loading ad...
بينما تتجه الأنظار إلى مهرجان كان السينمائي 2025؛ حيث يشارك الفيلم الفلسطيني "كان ياما كان في غزة" ضمن قسم "نظرة ما"، تبرز قصة موازية لا تقل أهمية، وهي الدور الأردني المحوري في إيصال هذا العمل إلى أحد أكبر المحافل السينمائية في العالم.
اضافة اعلان
الفيلم ليس فقط شهادة جديدة على إبداع الأخوين طرزان وعرب ناصر، بل هو أيضا نتيجة تعاون إنتاجي متكامل جمع بين فلسطين، الأردن، فرنسا، ألمانيا والبرتغال، في تجربة سينمائية متعددة الأبعاد.
في قلب هذا التعاون، يبرز اسم الممثل الأردني الشاب مجد عيد، الذي رُشح لجائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم، إلى جانب المنتج الأردني خالد حداد، الذي لعب دورا حاسما في تحقيق المشروع على أرض الواقع، بدعم من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام.
الفيلم الذي تم تصويره بالكامل في الأردن، وتحديدا في مخيم الوحدات، ليس فقط عملا روائيا فلسطينيا، بل قصة شراكة عربية حقيقية بين مواهب ومؤسسات، شكلت نموذجا ناجحا لما يمكن أن تقدمه السينما عندما تتضافر الإرادة والدعم.
"كان ياما كان في غزة" لا يأتي كمجرد محطة جديدة في مسيرة المخرجين، بل يعد استمرارا طبيعيا ومتصاعدا لمشروعهما السينمائي الذي يستكشف الواقع السياسي والاجتماعي في غزة من خلال عدسة خيالية وسردية جريئة.
بعد فيلمهما الأول "ديغراديه" الذي عرض في أسبوع النقاد العام 2015، يعود الأخوان ناصر إلى الساحة العالمية بفيلم أكثر طموحا من حيث البنية والحكاية، وبصحبة طاقم مميز يضم نادر عبد الحي، رمزي مقدسي، والممثل الأردني مجد عيد، الذي ينافس بدوره على جائزة أفضل ممثل في هذا القسم من المهرجان.
ويطرح الفيلم حكاية ثلاث شخصيات غزاوية -يحيى وأسامة وسامي- تجمعهم غريزة البقاء، وتفرقهم الخيارات والمواقف الأخلاقية، لكنهم جميعا يقعون ضحايا للكبرياء المشترك، وهذه الشخصيات الثلاث تسير على خطى الأبطال الكلاسيكيين في أفلام الويسترن الحديثة، حيث تتقاطع مصائرهم بطريقة مأساوية وعنيفة، تتخللها الصداقة، الانتقام والفكاهة السوداء، ضمن حبكة تهدف إلى تحفيز التفكير وطرح الأسئلة الوجودية حول ماهية الحكاية الفلسطينية ومعاني البقاء.
مجد عيد ينافس على جائزة أفضل ممثل
في سابقة تاريخية للسينما الأردنية، يرشح الممثل الأردني-الفلسطيني مجد عيد لجائزة أفضل ممثل ضمن قسم "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي 2025، عن دوره الرئيسي في الفيلم الفلسطيني "كان ياما كان في غزة" (Once Upon a Time in Gaza)، من إخراج الثنائي عرب وطرزان ناصر. هذا الترشيح لا يمثل فقط إنجازا فرديا لفنان شاب، بل يشكل لحظة مفصلية في مسار الحضور الأردني في أكبر المحافل السينمائية العالمية.
بالنسبة لمجد عيد، فإن المشاركة في فيلم فلسطيني يعرض في مهرجان كان لا تندرج فقط ضمن إطار فني أو احترافي، بل هي فعل وجود ومقاومة ثقافية.
يقول: "المشاركة في مهرجان عالمي، مثل كان، بفيلم فلسطيني بعنوان "كان ياما كان في غزة" هي إنجاز كبير ومصدر فخر شخصي ومهني. أن أكون جزءا من عمل فني يضع اسم فلسطين على الخريطة العالمية هو مسؤولية وفرصة لإيصال صوتنا. من خلال الفن، أستطيع أن أسهم ولو قليلا في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية في سياق مختلف".
في الفيلم، يلعب عيد دور "أسامة"، شاب في الثلاثين من عمره، كاريزمي ومشاكس، يعيش في غزة تحت الحصار، وهذا الدور يحمل طيفا من التناقضات بين البراءة والانحراف، وبين الرغبة في النجاة والاستسلام للواقع المرير.
يقول مجد عن الشخصية: "أسامة شخصية مركبة، فيها من العناد والإصرار والضعف أيضا، وهذا ما جذبني إليها. أحببت أنها تشبهني في كثير من التفاصيل، حتى أننا من البرج نفسه -الميزان- فكان تقمص الدور بالنسبة لي طبيعيا جدا".
ويضيف "أن النص كان مكتوبا بلغة سردية جميلة، فيها سحر الحكاية الشعبية والعبث السياسي، تماما كما يوحي العنوان كان ياما كان في غزة".
تمثيل الواقع بأدق تفاصيله
يصف مجد عيد العمل مع عرب وطرزان ناصر بـ"التحول المهني"؛ حيث يرى فيهما مخرجين يمتلكان حسا بصريا لا يشبه أحدا. "هما مخرجان لا يكتفيان بالحكاية، بل يصنعان عالما متكاملا من الضوء والظل والرمز"، مشيرا إلى أن البروفات استمرت نحو ثلاثة أشهر، كانت بمثابة ورشة عمل لصناعة الشخصيات من الجذور، قائلا "تحضيراتنا لم تكن مقتصرة على النص، بل شملت تمارين جسدية ونفسية، تمكنا من خلالها من تفكيك الشخصيات، وإعادة بنائها من الداخل. عرب وطرزان يشتغلان بدقة على كل حركة، كل تعبير، ويتركان لنا مساحة نعيش الشخصية بدل أن نمثلها فقط".
ولم تكن رحلة التحضير للدور سهلة، خصوصا أن عيد لم يسبق له العيش في غزة، ما تطلب منه مجهودا مضاعفا لفهم تفاصيل الحياة اليومية فيها.
يقول "اشتغلت كثيرا على إتقان اللهجة الغزاوية، وكنت على تواصل دائم مع شباب من غزة حتى أفهم النكتة، الغضب، اللغة الجسدية، وحتى طريقة المشي. شعرت أنني إذا لم أكن صادقا في كل لحظة على الشاشة، فسأفقد الجمهور الغزي أولا".
ومن أكثر المشاهد التي يتذكرها عيد مشهد الموت، الذي وصفه بأنه كان "عاطفيا كثيفا ومؤلما جدا، كان علي أن أصل لذروة إنسانية حقيقية حتى أتمكن من تجسيد تلك اللحظة. ما ساعدني هو أنني تخيلت أنني لست فقط أمثل، بل أعيش آخر لحظة في حياة شاب من غزة كان يريد أن يعيش فقط".
الفيلم صورت مشاهده في الأردن
"تم تصوير الفيلم في الأردن، وتحديدا في مخيم الوحدات؛ حيث استطاع فريق الإخراج تحويل بعض المواقع إلى نسخة مقاربة لأحياء غزة، والهيئة الملكية الأردنية للأفلام كانت شريكا أساسيا في إنجاح التصوير"، يوضح مجد، مضيفا "أن الدعم لم يقتصر على التصاريح، بل شمل التنسيق الأمني وتوفير معدات متقدمة، بدعم من المنتج الأردني خالد حداد".
ويرى أن اختيار هذه المواقع أعطى طاقة خاصة للأداء، قائلا "كنت أمشي في الشوارع وأشعر بأنني فعلا في غزة. الزوايا، الزحام، الألوان، كلها نقلتني إلى المكان.. وحتى الهواء، كان فيه شيء من ثقل الحصار".
ما بعد "كان".. هل بدأت الرحلة العالمية؟
يأمل عيد أن تفتح هذه المشاركة أبوابا لمشاريع جديدة في السينما العالمية، من دون أن يخسر هويته كفنان عربي، قائلا "أنا لا أطمح فقط للظهور في أفلام أجنبية، بل أريد أن أكون فنانا عربيا له بصمته في السينما العالمية، يحمل قضاياه، ويجسد شخصيات عميقة ومتعددة الأبعاد".
رغم أن الفيلم لم يعرض بعد ضمن مهرجان "كان"، إلا أن عيد يتحدث بشغف عن تجربته مع الفريق، واصفا إياها بأنها "تجربة نادرة"، امتدت على أربع سنوات من الإعداد حتى التصوير في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024.
"ما سأحتفظ به من هذه التجربة هو الصداقات، اللحظات خلف الكواليس، وحتى الصمت بعد مشاهد صعبة... الفيلم سيظل علامة في حياتي المهنية والإنسانية"، يقول عيد.
