سوريا جديدة.. أم حرب أهلية ثانية؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 09/ديسمبر/2024 - 05:03 م 12/9/2024 5:03:14 PM


صورة جديدة، وذاكرة تُلقي بنفس المشاهد أمام الأعين في سوريا.. وكلما رأيت تحطيم التماثيل في الميادين، كلما رأيت ملامح الأيام القادمة، تترى بنفس السيناريوهات التي حدثت في العراق من قبل، فرحًا بالديمقراطية المزعومة، فإذا بالشعوب في مواجهة فوضى، تُقوِّض الدولة، وتؤدي إلى التقسيم.. وبدلًا من أن تنعم تلك الشعوب بحريتها، إذا بها تقع في أتون حروب أهلية تأكل الأخضر واليابس، وتترك الدولة دويلات، تتنازعها أهواء من استطاعوا خوض غمار اللعبة التي جاءت على جثة الوطن، ليستفيق الجميع على أن مًنْ وعد، ودعم من أجل التحرر والحرية، هو من طمع واحتل ونهب، واستولى على كل شيء، ولم يترك إلا المرارة التي تتجرعها الشعوب التي هللت من أجل حرية، اتضح أنها كانت سرابًا بعد أيام رمضاء.
سقطت سوريا بين يدي المجهول، فصائل اتحدت، لكنها سُرعان ما تتشرذم، في خلافات تقسيم الكعكة، وعدو تربص بالشام حتى واتته الفرصة، فلم يضيع وقتًا، بل احتل، ساعة الانتصار المُعلن، أراضٍ من سوريا، وضرب كل الأصول العسكرية السورية، ليترك أهلها، أيًا كانت إنتماءاتهم وولاءاتهم، عرايا من أي شيء يستر عورة أراضيهم، إذا أرادت إسرائيل غزو المزيد منها.. إسرائيل التي تركت السوريين يرقصون في الشوارع، ابتهاجًا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وبينما أبو محمد الجولاني يخطب في المسجد الأموي بدمشق خطاب النصر، فإذا بها تدك المطارات والقوعد العسكرية في العاصمة، ومواقع المدفعية والدفاعات الجوية ومصانع تطوير الصواريخ، ومخازن الأسلحة، في حملة جوية واسعة، حوًلت سماء دمشق إلى سحابات من الدخان الأسود، والناس يتساءلون: من أين يأتي هذا الجحيم؟.. وقد أصبحت سوريا خاوية من أسلحتها، فارغة خزائنها، وقد تفرّق جيشها في الأنحاء.. ليبقى السؤال الأهم: كيف يبدو (اليوم التالي) في دمشق؟، خصوصًا وأنه لم يبق على الأرض داعمًا.. فإيران خرجت، ومن وراءها روسيا، وإسرائيل طامعة، والولايات المتحدو تُصنِّف الفصائل المُقاتلة (جماعات إرهابية)!!.
والآن.. يُمثِّل التنبؤ بمستقبل سوريا تحديًا، حيث فاجأ زوال الحكومة السريع العديد من الأشخاص الذين راقبوا المنطقة لسنوات.. ومع أن انهيار حكومة الرئيس بشار الأسد، أثار الابتهاج داخل سوريا وخارجها، لكنه أغرق البلاد أيضًا في حالة عميقة من عدم اليقين.. ولا تزال هناك أسئلة أساسية حول حكومة البلاد وأمنها واقتصادها، بحاجة إلى إجابة.. حتى أن بعض المحللين يقولون إن التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك أصبح أكثر صعوبة، لأن زوال الحكومة كان مفاجئًا، و(من الصعب تحقيق عملية انتقال سلس في وضع سريع الحركة.. فالسرعة وعدم اليقين يشكلان مخاطر كثيرة لما سيأتي بعد ذلك، فيما يتعلق بالمساءلة والحكم الرشيد لحماية مصالح الشعب السوري).. فقد حكم الأسد سوريا لما يقرب من ربع قرن، وقمع انتفاضة المدنيين وتمرد بدأ عام 2011.. في الحرب التي تلت ذلك، قتل أكثر من نصف مليون سوري، من بينهم مئتي ألف مدني، وفر ملايين الأشخاص من البلاد.. نعم، (هذه لحظة للاحتفال بها، وبالنظر إلى فرحة السوريين اليوم، هذا أمر مفهوم، لكن هناك أيضا قلق بشأن ما سيحدث غدًا).
