. بكيتُ، أنا الذي لم تحفر خدّي دمعة شريدة منذ سنين، لكني بكيت اللحظة، ولمستُ الموج المالح ينساب على الرصيف".
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق