في خطوة مفاجئة، أعلنت الولايات المتحدة والصين عن خفض مؤقت للرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، في بيان مشترك صدر من جنيف.
وتهدف الخطوة إلى تخفيف التوترات التجارية بين العملاقين وإفساح المجال لمفاوضات جديدة، ما رحّبت به الأسواق بحذر، وسط تساؤلات حول التأثيرات الفعلية على الاقتصاد العالمي.
خفضت واشنطن الرسوم على الواردات الصينية من 145% إلى 30%، خاصة تلك المرتبطة بمادة الفنتانيل، بينما ردت بكين بخفض رسومها من 125% إلى 10% على السلع الأمريكية.
هذه الهدنة تبدو محاولة لاحتواء تصعيد محتمل، خصوصاً بعد تصريحات ترامب الأخيرة التي أعادت شبح الحرب التجارية إلى الواجهة.
أكد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت رفض فك الارتباط الاقتصادي مع الصين، مشيراً إلى حوارات مثمرة شملت إنشاء آلية دائمة للمناقشات.
غير أن قضايا جوهرية كالعجز التجاري والتزامات الشراء مازالت دون حل.
شهدت الأسواق ارتياحاً فورياً بعد الإعلان، ارتفعت الأسهم الصينية، وقفز عائد سندات الخزانة الأمريكية لأعلى مستوى في شهر، ما يعكس توقعات بتحسن النمو أو مخاوف تضخمية.
كما ستستفيد الشركات متعددة الجنسيات من خفض الرسوم، فيما تواجه دول مثل فيتنام والهند منافسة متجددة مع عودة الصين كمورد منخفض التكلفة.
خفض الرسوم قد يسهم في تقليص التضخم، لاسيما في الولايات المتحدة، مما يُقلّل الضغط على الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة. وإذا استقرت التجارة، قد تتبنّى البنوك المركزية العالمية سياسات أكثر مرونة لدعم النمو.
لكن حروب الرسوم التجارية تُمثّل تاريخاً من التعقيدات، ففي 2018 اتفق الطرفان على «تجميد» النزاع، لكن الولايات المتحدة تراجعت سريعاً، مما أدّى إلى تصعيد استمر 18 شهراً.
كما أن اتفاق المرحلة الأولى (2020) فشل جزئياً بسبب عدم التزام الصين بزيادة مشترياتها من الولايات المتحدة، وارتفاع العجز التجاري الأمريكي خلال الجائحة إلى 355 مليار دولار في 2022.
ولعل من أهم التخوفات بشأن صمود هذا الاتفاق هو مطالبة الصين بإلغاء جميع الرسوم الجمركية الأمريكية المُفروضة منذ 2023، بينما تُصرّ الولايات المتحدة على تقليص العجز التجاري، كما أن غياب آلية واضحة لفرض العقوبات في حال الانتهاك يُضعف فعالية الاتفاق الحالي.
إذا نجحت المفاوضات في حل نقاط الخلاف، قد نشهد عصراً جديداً من التعاون التجاري، مع إصلاحات في قضايا مثل المِلكية الفكرية والدعم الحكومي للشركات الصينية، لكنّ التاريخ يشير إلى أن الاتفاقات المؤقتة معرّضة للانهيار.
الاتفاق الأمريكي الصيني يُمثّل خطوة نحو استقرار مؤقت، لكنه لا يحلّ الجذور الهيكلية للصراع.
بينما يعزّز الآمال بتحسين المناخ الاستثماري العالمي، تظلّ المخاطر قائمة مع استمرار الخلافات حول العجز التجاري والسياسات الصناعية.
قد تكون الـ90 يوماً القادمة فرصة أخيرة لتجنّب عودة الحرب التجارية، أو مجرّد هدنة قصيرة في صراع طويل الأمد. السؤال الأكبر: هل يُمكن للعملاقين تحقيق توازن بين التنافس والتعاون دون إثارة زلزال اقتصادي عالمي؟
0 تعليق