●●●
إن السؤال الأكثر إلحاحًا، هو مدى سرعة قدرة الجماعات المقاتلة على تأمين العاصمة، ومنع حدوث فراغ فوضوي في السلطة، وما هي خططها الآن بعد أن حققت هدفها المتمثل في الإطاحة بالأسد؟.. كما لم يتضح إلى أي مدى، ومدى سرعة بسط تحالف المعارضة سيطرته على البلاد بأكملها، وهو عامل حاسم لاستعادة الاستقرار، أو ما إذا كانوا سيظلون متحدين بعد الإطاحة بالرئيس السوري.. كما أنه ليس من الواضح كيف ستُوازن الحكومة الجديدة بين المصالح المتنافسة للقوى الأخرى التي تسيطر على أراض في سوريا، وما إذا كان بإمكانها إدارة عملية انتقالية، أو حتى ما إذا كانت ستنجح في دفع تكاليف الخدمات المدنية، وهي مهمة أساسية ولكنها ضرورية لأي دولة عاملة.
إن الوضع في سوريا يمكن مقارنته بالعراق عام 2003، بعد أن أنهت القوات الأمريكية الحكم الطويل لصدام حسين.. سرعان ما توتر التفاؤل الأولي بشأن احتمالات الانتقال الديمقراطي السلمي، لأسباب ليس أقلها أن النهب اجتاح العاصمة بغداد، وأدى تزايد عدم الاستقرار والعنف في نهاية المطاف إلى حرب أهلية طائفية وحشية.. ومع ذلك، فإن المتمردين أطاحوا بالأسد من داخل البلاد، مما قد يُعزز شرعيتهم الشعبية، على حد قول لهيب هيجل.. إذ يدير أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، الجماعة المتمردة التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي كانت تسيطر على معظم محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، حكومة تسترشد بأيديولوجية إسلامية سُنية محافظة ومتشددة في بعض الأحيان.. لكن هيجل أشارت إلى أنه أظهر تسامحًا مع الأقليات الدينية والعرقية في البلاد في المناطق التي سيطرت فيها جماعته، (كل هذه المؤشرات إيجابية، لكن هل ستصمد؟)، كما أن سوريا اليوم أكثر فقرًا بكثير من العراق عام 2003، وبالتالي فإن الضغوط المجتمعية والاقتصادية أكبر.
ومن أجل فهم الخطوات التالية المحتملة لسوريا، من الأهمية بمكان النظر في دعم إيران الطويل الأمد لنظام الأسد وكيف تطور دوره، كما قالت لينا الخطيب، الزميلة المشاركة في Chatham House.. كان الأسد حليفًا وثيقًا لإيران، لكن الحكومة في طهران تخلت عنه في الأيام الأخيرة وتخلت عن سوريا، موطئ قدمها الرئيسي في العالم العربي.. لقد ضعفت إيران بعد عام من الصراع، بما في ذلك من خلال ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران، في لبنان، والتي بدأت بـ (طوفان الأقصى) على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، من قِبل حماس، قوتها الوكيلة لها في غزة.
وعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمان، كانت القوة النارية الروسية هي التي أبقت بشار الأسد في السلطة، حتى الأحداث الاستثنائية التي وقعت خلال الساعات الماضية.. سقطت دمشق، وتم إسقاط الرئيس السوري، ويقال إنه سافر إلى موسكو، التي أعلن تليفزيونها الرسمي، عن مصدر في الكرملين، أن روسيا منحت الأسد وعائلته اللجوء (لأسباب إنسانية).. لكن الأهم من ذلك، هو أنه في غضون أيام قليلة، انهار مشروع الكرملين في سوريا، في ظل ظروف دراماتيكية للغاية، مع عجز موسكو عن منعه.. وأعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها،  أن موسكو (تتابع الأحداث المأساوية في سوريا بقلق بالغ)، إلا أن سقوط نظام الأسد يشكل ضربة لهيبة روسيا.. لكن الأمر لم يكن يتعلق بالهيبة فقط.. ففي مقابل المساعدة العسكرية، منحت السلطات السورية روسيا عقود إيجار لمدة تسعة وأربعين عامًا للقاعدة الجوية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس.. لقد نجحت روسيا في تأمين موطئ قدم مهم في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأصبحت القواعد مراكز مهمة لنقل قوات فاجنر الروسية داخل وخارج إفريقيا.. السؤال الرئيسي الذي يواجه موسكو هو: ماذا سيحدث لتلك القواعد الروسية الآن؟.
ذكر البيان الكرملين، الذي أعلن وصول الأسد إلى موسكو، أن مسئولين روسا كانوا على اتصال بممثلي (المعارضة المسلحة السورية).. وأن زعماء المعارضة ضمنوا أمن القواعد العسكرية الروسية والبعثات الدبلوماسية على الأراضي السورية، فيما قالت وزارة الخارجية الروسية، إن القواعد في سوريا وُضِعَت (في حالة تأهب قصوى)، لكنها ادعت أنه (لا يوجد تهديد خطير لها في الوقت الحالي).. وزعم النليفزيون الروسي الرسمس، أن روسيا (كانت تأمل دائمًا في المصالحة بين الأطراف المختلفة في سوريا.. والآن، نحن لسنا غير مبالين بما يحدث في سوريا، لكن أولويتنا هي أمن روسيا نفسها.. ما يحدث في منطقة العملية العسكرية الخاصة بحرب روسيا في أوكرانيا).. وعلى الرغم من تسع سنوات من ضخ روسيا للموارد اللازمة لإبقاء بشار الأسد في السلطة، إلا أن الروس يُقال لهم إن لديهم أمورًا أكثر أهمية للقلق عليها.
●●●
وقبل أن نتحدث عما تفعله إسرائيل الآن في الأراضي السورية، دعونا نتذكر ما كانت إسرائيل تقدمه من مساعدات سرية للمتمردين السوريين.. تمويل مباشر وغذاء ووقود وإمدادات طبية، قدمتها الدولة الإسرائيلية لإبقاء داعش والقوات المتحالفة مع إيران في الحرب الأهلية المجاورة تحت السيطرة.
في يونيو 2017، كشفت تقارير إخبارية، أن إسرائيل قدمت للمتمردين السوريين تمويلًا ومساعدات كبيرة من أجل الحفاظ على منطقة عازلة، في منطقة الحدود عند مرتفعات الجولان بين إسرائيل وجارتها التي مزقتها الحرب.. ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال)، أن السلطات الإسرائيلية قدمت كميات كبيرة من المال والغذاء والوقود والإمدادات الطبية للمتمردين الذين يقاتلون ضد حكومة بشار الأسد..
ويُعتقد أن الدعم المُفترض للمتمردين بدأ في وقت مبكر من عام 2013، في عهد وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، بهدف إنشاء (منطقة عازلة) خالية من المسلحين المتطرفين، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقوات المتحالفة مع إيران على طول الحدود الإسرائيلية.. وذكرت الصحيفة، أن وحدة خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي أُنشئت للإشراف على عملية المساعدات المكلفة، والتي تمنح أبو مُصعب الجولاني، زعيم (فرسان الجولان) ما يقدر بنحو خمسة آلاف دولار راتبًا شهريًا.. غير ما تقوم به إسرائيل من تمويل ما يصل إلى أربع مجموعات متمردة أخرى تحظى بدعم غربي.. وتستخدم هذه المجموعات الأموال الإسرائيلية والغربية، لدفع رواتب المقاتلين وشراء الذخيرة.
