ليلى المنجية: الاكتئاب واضطراب الهوية أكثر الأمراض شيوعًا في أوساط المراهقين -
في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات الاجتماعية والتقنية، بات المراهقون يواجهون ضغوطا نفسية متزايدة تهدد استقرارهم النفسي والسلوكي، وسط تحديات تجمع بين ضغوط الأسرة والمدرسة، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر في هذا السياق اضطرابات حقيقية تُضعف قدرة المراهقين على التكيف مع متطلبات العصر الحديث. وفي هذا الإطار، تسلط «$» الضوء على أبرز الاضطرابات النفسية والسلوكيات المقلقة المنتشرة بين المراهقين، من خلال حوار خاص مع ليلى المنجية، أخصائية نفسية بمستشفى المسرة.
فإلى التفاصيل...
ما أبرز الاضطرابات النفسية المنتشرة بين المراهقين حاليًا؟
شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في عدد الحالات التي تعاني من اضطرابات نفسية متنوعة، مثل: القلق، والاكتئاب، واضطرابات الشخصية، والسلوكيات العدوانية والتمرد، إلى جانب اضطرابات الأكل، كما لوحظ ارتفاع في حالات اضطراب الهوية الجنسية خلال الفترة الأخيرة.
وتعود أسباب هذه الاضطرابات إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والبيئية، حيث تقوم الأسرة بدور محوري في هذا السياق؛ فأنماط التربية المتسلطة أو المقيدة، إلى جانب الإهمال أو التناقض في أسلوب التعامل مع الأبناء كالسماح بسلوك معيّن تارة ومنعه تارة أخرى تسهم في زعزعة الاستقرار النفسي للطفل.
كذلك، فإن العيش في أسر مفككة، أو التعرض للعنف الأسري سواء كان جسديًا أو لفظيًا، إضافة إلى المقارنات المتكررة بين الإخوة، كلها عوامل تزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات نفسية، ولا يقتصر التأثير على البيئة الأسرية فقط، بل إنّ الضغط الدراسي، والعنف اللفظي والجسدي، والتنمر، إلى جانب ضعف الدعم النفسي في المدارس، تُعد من العوامل المؤثرة التي تفاقم من المشكلات النفسية وتزيد من خطر الإصابة بها لدى المراهقين. ومن خلال الملاحظة السريرية، تُعدّ الفئة بين 14 و17 عامًا الأكثر عرضة في الفترة الأخيرة، وغالبًا ما تكون الحالات الواردة إلى العيادات من هذه الأعمار هي الأكثر تعقيدًا.
وقد ينتج الانتحار عن تراكم وتفاقم الضغوطات النفسية لدى المراهق، سواء أكانت هذه الضغوطات من الأسرة أو المدرسة أو العزلة والوحدة النفسية، كما أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا والتنمر والابتزاز الإلكتروني، بالتغيرات التي يمرّ بها المراهق، والكثير من المسلسلات والأفلام تسوّق فكرة الانتحار بطريقة غير مباشرة لحل مشاكل المراهقين، مما يزيد من خطورة الوضع، وكذلك نقص الوعي لدى الأسر في التعامل مع حالة المراهق وعدم مراقبة التغيرات التي يمر بها من الأمور الخطيرة، والتي قد يدركها الأهل بعد فوات الأوان.
كما أن الأمراض غير المشخصة أو غير المعالجة تفاقم الوضع وتسرّع من فكرة الانتحار في بعض الحالات، ولكن رأيي الشخصي ومما رأيته في بعض الحالات فإن أغلب الأسباب ترجع إلى عدم الترابط الأسري، وبُعد الأهل عن أبنائهم، وعدم دعمهم ومشاركتهم وإعطائهم الأولوية.
هل السلوكيات المؤذية مثل إيذاء النفس مؤشر على نية انتحارية؟
ليس دائمًا، ولكنه مع الوقت قد يكون مؤشرًا مقلقًا، في الكثير من الحالات يُعد سلوك إيذاء النفس وسيلة للتفريغ عن الضغوط التي يعانون منها وتعبيرًا عن الألم النفسي، ولكن إن لم يُعالج في الوقت المناسب فقد تتطور فكرة الإيذاء إلى سلوك انتحاري.
هل التغيُّر المفاجئ في سلوك المراهق يشير إلى خطر؟
نعم، التغيرات الفجائية تستدعي الانتباه، ويجب الوقوف عندها، وعدم إهمالها، والتدخل بشكل مبكر، ويجب طلب المساعدة في وقتها وعدم تأجيلها؛ لأنها قد تكون مؤشرات أولية للاضطراب وعدم الاستقرار النفسي لدى المراهق.
إلى أيّ مدى تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية للمراهق؟
تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الصحة النفسية لدى المراهق من خلال الاستخدام المفرط لها، والضغوط المرتبطة بالمحتوى المنشور، والمقارنات الاجتماعية، وعدم القناعة والاكتفاء بما لدى الشخص، والسعي نحو تقديم صورة مثالية، والاهتمام بآراء الآخرين، مما يزيد من مشاعر القلق والتوتر.
كما أن التنمر الإلكتروني، مثل: التعرض للسخرية والابتزاز، وعدم قدرة المراهق على التصدي لهذه الممارسات نتيجة قلة الوعي والخبرة، تعرّضه لاتخاذ قرارات خاطئة. بشكل عام، ما تصوره وسائل التواصل الاجتماعي عن مفاهيم السعادة يُكوّن لدى المراهقين مفاهيم خاطئة، ويجعلهم ينظرون إلى حياتهم بأنها تعيسة، لا تتوافق مع معتقداتهم، وتدخلهم في صراع متواصل مع أنفسهم.
هل هناك علاقة بين التنمر الإلكتروني والانتحار؟
بالتأكيد، وأثبتت الدراسات أن التنمر الإلكتروني خطر كبير على حياة المراهقين، يسبب الاكتئاب والقلق والانطواء، وضعف الشخصية والتقدير الذاتي، ويسبب اضطرابات في النوم، ويصعب الهروب منه؛ لأنه يلاحق المراهق حتى في منزله، وعبر الأجهزة الرقمية، ويشعره بالضعف وقلة الحيلة لعدم قدرته على إيجاد مخرج سريع، وبسبب غياب الوعي لا يطلب المراهق المساعدة، ولا يفصح عن المشكلة لأسرته في الوقت المناسب، ما يدفعه للتفكير في الانتحار نتيجة الخوف والعار والقلق.
هل تلاحظون وجود ارتباط واضح بين البيئة الأسرية أو الاجتماعية وظهور هذه السلوكيات؟
العلاقة وثيقة، حيث يوجد ارتباط قوي ومباشر في ظهور السلوكيات النفسية السلبية، والأمراض المرتبطة بها مثل الاكتئاب والقلق أو حتى الأفكار الانتحارية.
كما أن أسلوب التربية، والإهمال العاطفي، والحماية الزائدة، والتفكك الأسري، والخلافات الأسرية، والعنف داخل الأسرة، وغياب الدعم والحوار والتثقيف والوعي، قد تكون أسبابًا في ظهور الأمراض والأفكار الانتحارية.
كما أن من التأثيرات الاجتماعية، وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، تمنع المراهق من طلب المساعدة. بالإضافة إلى ضغوطات الدراسة، والبيئة المدرسية، والظواهر الأخرى مثل: التنمر والعنف، والتأثر بالأقران والأصدقاء، أيضًا قد تكون أسبابًا في ظهور هذه الأعراض.
ما الخطوات العملية التي يمكن أن تتخذها الأسرة لحماية الأبناء نفسيًا؟
من أهم الخطوات: التقرب من الأبناء، وتخصيص وقت للحوار معهم، والاحترام المتبادل، وعدم الاستهانة بمشاعرهم، والتعبير عن الحب والدعم العاطفي، والسماح للأبناء بالتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم دون قيود، وإشباعهم عاطفيًا، وعدم الاكتفاء بتوفير الحاجات المادية فقط. كما يُنصح بتقليل الخلافات أمام الأبناء، وحل المشكلات عن طريق الحوار، وإعطاء المراهق الفرصة لإيجاد الحلول واتخاذ قراراته بنفسه.
ويجب وضع حدود واضحة، ورسم قوانين منزلية مفهومة وواضحة لدى الأبناء، وتعزيز الوعي والتثقيف النفسي المبكر لديهم، وتعليمهم مهارات التعامل مع الضغوط، وتعزيز وعيهم النفسي منذ وقت مبكر، وتقنين استخدام التكنولوجيا، والمتابعة المستمرة.
ما أهمية التثقيف النفسي في المدارس؟ وكيف يمكن تطبيقه بشكل فعّال في الوقاية والتدخل المبكر؟
التثقيف النفسي في المدارس له دور وقائي وعلاجي لا يقل أهمية عن التثقيف الأسري، فهو يساعد الطلبة على فهم مشاعرهم والتعامل معها، ويحد من السلوكيات العدوانية، والتنمر، والقلق، والاكتئاب؛ لأن التثقيف النفسي يعمل على تعليم الطلبة المهارات الصحيحة، كما أنه يعزز الصحة النفسية الإيجابية، ويصبح المراهق أكثر وعيًا بإشارات الخطر، سواء لديه أو لدى زملائه.
يمكن تفعيله عن طريق تعيين أخصائيين نفسيين مدرَّبين، لديهم القدرة على التعامل مع هذه المشكلات، وكذلك بتثقيف الهيئة التدريسية، وإدراجه كمادة ضمن المنهج الدراسي لتوسيع مفاهيم العناية بالصحة النفسية، والتعاون مع المؤسسات الصحية المختلفة لإجراء حملات توعية في المدارس.
هل ما زالت وصمة المرض النفسي موجودة في المجتمع؟
الوعي بالصحة النفسية في تحسن مستمر بالمجتمع العُماني، إلا أن الوصمة لا تزال قائمة، فبعض الأسر لديها مخاوف من وصمة العار، وللأسف نجد هناك تأخرًا في تلقي العلاج لبعض الحالات.
وبعض الأسر تلجأ إلى الطرق التقليدية قبل اللجوء إلى المستشفى. ومع ذلك، ثمة تقدم واضح مقارنة بالوضع السابق، إلا أن الوضع بحاجة إلى فترة طويلة للتخلص من وصمة علاج الأمراض النفسية، والخجل، والخوف.
ما الخيارات العلاجية المتاحة للمراهق في مستشفى المسرة؟
نقدم العديد من العلاجات الدوائية في مستشفى المسرة حسب الحالة، وشدتها، وتشخيصها، إلى جانب العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج الجدلي السلوكي، وتقييمات نفسية شاملة لمعرفة الوضع النفسي لدى المراهق.
كما نجري جلسات علاجية والدية، وتعديل سلوك.
وبعض المرضى يستجيبون للعلاج الفردي، ومنهم من يساعدهم العلاج الجماعي أو الأسري، وبعض الحالات يكون من الضروري الجمع بين أكثر من نوع في العلاج، كالعلاج الدوائي والعلاج الفردي.
والتقييم الطبي يحدد الخطة الأنسب لكل مريض حسب مستوى المرض وحاجة كل حالة.
0 تعليق