في المناطق شديدة الجفاف، لم يعد الابتكار وتوسيع نطاق تقنيات التخضير خيارًا، بل أصبحا ضروريين لمكافحة التصحر بفعالية، واستعادة الأراضي المتدهورة، وضمان مرونة طويلة الأمد في الغذاء والمياه. وإلى جانب الفوائد البيئية، تُحقق هذه التقنيات مكاسب اجتماعية واقتصادية كبيرة من خلال إنعاش سبل العيش الريفية، وخلق فرص عمل خضراء، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وفقًا لمارييلي بو حرب، الشريكة في آرثر دي ليتل.
تُحدد الدراسة خمس تقنيات تحويلية: أنظمة الذكاء الاصطناعي لإدارة الأراضي بدقة، وأجهزة استشعار قائمة على إنترنت الأشياء تُمكّن من الحصول على تغذية راجعة آنية للبيئة، وإنتاج الفحم الحيوي لتجديد التربة، والتسميد الموضعي لتدوير المغذيات العضوية، والهندسة الوراثية حيثما كان ذلك مناسبًا اجتماعيًا وثقافيًا. تتميز هذه التقنيات ليس فقط بوعودها البيئية، بل أيضًا بمواءمتها مع الظروف الخاصة بكل منطقة، مثل الحرارة الشديدة، وندرة المياه العذبة، وهشاشة التربة. وقد تم تقييمها من خلال إطار عمل آرثر دي ليتل الاستشرافي الخاص، الذي يربط بين اتجاهات البحث العالمية وقابلية التطبيق على أرض الواقع.
وأضافت مارييلي بو حرب: "لا يكمن التأثير الحقيقي في تحديد التقنيات فحسب، بل في إعطاء الأولوية للتقنيات الواعدة والعملية، القائمة على أبحاث علمية رصينة، والمتكيّفة مع الواقع القاسي للبيئات شديدة الجفاف، والمدعومة باستثمارات متنامية وزخم سوقي. نركز على الحلول ذات الإمكانات الأكبر للتوسع حيث تشتد الحاجة إليها وعندما لا يعود بالإمكان تأجيلها".
في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، تكتسب حملات التشجير الوطنية وأهداف الاستعادة زخمًا متزايدًا. ويُعدّ تعهد المملكة العربية السعودية بزراعة 10 مليارات شجرة، ودورها القيادي في مبادرة الشرق الأوسط الخضراء (MGI) - التي تهدف إلى استعادة 200 مليون هكتار - دافعًا رئيسيًا للتجريب والابتكار. ومع ذلك، فإن التقدم ليس معزولًا. إذ تعمل الإمارات العربية المتحدة وقطر ودول أخرى على تطوير برامج تجريبية تُقدّم نماذج قابلة للتكرار عبر الحدود وعلى نطاق واسع.
قال خوان مورينو، مدير شركة آرثر دي ليتل: "تزدهر الابتكارات عندما توحد العقول بين رواد الأعمال والعلماء والمستثمرين والحكومة والمجتمعات المحلية، مما يؤدي إلى تعزيز التقنيات الخضراء التي تتجذر في تربة الشرق الأوسط، مما يؤدي إلى تنمية مستقبل مستدام للأجيال القادمة".
وقد بدأت تظهر نتائج ملموسة، بما في ذلك الري المعتمد على الذكاء الاصطناعي والذي يعمل على تحسين كفاءة المياه بنسبة تتراوح بين 40% و50%، والفحم الحيوي الذي يقلل الاعتماد على مدخلات المياه التقليدية، والتسميد الذي يزيد الغلة في التربة الفقيرة بالمغذيات، وشبكات الاستشعار التي تبسط جهود الترميم من خلال البيانات التنبؤية.
ولتعظيم الأثر، تدعو الدراسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة حول أربعة محاور رئيسية: مواءمة السياسات والاستثمار في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي والدول المجاورة في إطار مبادرات مثل MGI، وتوسيع أنظمة البحث والتطوير لتوطين التكنولوجيا العالمية الناشئة، وإنشاء مراكز إقليمية لتبادل الابتكارات وتطوير المهارات، وتمكين نماذج التمويل المختلط لتعزيز الحجم من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
مع تسارع ضغوط المناخ، يجب على المنطقة الانتقال من المشاريع التجريبية إلى التحول القابل للتطوير، كما أكد خوان مورينو. وأضاف: "يُعدّ هذا التقرير دليلاً عملياً لصانعي السياسات والمستثمرين والمبتكرين الملتزمين بعكس مسار تدهور الأراضي وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل".
يخلص آرثر د. ليتل إلى أن الإدارة المستدامة للأراضي في المناطق القاحلة لم تعد طموحًا مستقبليًا، بل أصبحت ضرورة اقتصادية وبيئية وجيوسياسية في عصرنا الحالي. الآن هو وقت العمل.
0 تعليق