في اللحظة التي بدأ فيها السوريون يتلمّسون ملامح الغد بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة الرئيس الشرع، سرعان ما تبيّن أن الطريق إلى الاستقرار ليس معبّداً بالنوايا وحدها، بل محفوف بتحديات معقدة تهدّد بتقويض حلم الدولة الوليدة. فعلى الرغم من التغيير السياسي المرتقب، فإن الواقع الاقتصادي يبقى كابوساً يثقل كاهل السوريين، إذ لا تزال الحكومة الانتقالية عاجزة عن تلبية أبسط احتياجات الناس بفعل العقوبات الأمريكية المفروضة، التي لم تفلح محاولات الشرع المتكررة لفتح قنوات حوار مع واشنطن في تخفيف وطأتها. ولعل تعنّت البيت الأبيض في شروطه يعكس عدم يقينه من جدية التحول السياسي في دمشق أو يخفي رهانات أكبر على انفجار الداخل السوري مجدّداً. لكن الاقتصاد ليس وحده ما يُضعف السلطة الجديدة؛ فالملف الكردي يترنح على وقع خلافات جوهرية ظهرت في الاجتماع الأخير للقوى الكردية، الذي حمل رائحة انقلاب ناعم على الاتفاق مع «قسد»، لا سيما ما يتعلق بمسألة اللامركزية. وما يزيد الشكوك خطورة هو ما يُرصد من تحركات عسكرية وحفر خنادق في مناطقهم، ما يشي بإعادة ترتيب أوراق القوة على الأرض، وكأن الجميع يتحضّر لجولة صراع جديدة. أما الانفجار الأمني في السويداء وأطراف دمشق، على خلفية التسجيل المنسوب زوراً لرجل دين درزي، فليس سوى رأس جبل الجليد في مشهد شديد التعقيد، إذ ترافقت هذه الأحداث مع موقف صارم من الشيخ حكمت الهجري، الذي رفض شرعية الحكومة الجديدة، وأعلن رفضه المطلق لأي سلطة أمنية تفرض نفسها على السويداء. هذا الرفض، وإن اتخذ طابعاً طائفياً، إلا أنه يعكس هشاشة الإجماع الوطني في لحظة يفترض أنها تأسيسية. غير أن الأخطر مما سبق، هو ظهور مجموعات وفصائل متشدّدة تتبنى خطاباً راديكالياً خارج سلطة الدولة، تهاجم الأحياء وتتصادم مع القوى الأمنية، كما حدث في جرمانا. هذه الجماعات، التي تنشط بدعوية متطرفة في مناطق المسيحيين، وتهاجم أماكن الترفيه، وتراقب الحياة الشخصية للناس، باتت تمثّل تهديداً وجودياً للنسيج الاجتماعي وللسلطة الناشئة. فهي لا تعترف بشرعية الشرع، ولا بخطابه التصالحي، بل تمثّل نقيضه وخصمه الأخطر. غير أن الخطورة الأكبر تكمن في العلاقة الملتبسة بين هذه الجماعات المتطرفة والإدارة الجديدة، إذ تشير تقارير إلى تسلل بعض عناصرها إلى جهاز الأمن العام، وهم ذاتهم الذين تلطخت أيديهم بالدماء خلال المواجهات في منطقة الساحل، حيث كانوا يعبّرون عن أنفسهم بطريقة وحشية وطائفية. من هنا، فإن المعركة ضد هؤلاء لا ينبغي أن تكون مؤجلة، فهي الامتحان الحقيقي للرئيس الشرع، وكل تأخير في مواجهتهم سيكلف سوريا المزيد من الدم والتشرذم، بل وقد يفتح الأبواب مجدّداً لتدخلات خارجية تبحث عن ثغرة. السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس «هل ستواجه الحكومة الجديدة هذا الخطر؟» بل «متى ستفعل ذلك؟» وكلما كان الجواب أقرب، كان الأمل أكبر.
أخبار ذات صلة
0 تعليق