التقاعد المبكر.. مواجهة الاستدامة المالية لـ"الضمان"

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان - تشهد المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، تحولا مقلقا في أنماط التقاعد، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن التقاعد المبكر، يتصدر حالات التقاعد بأنماطها، اذ بلغت نسبته من غجمالي المتقاعدين 63 %، بينما تقاعد الشيخوخة الذي يُفترض بأن يكون القاعدة العامة في نظام الحماية الاجتماعية، قد تراجع، ما يثير تساؤلات حول الاستدامة المالية للضمان في ظل مثل هذه المؤشرات.اضافة اعلان
خبراء في قطاع العمل، رأوا أن هذا التحول، نتيجة مباشرة لإحالات قسرية واسعة من القطاعين العام والخاص، ما أدى لخروج الآلاف من سوق العمل في أوج عطائهم، وغالبا برواتب تقاعدية منخفضة لا تواكب تكاليف المعيشة.
وبينوا أن هذا الواقع، ينعكس سلبا على سوق العمل، ويفاقم من البطالة بين الشباب، ويهدد الفلسفة الأساسية للضمان كأداة حماية واستقرار، بينما تتزايد المطالب بوقف أي تعديل تشريعي على قانون الضمان، إلى حين معالجة جذور أزمة التقاعد المبكر، في ظل غياب الدراسة الاكتوارية الجديدة. 
159 ألف تقاعد مبكر 
الناطق الإعلامي باسم المؤسسة محمود المعايطة، قال إن "عدد متقاعدي المبكر بلغ حتى اليوم بلغ 159,131 متقاعداً من أصل 250,620، مبينا أن هذا العدد المرتفع يشير إلى أن الاستثناء تحوّل إلى قاعدة، وهو أمر غير منسجم مع فلسفة التقاعد، التي يجب أن تعتمد على تقاعد الشيخوخة كمسار رئيس، فيما يبقى (المبكر) خيارًا استثنائيًا يُلجأ إليه فقط في حالات محددة".
وأكد المعايطة، أن المؤسسة، ترى ضرورة مراجعة شروط "المبكر" لتصويبه والحد من اللجوء إليه، لكن أي تعديل في هذا الاتجاه، عليه الاستناد على معطيات دقيقة، موضحا بأن الضمان ما يزال بانتظار نتائج الدراسة الاكتوارية الجديدة، لقياس الأثر المالي الحقيقي لـ"المبكر" على صندوقه، ولتحديد أفضل السبل للتعامل مع هذا الملف الحساس.
وختم بالقول إن "الحديث عن تعديل شروط التقاعد المبكر حاليا، ما يزال سابقاً لأوانه، وعلينا انتظار نتائج الدراسة الاكتوارية أولا قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية".
مفارقة صارخة ومقلقة
من جانبه قال خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي، إن الأعداد المتعلقة بتقاعدي الشيخوخة والمبكر في المؤسسة، تعكس مفارقة صارخة ومقلقة، مشيراً إلى أن عدد متقاعدي "الشيخوخة" حتى الآن بلغ 110 آلاف فقط، بنسبة 30 % من إجمالي متقاعدي الضمان، وعددهم 367 ألفا، يشملون كافة أنواع التقاعد، بما فيها "الاعتلال".
وأضاف الصبيحي، في المقابل، بلغ عدد متقاعدي المبكر (التراكمي) 195 ألفا، بنسبة 53 % من مجموع متقاعدي الضمان (التراكمي)، ما يدل على أن "المبكر" الذي وُضع كاستثناء محدود، أصبح قاعدة عامة.
وقال إن ما يدعو للأسف هو أن تقاعد الشيخوخة، الذي يُفترض أن يكون الأصل، أصبح استثناءً، فيما "المبكر" أصبح القاعدة، ما يعاكس تمامًا الفلسفة التأمينية السليمة، ويشكّل خطرًا استراتيجيًا على المركز المالي للمؤسسة، محذرا من انه "إذا استمرت هذه التحوّلات، فعلى الجميع أن يتأمّل جيدًا: كم سيتحمّل الضمان؟ وكم سيصمد؟"، مؤكدا ان "المطلوب وقفة جادة لتصحيح المسار، فاستدامة الضمان مسؤولية وطنية كبرى، لا تحتمل المجاملة أو التأجيل".
وبين أن أعداد المحالين على "المبكر" من القطاع العام في السنوات الخمس الأخيرة، قد يتجاوز 22 ألفا، معظمهم لم يتقدّم بطلب للتقاعد، بل أنهيت خدماتهم قسرياً دون معايير واضحة أو شفافة، لافتا الى ان هذا النهج يُرهق المركز المالي للمؤسسة التي يُفترض بأن تكون نموذجاً بترسيخ العدالة وعدم الانجرار وراء مثل هذه السياسات، لكنه أشار إلى أن المؤسسة نفسها، أنهت خدمات 14 موظفاً من كبار موظفيها وأحالتهم إلى "المبكر" دون طلب منهم، ما يشكل سابقة مقلقة.
وأضاف الصبيحي "أسأل الحكومة والمؤسسة: هل سيصمد المركز المالي للضمان، أمام هذه الرياح العاتية؟"، مؤكداً أن الوضع لا يحتمل، ومطالباً بإجراء دراسة إكتوارية عاجلة لقياس الأثر الحقيقي للسياسات، مبينا "أطالب بوقف أي مشروع لتعديل قانون الضمان مهما كانت أسبابه، ما لم تتوقف الحكومة عن الإحالات القسرية، ويجري تقييم مالي دقيق لتأثيرها".
اختلالات عميقة بنظام التقاعد
بدوره، قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، إن "النسبة الكبيرة جدًا لمتقاعدي المبكر مقارنة بإجمالي متقاعدي الضمان، تُعد مؤشرًا خطرا على اختلالات عميقة في نظام التقاعد.
وأضاف عوض، أن الأصل في أنظمة الضمان، أن يكون "الشيخوخة" القاعدة العامة، لكن ما نشهده اليوم هو تحوّل "المبكر" إلى القاعدة الغالبة، وهو ما ينطوي على آثار سلبية واسعة، تمس الأمنين الاجتماعي والاقتصادي.
وأوضح عوض، أن هذا التحول يؤدي أولا لاستنزاف موجودات صندوق الضمان على المدى الطويل بسبب صرف رواتب تقاعدية لسنوات طويلة، ما يُهدد الاستدامة المالية للمؤسسة، وثانيًا، فإن معظم المتقاعدين مبكرًا يتقاضون رواتب متدنية، لا تواكب غلاء المعيشة، ما يزجّ بهم في دائرة الفقر بمرور الوقت.
وأضاف إن "الكثير ممن يعودون لسوق العمل بعد التقاعد، يُربكون ديناميات التشغيل ويزاحمون الداخلين الجدد، ويُفاقمون من مشكلة بطالة الشباب"، مشيرا إلى أن الأخطر من كل ذلك، أن الغالبية العظمى لم تختَر "المبكر"، بل فُرض عليهم قسرًا، سواء من جهات حكومية أو شركات خاصة، تستخدم التقاعد كأداة للتخلص من العمالة.
وختم "يجب تقييد صلاحيات الإحالة القسرية إلى التقاعد المبكر، وإعادة النظر فيه، إذ يتوجب أن يبقى استثناءً لا قاعدة عامة، تُقوّض فلسفة الضمان القائمة على الحماية لا الإقصاء".
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق