انتهيت من حضور إحدى الفعاليات قبل أيام، كانت الأمسية طويلة وهادئة، لكن في طريقي للعودة تغير كل شيء، اضطررت لسلوك شارع يمر عبر منطقة تجمع بين مساكن متفرقة وبعض الورش الصناعية، إضاءة الشارع كانت خافتة، والصمت لا يقطعه سوى أصوات عدد من العاملين يقفون أمام أحد المحلات.فجأة لفت انتباهي مشهد غريب وسط هذا الجو الليلي؛ طفلان صغيران، لا يتجاوز عمر الكبير منهما خمس سنوات، يسيران وحدهما على الرصيف قرب الورش الصناعية، أحدهما يجر الآخر بيده الصغيرة، بينما يحاول الثاني مجاراته بخطواته المرتبكة، لا مرافق ولا شخص بالغ، فقط طفلان في وقت متأخر بمكان غير آمن ومحيط لا يرحم.توقفت لبرهة وتساءلت؛ كيف يمكن لأبوين أن يتساهلا في السماح لأطفالهما بالخروج في هذا الوقت؟ بل كيف تترك هذه الكائنات الصغيرة في منطقة صناعية يعج بعضها بمخاطر الآلات، والشاحنات والغرباء؟ ماذا لو اقتربت سيارة، دون أن تراهم؟ ماذا لو توقف أحدهم وأخذهم؟ ماذا لو...؟الأطفال لا يملكون حس التقدير للمخاطر، فهم كائنات ناعمة هشة، يصدقون من يبتسم، وقد يتبعون من يلوح لهم بقطعة حلوى، وهم قبل كل شيء أمانة، لذلك فإن اللامبالاة في عالم مليء بالذئاب البشرية والمخاطر اليومية ترتقي لتكون جريمة.الطفولة ليست مجرد مرحلة من مراحل عمر الإنسان؛ هي النواة واللبنة الأولى لتشكيل الشخصية، لذلك فإن أي كسر في هذه المرحلة يبقى أثره مدى الحياة، وكل صدمة أو خوف أو لحظة يشعر فيها الطفل بعدم الأمان، لا شك أنها ستترك ندبة تعيش في داخله إلى الأبد.من المهم أن يعي الأهل أن دورهم لا ينتهي عند الإطعام والتعليم، بل يبدأ بالمراقبة ولاحتضان والتنبه لكل تغيير قد يطرأ على الطفل؛ هل أصبح الطفل أكثر انطواءً؟ هل يتكرر عليه كابوس ليلي؟ هل تغير مزاجه فجأة؟ كل إشارة هي جرس إنذار يجب ألا يهمل.نحتاج كأهالي إلى أن نكون الحصن الذي لا يخترق، ولا نترك أطفالنا فريسة لتجارب لا يتحملونها، ولا نستهين بخروجهم وحدهم أو بوجودهم في أماكن لا تناسب براءتهم، لأن كل غفلة قد تكون بداية مأساة.إضاءة..لعل من أبشع القصص التي اختزلت قسوة الإهمال، ما حدث للطفل المصري «ياسين»، الذي تعرض لانتهاك وحشي من أحد العاملين في مدرسته، هذه المدرسة التي من المفترض أن تكون بيتاً ثانياً تحولت إلى كابوس.ألم يكن من الممكن إنقاذه لو لاحظ الأهل التغير في سلوكه باكراً؟ أو لو تحدث معهم عن مخاوفه؟ أو لو كان هناك من يصغي له فعلاً؟
إنهم أمانة.. فلنحافظ عليهم

إنهم أمانة.. فلنحافظ عليهم
0 تعليق