يؤكد عيد "أن الرسالة المركزية للفيلم لا تتعلق بالمأساة فقط، بل بالقدرة على الحياة رغم المأساة؛ فالفيلم يروي كيف أن الناس في غزة ليسوا فقط تحت الاحتلال، بل يحلمون، يحبون، يغضبون ويتعثرون. الفيلم يقول للعالم: هؤلاء بشر مثلنا تماما، لكنهم محرومون من أبسط حقوقهم".
خالد حداد: رؤية فنية فلسطينية بدعم أردني
المنتج الأردني خالد حداد، الذي سبق أن تعاون مع المخرجَين في فيلم "غزة مون آمور"، كان من أوائل المؤمنين بهذا المشروع. يقول: "منذ المراحل الأولى لتطوير الفيلم، ومع قوة القصة ورؤية المخرجين الواضحة، كان لدينا شعور قوي بأن هذا الفيلم يمتلك المقومات التي تؤهله للوصول إلى منصات عالمية مرموقة مثل مهرجان كان السينمائي. إيماننا بالمشروع وبالمخرجين كان الدافع الأساسي، وكنا نأمل ونتوقع أن يجد الفيلم مكانه في هذا المحفل السينمائي المهم".
خالد حداد يعد أحد الأسماء البارزة في مجال الإنتاج السينمائي العربي، ويملك سجلا مميزا في دعم المشاريع المستقلة التي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية بعمق إنساني. من أبرز أعماله فيلم "غزة مون آمور" الذي أخرجه الأخوان ناصر أيضا، وشارك في مهرجانات كبرى، مثل البندقية وتورنتو، ولاقى ترحيبا نقديا عالميا.
كما عمل حداد في إنتاج أفلام عربية مستقلة أخرى، منها ما تم تصويره جزئيا في الأردن وحقق صدى دوليا، ليكرس مكانته كأحد الأصوات المؤثرة في صناعة الأفلام ذات الطابع السياسي والواقعي في المنطقة.
التحديات الإنتاجية والمالية
يوضح حداد أن الفيلم، كونه إنتاجا مشتركا بين خمس دول، فرض عليه تنسيقا دقيقا بين شركاء دوليين في ظل محدودية الميزانية وتأخر وصول بعض الدفعات المالية من جهات مانحة. رغم ذلك، اتخذ الفريق قرارا شجاعا ببدء التصوير في الموعد المحدد حتى قبل اكتمال التمويل، حفاظا على زخم العمل والتزاما بالجداول الزمنية. كما أن مرحلة ما بعد الإنتاج والتوزيع تطلبت تنسيقا فنيا عابرا للحدود، لضمان جودة العمل ووصوله إلى الأسواق العالمية.
ويرى حداد أن اختيار الفيلم ضمن قسم "نظرة ما" في مهرجان كان يمثل منصة مثالية لإطلاق الفيلم نحو أسواق أوسع. ويؤكد أن هناك خطة توزيع مع موزعين دوليين تضمن وصول الفيلم إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير في الأسواق الرئيسية حول العالم، بما في ذلك أوروبا وأميركا الشمالية ومناطق أخرى.
ولأن المهرجانات السينمائية الكبرى، وعلى رأسها مهرجان كان، تلعب دورا محوريا لا يمكن إنكاره، يقول حداد "هي ليست مجرد منصات لعرض الأفلام، بل مساحات للقاء والتفاعل بين صناع السينما من مختلف أنحاء العالم، وفرصة لا تقدر بثمن للسينما الفلسطينية تحديدا".
رسالة للفنانين الفلسطينيين الشباب
عن الأثر الذي يأمل أن يتركه الفيلم في الجيل الجديد من السينمائيين الفلسطينيين، يقول "أتمنى أن يكون نجاح الفيلم ووصوله إلى كان بمثابة مصدر إلهام وأمل لكل الفنانين والمبدعين الفلسطينيين الشباب. أتمنى أن يروا في هذا الفيلم دليلا على أن قصصهم تستحق أن تروى وأن تشاهد على أكبر المنصات العالمية، وأن الحلم بصناعة أفلام تصل للعالمية هو حلم قابل للتحقيق بالإصرار والموهبة والتعاون".
الدور الأردني في دعم الإنتاج
يقول "إن الشراكة الأردنية كانت عنصرا حاسما ومحوريا في إنجاز هذا المشروع. الدعم الأردني لم يقتصر على التمويل المالي الذي قدمته الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، بل امتد ليشمل توفير بيئة تصوير آمنة ومرحبة، وتسهيلات لوجستية بالغة الأهمية".
