
السبيل- أبدى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رغبته في تقليص الاعتماد على المساعدات الأمنية الأميركية تدريجيًا، وذلك خلال جلسة للجنة الأمن والخارجية في الكنيست، الأحد الماضي، في خطوة لافتة تأتي في ظل تصاعد التوتر بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي.
ونقلت صحيفة معاريف عن مصادر مطلعة أن نتنياهو قال خلال الجلسة: “نحصل على نحو 4 مليارات دولار سنويًا لشراء السلاح، وأعتقد أننا سنتجه إلى الاستغناء عنها، كما فعلنا مع المساعدات الاقتصادية”. ولم توضح الصحيفة أو نتنياهو أسباب هذا التصريح، إلا أن توقيته يحمل دلالات واضحة، خاصة في ظل تقارير عن فتور في العلاقة بينه وبين الرئيس الأميركي.
رسائل داخلية وضغوط خارجية
يرى المحلل السياسي هاني الدالي أن تصريح نتنياهو موجّه بالأساس إلى الداخل الإسرائيلي، ولا سيما إلى القوى اليمينية المتشددة التي تطالب بمزيد من الاستقلالية في القرار السياسي.
وأشار إلى أن التصريح يحمل أيضًا رسالة ضغط إلى واشنطن، مفادها أن “إسرائيل قادرة على تقليص اعتمادها على الدعم الأميركي”.
وأضاف أن العلاقة بين الطرفين “أعمق من مجرد دعم مالي”، إذ تقوم على شراكات استراتيجية واستخباراتية وتعاون صناعي عسكري طويل الأمد. ولفت إلى أن حصول إسرائيل على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة، مثل طائرات F-35 والمكونات العسكرية الحساسة، يُعدّ ركيزة لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة، متسائلًا عن مدى واقعية سيناريو وقف الدعم بشكل مفاجئ.
وأوضح الدالي أن أي محاولة إسرائيلية للاستغناء عن الدعم الأميركي ستواجه تحديات كبيرة، من بينها تعويض الذخائر الدقيقة والأنظمة الدفاعية، وصعوبة تصنيع البدائل محليًا في وقت قصير. وشدّد على أن “إسرائيل وُجدت في المنطقة كقلعة متقدمة لخدمة المصالح الأميركية والغربية”، وبالتالي فإن ارتباطها العضوي بواشنطن ليس مجرد خيار سياسي، بل جزء من بنيتها الاستراتيجية.
رؤية أمنية: استحالة الاستغناء الكامل
من جهته، أكد الخبير الأمني والعسكري رامي أبو زبيدة أن تصريح نتنياهو لا يمكن فصله عن التوتر مع الإدارة الأميركية، ولا عن الضغوط المتزايدة داخل واشنطن لدفع إسرائيل نحو تغييرات سياسية وحقوقية. واعتبر أن ما صدر عن نتنياهو “حديث رمزي أو مناورة سياسية يحاول من خلالها الظهور بمظهر الدولة القادرة على الاستقلال، في ظل الانتقادات الواسعة التي تواجهها حكومته”.
ونوّه أبو زبيدة إلى أن البنية العسكرية الإسرائيلية لا تزال تعتمد بشكل جوهري على الدعم الأميركي، لا سيما في مجال الذخائر الموجهة والأنظمة الدفاعية مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود، مشيرًا إلى أن إسرائيل غير قادرة على تعويض هذا الدعم، لا على المدى القصير ولا المتوسط ولا حتى البعيد، من دون دفع أثمان استراتيجية واقتصادية باهظة.
وأضاف أن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل ميزة تكنولوجية نوعية لا تُمنح لأي دولة أخرى، مثل طائرات F-35، إلى جانب تمويل مشترك للأبحاث الدفاعية ونظم الاعتراض، وتخزين استراتيجي للأسلحة داخل الأراضي المحتلة. وبالتالي، فإن أي محاولة لاستبدال هذا الدعم بدول أخرى أو عبر الصناعات المحلية ستواجه عقبات كبيرة من حيث الكلفة والتكنولوجيا والمخزون الاستراتيجي.
وأشار أبو زبيدة إلى أن أي تقليص أو توقف في الدعم الأميركي سيؤثر تدريجيًا على موازين القوى الإقليمية، وسينعكس سلبًا على قدرة إسرائيل على خوض حروب متعددة الجبهات، خصوصًا ضد قوى مثل المقاومة الفلسطينية أو إيران أو حزب الله.
كما أن هذا الفراغ، وفق رأيه، قد تستغله قوى إقليمية مثل روسيا أو الصين لتعميق تعاونها مع دول عربية وإيران.
ورأى أن هذا التصريح قد يشجع المقاومة على مواصلة بناء قدراتها، تحضيرًا لمعركة طويلة النفس، في ظل رهانها على إنهاك الاحتلال استراتيجيًا.
تكتيك لا إستراتيجية
ويُجمع الخبيران على أن ما صرّح به نتنياهو هو جزء من حرب نفسية ودبلوماسية، أكثر من كونه خطة تنفيذية قابلة للتطبيق. فرغم أن التصريح قد يحمل رسائل تكتيكية موجهة إلى الداخل والخارج، فإن ترجمته إلى واقع ستُحدث تحولًا خطيرًا في جاهزية الجيش الإسرائيلي، وستؤثر على مبدأ التفوق النوعي المدعوم أميركيًا، ما قد يُغيّر معادلات الردع في المنطقة.
0 تعليق