وبحسب ما ورد في تقرير (وول ستريت جورنال)، بدأ التحالف، بعد أن شق مقاتلو (فرسان الجولان) الجرحى طريقهم إلى الحدود وتوسلوا إلى الجنود الإسرائيليين للحصول على المساعدة الطبية.. وقال المتحدث باسم المجموعة، معتصم الجولاني، للصحيفة، (لقد وقفت إسرائيل إلى جانبنا بطريقة بطولية.. لم نكن لننجو لولا مساعدة إسرائيل).. وقالت قوات الجيش الإسرائيلي، إنها (ملتزمة بتأمين حدود إسرائيل، ومنع إنشاء خلايا إرهابية وقوات معادية.. بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية للسوريين الذين يعيشون في المنطقة).. وفي حين زعم الأسد، في السابق، أن الدولة اليهودية تدعم الجماعات المتمردة، التي تشير إليها حكومته بـ (الإرهابية)، فإن عناصر من المعارضة اتهمت إسرائيل بالمساعدة في إبقاء النظام في السلطة، إذ كان من النادر للغاية، أن ترد السلطات السورية على الضربات الإسرائيلية.
واليوم.. قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان له، إنه سيطر على أراضٍ على الجانب السوري من الحدود في مرتفعات الجولان، بعد انهيار نظام الأسد.. وهذه هي المرة الأولى التي تسيطر فيها إسرائيل على أراضٍ في سوريا منذ حرب عام 1973.. وقد أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة مُسبقًا بعمليتها للسيطرة على المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا، وعدة مواقع رئيسية أخرى على الجانب السوري من الحدود، وأبلغت إسرائيل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن أن هذه خطوة مؤقتة ستستمر بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، حتى يستقر الوضع الأمني على طول الحدود.. وقد سبق وأدى اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وسوريا عام 1974، إلى إنشاء منطقة عازلة على الحدود في مرتفعات الجولان.. ومنذ ذلك الحين، تم نشر قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك على جانبي المنطقة العازلة.. إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامبن نتنياهو، أعلن أمس، إنتهاء هذا الاتفاق.. وعليه، سيطر الجيش الإسرائيلي سيطر أيضًا على الموقع العسكري السوري الاستراتيجي على جبل الشيخ، أعلى نقطة على الحدود بين البلدين، وطلبت قوات الجيش الإسرائيلي من السكان المتواجدين في القرى والبلدات السورية على طول الحدود، البقاء في منازلهم حتى إشعار آخر، بينما نفذت عشرات الغارات الجوية ضد القواعد والمنشآت ومستودعات الأسلحة العسكرية السورية، استهدفت أنظمة الدفاع الجوي للجيش السوري وبطاريات المدفعية والمنشآت التي كانت مرتبطة في الماضي ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري، وقال مسئول إسرائيلي، (إننا مسئولون عن التأكد من عدم وقوع أنظمة الأسلحة الاستراتيجية في الأيدي الخطأ).. وقام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يسرائيل كاتس، بزيارة الحدود يوم الأحد واستمعا إلى إحاطة من قادة الجيش الإسرائيلي، وقال نتنياهو، إن انهيار نظام الأسد يوفر فرصة عظيمة، وزعم أن ذلك كان (نتيجة مباشرة) للعمليات الإسرائيلية ضد حزب الله وإيران.. وأضاف (نرسل يد السلام إلى كل من هم خارج حدودنا في سوريا.. إذا كان بوسعنا إقامة علاقات حسن جوار وعلاقات سلمية مع القوى الجديدة الناشئة في سوريا، فهذه هي رغبتنا)!!.
●●●
يأتي الدور على سؤال: أين تقف تركيا بعد سقوط نظام الأسد في أيدي المعارضة السورية؟.
