بدر علي قمبر
عدتُ بالذاكرة قليلاً إلى تلك الحقبة الأولى التي انطلقتُ فيها بشغف الكتابة، وكنتُ حينها مهتماً بالتعبير عمّا يجول في النفس، وتسليط الضوء -في غالب الأحيان- على الوقائع والمشاهد التي تمر أمام ناظري، سعياً لأن يكون لي حضور في ساحة الكتابة، وتقديم ما في وسعي لخدمة المجتمع وخدمة البحرين الحبيبة.
حينها، كانت الأنظار متجهة نحو طرح المشكلات العامة، وبعض المشاهد المجتمعية التي كنتُ أناشد من خلالها الجهات المعنية للنظر فيها، والعمل على إيجاد السُبل الناجعة لمعالجتها. ولكن، مع مرور الوقت، وبعد أن تشبّع أسلوبي ببعض الأنماط الأدبية التي تبنيتُها في كتاباتي، شعرتُ أن الوقت قد حان لأتحدث عن واقع الذات الذي نعيش أصداءه، وعن المساحات الاجتماعية التي نُعايشها، ومحاكاة مشاهد الأيام التي نُعاصرها. أحببت أن أرفع شعار «ويبقى الأثر» في إطار «مسير الحياة»، الذي تبنيتُ أن أُسطّر مشاعره وحكاياته بأسلوبٍ أبعث من خلاله باقات معانٍ للأثر الجميل، الذي ينبغي أن نتبنى روحه الراقية في التعامل مع مستجدات الحياة المختلفة.
من هنا، وفي أصداء «مسير الحياة»، نجد نفوسنا تتوق إلى لحظاتٍ جميلة نستذكر أثرها في حياتنا، والتي لاتزال تُشكّل لنا دافعاً أساسياً للقيام بواجباتنا في هذه الحياة التي استخلفنا الله تعالى فيها، لنؤدي أدوارنا الحياتية على الوجه الذي يُرضيه. عندما نستذكر تلك المواقف، نشعر بالحنين إلى تفاصيلها التي عِشناها، وأثرها الذي لايزال فينا، إذ مثّلت لنا قيماً حياتية مازلنا نتذوّق معانيها، وأثّرت إيجابياً في نموّ شخصياتنا، وفي إثراء خبراتنا الحياتية، وفي أسلوب تعاملنا اليومي.
مواقف بقي شخوصها يُجسّدون «الوفاء الأخوي الحقيقي»، من خلال تفاعلهم، وتواصلهم، واهتمامهم، وسؤالهم بين الحين والآخر، ومن خلال حضورهم في حياتك. كل ذلك يُشعرك بالأثر الذي بقي، وبمعانيه التي استقرت في حياتك، وتسترشد بها كلما ضعفت قواك أو فتر عطاؤك في مسيرة الحياة.
تستذكر المحبين في «مسير الحياة»، وأثرهم في حياتك، وأثر الخير الذي تبادلته معهم، والعطاءات الجميلة التي شاركتهم بها، فتتذكر وفاءهم، وحُسن تعاملهم، وتقديرهم. ويبقى أثر الأجور وإن تباعدت الأجساد، وأثر الدعوات الأخوية الصادقة، وإن قلت اللقاءات. أستذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء». وفي الموطأ وصحيح ابن حبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ». إنها محبةٌ تستشعر فيها خُطى الوفاء بتلك اللحظات التي لاتزال تتذكر صورها، ومواقفها التي بقيت في ذاكرة الزمان، ومحبتها الراسخة التي لا تتزعزع، ووفاؤها الذي لا ينقطع وإن تقدمت الأيام. لحظات خالدة لا تُنسى، وأثر متجدد للنفس، لتكون على موعد دائم مع الخير، ومع الاستمرار في التأثير والتغيير، وهو الأسلوب الذي تبنيتُه لأكون رمزاً للعطاء المتجدد المستدام، فيما يُرضي الله تعالى.
عندما نستذكر الأيام، تتأكد لنا بعض المعاني التي قد تغيب عن أذهاننا في مسير الحياة، ويُذكّرنا بها أصحاب القلوب الندية، المُحبة للخير، المُحبة والوفية لك، فتحتاج أن تبادلهم الشعور، وتتعمق في الحديث معهم، لتُزيح عن نفسك مشاعر الهم والغم التي قد تعتريك في المسير، والتي قد تُبطئ خطوات عطائك التي اعتاد المجتمع رؤيتها ذات أثرٍ مستمر. قلوب تُحب لك الخير، وتذكّرك بالله تعالى، وتُردّد على مسامعك: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، لتُعيد إليك معنى التسليم لله والاعتماد عليه وحده، وأن الحركة والطاعة لا تكون إلا بالله. تذكّرك أن صاحب العطاء المستمر، وصادق النية، وذا الأثر المستدام، لا يسقط، وإن سقط وجد مُتكأ. قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: «والله لا يُخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق». إنها القلوب التي تُعيدك قوياً كلما فترت، وتجعلك تتيقن أن هناك من يتذكرك، ويدعو لك، ويحب أن يسمع صوتك، لتتبادل معه شجون الحياة، وتُذكّر نفسك لتقوم من جديد، وتُعطي بأثرٍ في المسير، وبصورة أفضل من ذي قبل.
عندما نستذكر «المحبة»، فإننا نستذكر تلك القلوب المُخلصة الصافية النقية كماء الزلال، التي بَنَت علاقاتها على المحبة والود والثقة المتبادلة، وعلى الصفاء في التعامل، والنبل في الأخلاق، والتقدير والاحترام، وعلى إثراء الأجواء بالمعاني الإنسانية، والابتسامة المُشرقة، وقوة التقدير. هي مساحات جميلة في الحياة، أنعشت الأيادي الجادة المعطاءة، التي تحب أن تكون في طليعة ركب المُنجزين. ومن يعشق المحبة، ويُحب أن ينثر معانيها في محيطه، عليه أن يكون صادقاً فيما يُقدّم، وأن يتعامل بمحبة كما يحب أن يُعامَل بها.
ومضة أمل
علّم نفسك كلما فترت، أن تخوض تجربة وتحدياً جديداً، وأن تتكيّف مع الواقع الذي تعيشه، وأن تكون مؤمناً بأمر الله تعالى، فعند الله تعالى «الأفضل» لمسير أيام حياتك. فوّضنا أمرنا إلى الله تعالى، وهو نعم الوكيل.
0 تعليق