زهراء حبيب | تصوير: حوراء السيد
- عندما أتصفح الأعداد وكأنني أسمع أصوات الناس وأشم رائحة ذلك الزمن
- أول عدد حصلت عليه كان هدية من أحد كبار السن وبعدها بدأت الرحلة
- الصحيفة توثق الحياة بالبحرين وهي مرآة لفكر وروح البحرينيين آنذاك
عشق الهاوي لجمع "الأنتيك" ياسر عبدالله كل شي قديم يعود للماضي الجميل في البحرين، لكن مع مرور الوقت، "اكتشفت أن أكثر ما يثير اهتمامه وشغفه هي الصحف القديمة، خصوصاً الصحف البحرينية التي تحمل في طياتها تاريخ وطن، وأصوات ناس، ومواقف لا تُنسى". بهذه الكلمات يبدأ ياسر عبدالله، هاوي جمع الأنتيك والصحف القديمة، حديثه عن شغفه الكبير بجمع أعداد جريدة "البحرين"، أول جريدة صدرت في مملكة البحرين والخليج العربي، والتي أسسها الأديب الرائد عبدالله الزايد عام 1939، منوهاً بأنه يملك 200 عدد من أول صحيفة صدرت في البحرين.
وكانت الصحيفة تصدر أسبوعياً، وكانت بمثابة نافذة البحرين إلى العالم، خاصة إبان الحرب العالمية الثانية، ومصدر المعلومات الوحيد للمواطنين، ومصدراً رئيسياً لأخبار الخليج والبلاد العربية، لذلك لم تكن مجرد وسيلة إعلامية، بل كانت منبراً ثقافياً وأدبياً أيضاً، شارك فيه كبار الكتّاب من البحرين وخارجها. وحتى اليوم، عندما أتصفح تلك الأعداد القديمة، أشعر وكأنني أعود إلى تلك الأيام، أسمع أصوات الناس، وأشم رائحة الحبر والزمن.
وقال ياسر إنه بدأ بجمع أعداد جريدة "البحرين" قبل أكثر من عشرين عاماً، وكان الهدف في البداية هو الاحتفاظ بنسخة واحدة منها، لكن الحكاية لم تقف عند ذلك الحد.
وأضاف أن " أول عدد حصلت عليه كان هدية من أحد كبار السن، وبعدها بدأت رحلة البحث الحقيقية، كنت أتردد على الأسواق القديمة، وأزور المكتبات، وأتواصل مع أشخاص في البحرين وخارجها، خصوصاً في الكويت، لأن صحيفة البحرين كانت تغطي أخبار الكويت، وتستضيف كتاباً كويتيين، لذلك هناك اهتمام من الجانب الكويتي بها، وأحياناً الصدف تلعب دوراً في حياة هواة الأنتيك"
وتابع: "اليوم، أملك أكثر من 200 عدد من جريدة البحرين، منها أعداد نادرة جداً، وأبرزها العدد الأول الذي صدر في 8 ديسمبر 1939، وأعداد ملونة خاصة، مثل العدد الذي صدر باللون الأخضر احتفالاً بزيارة الملك عبدالعزيز آل سعود إلى البحرين. وهذا العدد تحديداً أعتبره من أثمن ما أملك".
وتطرق إلى أنه نشأ في فريج الشيوخ بالمحرق المعروف بأنه مركز للثقافة والتاريخ، ومنبع للمثقفين والأدباء، وكل هذه الظروف ساهمت في صقل اهتمامي بالتاريخ والتعليم والثقافة. ويحتفظ ياسر بهذه الكنوز في خزانة خاصة داخل منزله، بعناية شديدة، ويحرص على حفظها في ظروف مناسبة للحفاظ على الورق من التلف. "اعتبر هذه الصحف وثائق مهمة وتاريخ، ليست للعرض أو التباهي، بل للحفظ والتوثيق، هي جزء من ذاكرتنا الجماعية كبحرينيين وخليجيين".
وعن أبرز الصعوبات التي واجهها، قال إن: "الصعوبة الكبرى كانت في العثور على الأعداد الكاملة أو السليمة، كثير من الناس يحتفظون بأعداد ممزقة أو ناقصة، جمعت بعضها من مزادات وأماكن مختلفة وبعضها تلقيتها كهدية لما يعرف عني بعشقي لهذه الصحيفة التاريخية، وبعضها اشتريته بأسعار تصل إلى 150 ديناراً للعدد الواحد"، منوهاً إلى أن بعض المقتنيات الثمنية والصحف النادرة تصل إلى 500 دينار وأحدها بلغ 7 آلاف دينار في أحد المزادات.
وأكد ياسر أن هذه المجموعة لا تقدر بثمن، ولا يفكر أبدًا في بيعها، رغم العروض التي تلقاها من جامعي مقتنيات من داخل البحرين وخارجها. وعن طريقة تأكده من صحة الأعداد التي يقتنيها، يقول "لدى مركز عيسى الثقافي مختصين ومعدات تكشف الأصلي من المزيف، مؤكداً بأنه يقتني النسخ الأصلية دون شك".
وانتهى عهد الجريدة مع عبدالله الزايد مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بسبب نقص الأوراق، لكن أعيد لها الحياة بعد 10 سنوات على يد 44 شخصاً من البحرينيين العاملين لديه وتلامذته، ومنهم راشد الجلاهمة، علي الزايد، سالم العبسي، وهو يحتفظ بهذه العدد من الجريدة. ويحلم ياسر أن يرى هذه الصحف محفوظة في مكان يليق بقيمتها. "أتمنى أن يتم تخصيص جناح خاص في مكتبة الشيخ عيسى بن سلمان لعرض هذه الأعداد النادرة. هذه الصحف توثق الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية في البحرين منذ الثلاثينيات، وهي مرآة لفكر وروح البحرينيين آنذاك."
واختتم حديثه قائلاً: "في يوم الصحافة البحرينية، أوجه تحية لكل من ساهم في تأسيس هذا الإرث العظيم، وعلى رأسهم عبدالله الزايد. وأدعو الجيل الجديد من الصحفيين والمهتمين بالتاريخ إلى الالتفات لمثل هذه الكنوز، لأنها تعلّمنا الكثير عن أنفسنا، وتُظهر كم نحن شعب محب للثقافة والوعي والحوار."
0 تعليق