إن العلاقات الطويلة الأمد والمُعقدة، التي تربط تركيا بفصائل المعارضة المختلفة، تجعلها اللاعب الرئيسي في المضي قدمًا في انتقال سوريا، لكن اتجاه أنقرة غامض.. وتعد تركيا، التي تشترك في حدود طولها قرابة ستمائة ميل مع سوريا، أحد الداعمين الرئيسيين لجماعات المعارضة التي كانت تهدف إلى الإطاحة بالأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011.. وفي حين رفض المسئولون الأتراك بشدة مزاعم أي تورط، يعتقد المراقبون أن الهجوم، الذي يبدو أنه يتماشى مع الأهداف التركية طويلة الأمد، لم يكن من الممكن أن يستمر دون موافقة أنقرة.. لقد سمح ذلك لتركيا، من خلال وكيلها السوري، الجيش الوطني السوري، بالرد على القوات الكردية في سوريا المتحالفة مع عدوها اللدود، حزب العمال الكردستاني.. وإذا كانت أنقرة قد أدرجت جماعة هيئة تحرير الشام، الجماعة الجهادية التي قادت المسيرة التي استمرت عشرة أيام نحو دمشق، على قائمة المنظمات الإرهابية، إلا أن الشواهد دللت على أن تركيا عمِلَت إلى جانبها منذ سنوات في شمال سوريا، ويُعتقد أنها تمارس نفوذًا كبيرًا على هذه الجماعة.
في البداية، أعلنت تركيا دعمها لوحدة أراضي سوريا، وكان آخر ما تريده، هو منطقة حكم ذاتي يسيطر عليها الأكراد على حدودها، أو نزوح جديد للاجئين بسبب عدم الاستقرار.. ونفذت أنقرة عدة عمليات توغل في سوريا منذ عام 2016، بهدف صد تنظيم الدولة الإسلامية أو المسلحين الأكراد، وإنشاء منطقة عازلة على طول حدودها، وهي الآن تسيطر على مساحة من الأراضي في شمال سوريا.. وكانت تركيا شاركت في السابق في الجهود الدبلوماسية لحل الصراع بين النظام والمتمردين، بما في ذلك إجراء محادثات مع الداعمين الرئيسيين للأسد، روسيا وإيران.. وفي الآونة الأخيرة، سعت أنقرة إلى المصالحة مع الأسد من أجل التخفيف من التهديد الذي تُشكله الميليشيات الكردية على تركيا، وضمان العودة الآمنة للاجئين. لكن الأسد رفض المبادرات التركية.. والآن، رفض المسئولون الأتراك بشدة، مزاعم التورط في الهجوم المناهض للحكومة، مؤكدين معارضتهم للتطورات التي تُزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، (كل التصريحات التي تزعم أن تركيا حرضت على ذلك أو دعمته غير صحيحة.. إنها كلها أكاذيب).. بينما يقول المحللون، إن الهجوم الذي يشنه المتمردون كان ليصبح مستحيلًا، لولا الضوء الأخضر من تركيا.. ويرد الأتراك بأن أنقرة أوقفت الهجوم لعدة أشهر.. وفي النهاية، مضت قوات المعارضة قُدمًا في الهجوم، بعد أن هاجمت الحكومة السورية مناطق تسيطر عليها المعارضة، منتهكة بذلك الاتفاقات بين روسيا وإيران وتركيا لتهدئة الصراع.. وأكد هؤلاء المسئولون ـ وانتبه!! ـ إن الهجوم كان من المفترض في البداية أن يكون محدودًا، لكنه توسع بعد أن بدأت قوات الحكومة السورية في التراجع عن مواقعها!!.