ويختم بالقول "مما يثلج الصدر ويؤكد على مستوى الموهبة الأردنية المشاركة في الفيلم، ترشيح الممثل الأردني الشاب مجد عيد لجائزة أفضل ممثل في قسم 'نظرة ما' بمهرجان كان للعام الحالي عن دوره في الفيلم. هذا الترشيح يمثل لحظة فارقة ومصدر فخر للمواهب الأردنية ويؤكد على الجودة العالية التي أضافها الممثلون الأردنيون للعمل".
وبحسبه، "'كان ياما كان في غزة' ليس مجرد فيلم، بل نموذج فعلي لما يمكن أن تحققه الشراكات العربية الفعالة، حين تلتقي الرؤية الفنية مع الدعم المؤسساتي والاحترافي، ويعطى لصناع السينما المجال لصياغة حكاياتهم بلغتهم الخاصة وبثقة نحو العالم".
عرب وطرزان ناصر: من غزة إلى "الكروازيت"
في عودة قوية إلى الكروازيت، يقدم الأخوان طرزان وعرب ناصر فيلمهما الروائي الجديد "كان ياما كان في غزة" ضمن اختيارات مهرجان كان 2025، في قسم "نظرة ما"، حيث يحتفي المهرجان بسينما المؤلفين الشباب والاكتشافات الجديدة.
بدأ عرب وطرزان مشوارهما السينمائي من داخل غزة المحاصرة؛ حيث شكلت البيئة السياسية والاجتماعية الصعبة مصدر إلهام مباشرا لأعمالهما. كان فيلم "رحلة ملونة" العام 2010 بمثابة ولادة رمزية لأسلوبهما، لاحقا، حقق فيلمهما القصير "رصاص الواقي الذكري" (Condom Lead) في 2013 نقلة نوعية، حيث عرض في قسم "نظرة ما" بمهرجان كان، ليكون أول فيلم فلسطيني يعرض في هذا القسم.
في العام 2015، قدم الأخوان ناصر أول أفلامهما الروائية الطويلة "ديغراديه"، الذي تم تصويره بالكامل داخل صالون نسائي في غزة، أثناء تصاعد التوتر العسكري في الخارج.
وشهد العام 2020 مرحلة جديدة في أسلوب الأخوين ناصر، مع فيلم "غزة مون آمور" الذي عرض في مهرجاني البندقية وتورنتو. الفيلم يبتعد عن السياسة الظاهرة ليركز على قصة حب بين صياد مسن وخياطة أرملة في غزة، تتقاطع حياتهما حين يعثر الرجل على تمثال يوناني أثناء الصيد.
وفي فيلمهما الثالث المنتظر "كان ياما كان في غزة"، يقدم عرب وطرزان ناصر عملا جديدا ضمن قسم "نظرة ما" بمهرجان كان. تدور الأحداث في غزة العام 2007، وتتابع حياة ثلاثة رجال: يحيى، أسامة وسامي، تقودهم غريزة البقاء ويفصل بينهم الطموح والانكسار. يمزج الفيلم بين الكوميديا السوداء وأسلوب الويسترن الحديث، ويعيد تقديم غزة كمساحة سردية مفتوحة تحمل عناصر الأسطورة وتتشابك فيها المصائر ضمن مفارقات الحياة اليومية.
ما يميز عرب وطرزان قدرتهما على إعادة تدوير المأساة إلى سرد بصري وفكري متجدد، فأفلامهما تسير على خيط رفيع بين العبثية والواقعية، بين القسوة والشاعرية، وتمثل محاولة دائمة لفهم الذات الجماعية الفلسطينية ضمن واقع محاصر وزمن معلق.
من خلال ثلاثية سينمائية متتالية، رسخ المخرجان توأمة سينمائية نادرة، فهذه ليست عودة إلى "كان" فحسب، بل عودة إلى الذات، إلى الحكاية الأولى، إلى تلك اللحظة التي يعاد فيها تشكيل صورة غزة من خلال الفن وتقديم رسالة إنسانية تتجاوز حدود الجغرافيا، ليتم التأكيد، من جديد، أن الحكاية الفلسطينية ما تزال تملك القدرة على الدهشة، وعلى البقاء حية على شاشة العالم.
الممثل الأردني مجد عيد في مشهد من الفيلم - (من المصدر)
0 تعليق