إن سقوط الحكومة السورية قد يشكل عدة مخاطر على تركيا، بما في ذلك إرسال موجة جديدة من اللاجئين نحو الحدود التركية إذا اندلعت الفوضى.. إن (الخطر الأول الذي تريد تركيا تجنبه بأي ثمن، هو التفكك الإقليمي لسوريا، مع تنافس هياكل السلطة المختلفة على الحصول على الحكم الذاتي على أراضيها).. وأشار بعض المحللين، إلى أن الهجوم الذي يشنه المتمردون قد يؤدي إلى تأجيج التوترات مع داعمي سوريا، إيران وروسيا.. ومنذ عام 2022، تسعى تركيا إلى تطبيع العلاقات مع سوريا.. لكن الأسد أصر على انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، في حين تؤكد تركيا أنها لا تستطيع الانسحاب طالما استمرت التهديدات من الميليشيات الكردية.. ولكن ما إذا كان تغيير الحكم في سوريا سيسمح لتركيا بإبعاد وحدات حماية الشعب عن حدودها، يبقى أمرًا غير واضح.. وإن كانت التقارير تشيرإلى أن هيئة تحرير الشام طورت علاقات جيدة مع وحدات حماية الشعب، التي ترأس قوات سوريا الديمقراطية.. وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب باعتبارها منظمة إرهابية، على الرغم من تحالفها مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتتوقع تركيا أن يكون لها رأي مهم في الشكل الجديد لسوريا، (المفاوضات ستقرر مستقبل سوريا، وستكون تركيا مؤثرة، لكن الولايات المتحدة ستؤثر أيضًا، وكذلك دول الشرق الأوسط التي ستمول إعادة إعمار سوريا.. صحيح أن تركيا قد لا تكون قادرة على السيطرة على هيئة تحرير الشام، في سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة.. لكن هيئة تحرير الشام هي ورقة رابحة). فهل تريد تركيا حقًا أن تُدير منظمة جهادية دولة مجاورة لها؟.
●●●
في واشنطن.. تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقلق، من أن انهيار الجيش السوري وقوات الأمن الأخرى، والفوضى التي تجتاح البلاد، سوف يسمح للجماعات الإرهابية بالاستيلاء على أسلحة خطيرة كانت في حوزة نظام الأسد.. وقال الرئيس بايدن في كلمة ألقاها الأحد، (سندعم جيران سوريا ـ لبنان والعراق والأردن وإسرائيل ـ من أي تهديد قد ينشأ من سوريا).. بينما أوضح وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، (إننا سندعم الجهود الدولية لمحاسبة نظام الأسد وداعميه، على الفظائع والانتهاكات التي ارتكبت ضد الشعب السوري، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية).. تلك التي تقول AXIOS أن نظام الأسد استخدمها ضد المدنيين السوريين عام 2013، منتهكًا (الخط الأحمر) الذي حدده الرئيس الأمريكي الأسيق باراك أوباما، قبل عام من ذلك، عند مناقشة ما قد يؤدي إلى التدخل العسكري الأمريكي.. وفي نهاية المطاف، تراجع أوباما عن تهديداته بقصف سوريا، وأبرم صفقة مع روسيا لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد.. لكن مسئولين استخباراتيين أمريكيين وغربيين يعتقدون، أن النظام انتهك الاتفاق واحتفظ ببعض أسلحته الكيميائية.
وإذا كانت القوات الجوية الإسرائيلية قد نفذت، على مدى الثمانية وأربعين ساعة الماضية، غارات جوية ضد العشرات من القواعد العسكرية السورية ومستودعات الأسلحة، والمرافق التي كانت جزءًا من برامج الأسلحة الكيميائية والصواريخ الباليستية السورية، بحسب مسئولين إسرائيليين.. أعلنت القيادة المركزية الأمريكية Centcom، أنها نفذت (عشرات الضربات الجوية الدقيقة)، التي كانت تهدف إلى القضاء على معسكرات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وسط سوريا.
جاءت الضربات في إطار مهمة مستمرة (لتعطيل وإضعاف وهزيمة داعش، من أجل منع الجماعة الإرهابية من تنفيذ عمليات خارجية، وضمان عدم سعي داعش للاستفادة من الوضع الحالي، لإعادة تشكيل نفسها في وسط سوريا)، بحسب بيان للقيادة المركزية الأمريكية.. لكن خلف الكواليس، قال مسئول أمريكي أمس الأحد، إن إدارة بايدن ركزت في الأيام الأخيرة على الأسلحة الكيميائية السورية، إذ أن الولايات المتحدة لديها (معلومات جيدة) عن حالة مخزون الأسلحة السورية، وإن خبراء الاستخبارات الأمريكية يعتقدون أنها لا تزال تحت السيطرة، (نحن نتخذ تدابير حذرة للغاية في هذا الشأن.. نحن نفعل كل ما في وسعنا لضمان عدم وصول هذه المواد إلى أي شخص والاعتناء بها.. و(نريد التأكد من تدمير أو تأمين الكلور أو الأشياء التي هي أسوأ بكثير.. وهناك العديد من الجهود في هذا الصدد مع الشركاء في المنطقة).
في الجانب الآخر.. وبينما كان المتمردون السوريون في طريقهم إلى دمشق يوم السبت، أصدروا بيانًا من غرفة الحرب المشتركة الخاصة بهم، يؤكدون فيه أنهم لا يهتمون بالأسلحة الكيميائية التي يمتلكها نظام الأسد.. وقالوا إنهم سيتعاملون مع القواعد والمنشآت العسكرية التابعة لنظام الأسد بمسئولية، وتعهدوا بتأمين البنية التحتية وعدم السماح لها بالوقوع في الأيدي الخطأ.. وإنهم أيضًا مستعدون للتنسيق مع المجتمع الدولي بشأن مراقبة الأسلحة والمواقع الحساسة في سوريا، وتقديم ضمانات بأنهم لن يستخدموا أي أسلحة محظورة بموجب القانون الدولي.
ةإذا أردت أن ترى الصورة الكبيرة للوضع في سوريا، فقد حدد بايدن السياسة الأمريكية بشأن الأزمة هناك، خلال الأيام الثلاثة وأربعين المتبقية من إدارته في خطاب ألقاه يوم أمس الأحد، قال فيه، إنه سيتحدث إلى زعماء الشرق الأوسط في الأيام المقبلة، وسيرسل مسئولين أمريكيين كبارًا إلى المنطقة لمناقشة الوضع، موضحًا، (سنعمل مع كل المجموعات السورية، لإرساء مرحلة انتقالية نحو سوريا مستقلة ذات سيادة تخدم كل السوريين)!!.. وأكد أن الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبله، لكن الولايات المتحدة مستعدة لدعم هذه العملية!!.. وبين السطور: أرسل بايدن رسالة إلى زعيم الجماعة الإسلامية الرئيسية، أبو محمد الجولاني، دون أن يذكره أو يذكر تنظيمه، هيئة تحرير الشام، بالاسم.. واعترف بايدن بأن (بعض الجماعات المتمردة التي أطاحت بالأسد لها سجلها المروع في مجال الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان).. مع أن مسئولًا أمريكيًا أكد أن إدارة بايدن كانت تتواصل في الأيام الأخيرة مع جميع مجموعات المعارضة السورية، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، (نحن على اتصال مع كافة المجموعات السورية ولدينا طرق للتواصل مع الجميع في سوريا).. ولقد أخذنا علمًا (بالتصريحات التي أدلى بها زعماء هذه الجماعات المتمردة في الأيام الأخيرة.. إنهم يقولون الأشياء الصحيحة الآن، ولكننا سوف نُقيِّم ليس فقط أقوالهم، بل وأفعالهم أيضًا).
وفي الختام.. يبقى أن نقول، أن بايدن وصف نهاية نظام الأسد بأنها (عمل أساسي من أعمال العدالة)، لكنه حذر من أن (إسقاط طاغية واحد ثم صعود طاغية جديد في مكانه، سيكون بمثابة إهدار لهذه الفرصة التاريخية).. وتلك أشياء لا تُحددها إلا واشنطن.. وصلت الرسالة؟!!.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق