loading ad...
توسعت العمليات الإسرائيلية في سورية بعد سقوط نظام الأسد، بهدف إنشاء مناطق نفوذ وضمان أمنها، على الرغم من أن النظام الجديد، بقيادة أحمد الشرع، أبدى استعداداً للتعاون وتطبيع العلاقات. استمرار التصعيد الإسرائيلي من دون رؤية إستراتيجية يهدد بتأجيج تمرد محلي، ويفوت على إسرائيل فرصة عزل إيران وتحقيق استقرار إقليمي فعلي.اضافة اعلان
* * *
ازداد النشاط العسكري الإسرائيلي في سورية عدوانية في الأشهر التي أعقبت انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. فقد استولى الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي أنشئت بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، التي كانت تخضع لرقابة الأمم المتحدة. كما نفذ أيضاً ضربات ممنهجة ضد البنية التحتية السورية، فقصف شبكات الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة، وأنظمة الصواريخ، والقدرات الاستخباراتية، وأقام تسعة مواقع عسكرية جديدة. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مراراً، أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في سورية "إلى أجل غير مسمى". وفي آذار (مارس) الماضي، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال عقد تحالفات مع الأقليات داخل سورية، بالإضافة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلاً تمتد من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق.
يمثل كل هذا تحولاً جذرياً عن نهج إسرائيل الحذر تجاه جارتها الشمالية الشرقية. لطالما رأت إسرائيل أن بإمكانها التعايش مع نظام الأسد والسيطرة على سلوكه. وحين بدأ الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية بعد انهيار النظام في كانون الأول (ديسمبر) 2024، كان الهدف منها في البداية منع وقوع القدرات العسكرية الحساسة في أيدي جهات غير معروفة أو غير موثوقة. واليوم، تبدو مخاوف إسرائيل من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، مفهومة، نظراً إلى تاريخه السابق مع جماعات إرهابية، خاصة أن لقبه العسكري السابق، "الجولاني"، قد يعكس رغبته في تحرير مرتفعات الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل أصبحت تبالغ في تدخلها. بعد دخوله دمشق، سارع النظام السوري الجديد إلى تأكيد عدم رغبته في الدخول في صراع مع إسرائيل، بل وطرح احتمال تطبيع العلاقات. صحيح أن من الواجب الحكم على هذا النظام من خلال أفعاله وليس أقواله فحسب، لكنه في الوقت الراهن يقدم لإسرائيل فرصة ثمينة لعزل إيران، وتحويل سورية من خصم إلى جار مسالم، وتحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي.
وعلى الرغم من أن المخاوف الأمنية الحقيقية هي من بين دوافع السلوك الإسرائيلي في سورية، فإن هناك أيضاً رغبة واضحة لدى القيادة الإسرائيلية في إثبات القوة والعزيمة، سواء أمام جيرانها أو أمام جمهورها الداخلي الذي ما يزال يعاني من صدمة فشل الحكومة في حماية حدود البلاد في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وإذا انساقت القيادة الإسرائيلية خلف رغبة التصعيد والتوسع العسكري، فإنها قد تخلق عدواً جديداً لا وجود له حالياً. كما أنها ستفاقم التوتر مع تركيا، مما قد يدفع البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية لا داعي لها. بدلاً من ذلك، ينبغي على إسرائيل أن توضح أن تدخلها الميداني مؤقت، وأن تسهم في التخفيف من الأزمة الإنسانية في سورية، وتتوقف عن تقويض الجهود التركية الهادفة إلى مساعدة الشرع في دعم استقرار البلاد ومواجهة النفوذ الإيراني. كذلك، ينبغي على إسرائيل أن تكون مستعدة للعمل مع دمشق، ما دامت الأخيرة لا تقوم بأعمال أو تدعم أطرافاً من شأنها تهديد أمنها.
تحول في التوجه
على مدى نحو ربع قرن من حكم الأسد، أصبحت سورية جزءاً لا يتجزأ مما يعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران. وعمل الأسد على توثيق تحالفه الاستراتيجي مع "حزب الله"، وأسهم في تحويله إلى قوة مسلحة خطرة من خلال منحه الوصول إلى ترسانة الأسلحة السورية والقدرات الإستراتيجية التي حصل عليها من روسيا، بما في ذلك صواريخ باليستية متقدمة وأنظمة دفاع جوي. وقد تركت حرب العام 2006 ضد "حزب الله" أثراً عميقاً في الوعي الإسرائيلي، إذ اعتبر الحزب تلك الحرب انتصاراً له، بينما قضت إسرائيل العقد التالي وهي محجمة عن محاولة تفكيك هذا التحالف. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011، سعت إسرائيل إلى منع ترسيخ موطئ قدم لإيران و"حزب الله" داخل الأراضي السورية من خلال ما سمته "الحملة بين الحروب"، وهي سلسلة من العمليات العسكرية التي ركزت أساساً على منع تهريب الأسلحة إلى لبنان. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن دعمها أياً من أطراف الصراع، فإن قادتها فضلوا بقاء الأسد، واعتبروه في أحاديثهم الخاصة "الشيطان الذي نعرفه"، وحرصوا على ألا تؤدي جهودهم في مواجهة النفوذ الإيراني إلى زعزعة حكمه.
لم يتبدل نهج إسرائيل في سورية على الفور في أعقاب هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. غير أن هذا الهجوم المدمر أطلق العنان للتغيير. فقد كشف الهجوم عن أن إسرائيل أساءت تقدير نوايا وقدرات الخصم، وكان من الواضح أن أجهزة الأمن في البلاد اعتمدت أيضاً بصورة مفرطة على المراقبة الإلكترونية لتأمين الحدود مع غزة. وكان الدرس الذي تعلمه كثير من المسؤولين الإسرائيليين هو أن استراتيجيتهم "الهدوء مقابل الهدوء"؛ أي غض الطرف عن الاستفزازات الصغيرة لتجنب الصراع الكبير، قد منيت بالفشل. ونتيجة لذلك، غير الجيش الإسرائيلي عقيدته على طول حدود إسرائيل، فراح يركز على العمل الاستباقي وإيجاد ما يسمى المناطق العازلة داخل أراضي الخصوم.
على مدار الأشهر الـ18 الماضية، ازدادت رغبة إسرائيل في ترسيخ المناطق العازلة. في آذار (مارس) الماضي، صرح وزير الدفاع، كاتس، بأن العمليات البرية الموسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جزئياً، إلى "الاستيلاء على أراض واسعة" تضاف بشكل دائم إلى "المناطق الأمنية لدولة إسرائيل". وفي لبنان، وعلى الرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، ومع أن حكومة جديدة أقل تأييداً لـ"حزب الله" قد تولت زمام الأمور في بيروت في شباط (فبراير) الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي ما يزال متمركزاً في خمس نقاط إستراتيجية قرب الحدود، بهدف طمأنة المجتمعات الإسرائيلية الحدودية بأنها لن تُترك من دون حماية مرة أخرى.
على الرغم من أن حملة إسرائيل الفتاكة ضد "حزب الله" وجهودها الرادعة ضد إيران، إضافة إلى انشغال روسيا في أوكرانيا، قد تركت الأسد بلا حماية، فإن انهيار نظامه فاجأ إسرائيل. وقد اضطرت إسرائيل إلى تطوير استراتيجية جديدة حول سورية على الفور، فتحركت حالاً لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات العسكرية ومستودعات الصواريخ، وعززت تحصيناتها الحدودية، واستولت على المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة والبالغة مساحتها 145 ميلاً مربعاً. كما أقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سورية، وشق طرقاً للوصول إليها، وحفر خنادق، ونشر مئات الجنود هناك.
بداية خاطئة
على الرغم من ذلك، فإن هذا النهج لا يحمل كثيراً من القيمة الإستراتيجية في الحالة السورية، بخلاف ما هو عليه في لبنان، إذ إن النظام السوري الجديد لا يشكل تهديداً وشيكاً لإسرائيل. وقد ظلت الحدود السورية الإسرائيلية هادئة طوال فترة الحرب على غزة، ولم تجبَر المجتمعات الإسرائيلية القريبة منها على النزوح. كما شدد القادة الجدد في دمشق، مراراً، على نيتهم إشراك الأقليات والعلمانيين في الحكم، وبذلوا جهوداً لكسب ثقة الأطراف الغربية. وتخلى نظام الشرع عن الخطاب الرسمي المعادي لإسرائيل، بل تعهد باحترام اتفاق فصل القوات الذي أبرمته سورية مع إسرائيل في العام 1974، الذي نص على وقف إطلاق نار مفتوح الأجل. وقال الشرع في كانون الأول (ديسمبر): "لا نريد أي صراع، لا مع إسرائيل ولا مع غيرها"، مضيفاً "لن نسمح باستخدام سورية كنقطة انطلاق لأي هجمات".
ما يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيلتزم الشرع بهذه الوعود، ولكن عوضاً عن التريث وتقييم الموقف، بدأ كثير من القادة الإسرائيليين في التعامل مع حكومته كما لو أنها عدو محتمل حتمي. وفي أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2024، غزت قوات الجيش الإسرائيلي منطقتين إضافيتين على الأقل داخل الأراضي السورية، خارج نطاق المنطقة العازلة، ورفعت وتيرة وقوة ضرباتها في عمق سورية، على الرغم من أن وتيرة الهجمات انخفضت خلال الأسبوعين الأخيرين. وتقول إسرائيل إن بعض هذه العمليات تهدف إلى حماية الأقليات، ولا سيما الدروز، الذين يعتبرون حلفاء محتملين. لكن كثراً من أبناء الطائفة الدرزية السورية يشككون في صدق نيات إسرائيل، ففي منتصف آذار (مارس)، اندلعت احتجاجات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، اتهم خلالها قادة دروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. ويبدو أن مساعي إسرائيل إلى بناء تحالفات مع الأقليات غير السنية تتعارض مع تطلعات معظم السوريين المنهكين من الحرب، الذين يطمحون إلى بلد موحد ومستقر.
في غضون ذلك، يصر نتنياهو على ضرورة "نزع السلاح" من كامل الأراضي السورية الواقعة جنوب دمشق، وهو هدف يصعب على الشرع قبوله، حيث سيعني تحقيقه عملياً التخلي عن السيطرة على تلك المنطقة. وتسعى إسرائيل إلى تقويض سلطة الشرع عبر الضغط على الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات المفروضة على سورية، والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الحفاظ على قواعدها العسكرية هناك. ويبدو هذا الانفتاح الإسرائيلي على روسيا محيراً، نظراً إلى أن التدخل الروسي لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمن كان من أبرز العوامل التي عززت النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
يمثل انعدام ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء نواياه الحقيقية. وفي آذار (مارس) الماضي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بأن أعضاء فريق الشرع "كانوا جهاديين وما يزالون جهاديين، حتى لو ارتدى بعض قادتهم البدلات الرسمية". ومع ذلك، تعول إسرائيل على موقف الشرع المعادي لإيران في منع طهران من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. وعلى الرغم من أن تقويض سلطة الشرع قد يعزز سيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة في المدى القصير، فإن مصلحتها الإستراتيجية على المدى الطويل تكمن في وجود سورية مستقرة.
كذلك، تعمل إسرائيل على إحباط محاولات تركيا ترسيخ نفوذها في سورية، ولذلك أفشلت جهود أنقرة لإعادة بناء قدرات الجيش السوري من خلال قصف قواعد جوية كانت تركيا تسعى إلى السيطرة عليها. وتصاعد في الخطاب الرسمي الإسرائيلي تصوير تركيا كخصم. فقد أشار تقرير حكومي صدر في كانون الثاني (يناير) الماضي عن لجنة مكلفة مراجعة موازنة الدفاع إلى "التهديد التركي"، مدعياً أن تركيا تسعى إلى تحويل الجيش السوري إلى "وكيل تركي في إطار حلمها بإعادة تاج الدولة العثمانية إلى سابق عهده"، وهو ما "يزيد من خطر نشوب مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل". وفي أواخر آذار (مارس) الماضي، نشر ساعر تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي وصف فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه "معادٍ للسامية" و"يشكل تهديداً للمنطقة".
يبدو أن القادة الإسرائيليين مصرون على تصور بلادهم كدولة مهددة، ويميلون إلى استبدال تهديد تركي جديد مفترض بالتهديد المتراجع الذي شكلته إيران وحلفاؤها. وقد أسهم أردوغان في توتير العلاقات، حيث شبه نتنياهو بهتلر في العام 2024، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. وتسعى أنقرة إلى ضم سورية إلى دائرة نفوذها، مما قد يحد من حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية، ويقرب القوات التركية من حدود إسرائيل. ومع ذلك، ليست تركيا خصماً لإسرائيل، فكلا البلدين حليف للولايات المتحدة، ويجمع بينهما تعاون اقتصادي وأمني قوي، وعلى إسرائيل أن تتجنب استعداء أكبر قوة عسكرية في الـ"ناتو" في وقت تخوض فيه حرباً متعددة الجبهات.
تكلفة الفرصة الضائعة
يعكس موقف إسرائيل بالتأكيد عقلية البلد الأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي في مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، إلا أن ثمة دوافع داخلية أيضاً لهذا الموقف. إن قاعدة نتنياهو السياسية تستمتع برؤية منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر دبابات الجيش الإسرائيلي وهي تجوب سورية. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن ائتلاف نتنياهو يأمل في أن يؤدي توفير الحماية للدروز في سورية إلى استمالة أفراد من الطائفة الدرزية الإسرائيلية، وكسب تأييدهم. وهؤلاء الدروز مواطنون إسرائيليون مخلصون يخدمون في الجيش الإسرائيلي، ومع ذلك يعانون من التمييز مقارنة بالغالبية اليهودية في البلاد.
بيد أن نهج إسرائيل في سورية قد بدأ يأتي بنتائج عكسية سلفاً. ففي الثاني من شباط (فبراير) الماضي، صرح وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، لصحيفة "واشنطن بوست" بأن توغلات الجيش الإسرائيلي تشكل "انتهاكاً في حق الشعب السوري". ويعد هذا التصريح تحولاً عن التوجه الذي اتبعه نظام الشرع في البداية، والمتمثل بعدم انتقاد إسرائيل. وعبر عن امتعاضه من تجاهل إسرائيل للدور الذي لعبه الشرع في ردع إيران، العدو المشترك، قائلاً: "كانت لديهم مشكلة مع إيران، ونحن أنقذناهم منها". وعلى مدى أشهر، امتنع الشرع عن انتقاد السلوك التصعيدي الإسرائيلي، وهو ما كان يمكن أن يعد مؤشراً إيجابياً من جانب إسرائيل. ولكن في آذار (مارس) الماضي، بدأ الشرع بنفسه في التعبير عن غضبه، واصفاً التحركات الإسرائيلية بأنها "توسع عدواني".
في أواخر آذار (مارس) ومطلع نيسان (أبريل) الماضيين، تعرضت قوات الجيش الإسرائيلي في سورية إلى إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين. وإذا بقيت إسرائيل على موقفها العدواني، فقد يسمح الشرع -الذي يسعى إلى كسب تأييد الأقليات السورية- أو حتى يدعم هجمات هذه الجماعات المسلحة على القوات الإسرائيلية، وبذلك يؤدي السلوك الإسرائيلي إلى تحقق الاعتقاد المسبق بأن النظام السوري الجديد يكن العداء لتل أبيب. وقد يؤجج الاستياء من وجود الجيش الإسرائيلي في سورية احتمالات التمرد، وهو ما من شأنه أن يدفع الجيش الإسرائيلي إلى التوغل أكثر داخل الأراضي السورية.
إذا حافظت الحكومة السورية الجديدة على اعتدالها واستطاعت أن ترسخ سلطتها، فإن المكاسب المحتملة لإسرائيل ستكون كبيرة. سيكون لديها جار مستقر لا يدين بالولاء لإيران، ويتمتع بجيش فعال يمكنه معالجة التهديدات الصادرة عن الجماعات المتطرفة بنفسه. وإسرائيل ليست مراقباً سلبياً لمسار السياسة السورية، إذ يمكنها تشجيع اعتدال الشرع عبر الترحيب بإشارات الانفتاح القادمة من دمشق، مثل اعتقال اثنين من كبار قادة حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية في21 نيسان (أبريل). وبالإضافة إلى ذلك، على إسرائيل أن تعلن، بصورة واضحة، أن تقدمها العسكري على الأرض هو إجراء مؤقت حتى تتمكن قوة مسؤولة من تأمين الجانب الآخر من الحدود. وإلى أن تمتلك دمشق هذه القدرة، ينبغي لإسرائيل أن تقلص من احتكاكها بالسكان والحكومة الجديدة، من خلال تقليص وجودها العسكري العلني والتواصل مع فريق الشرع عبر قنوات سرية. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تستثمر إسرائيل المكاسب التي حققتها لتأمين حدودها مع سورية عبر السعي إلى إبرام اتفاق دبلوماسي يضمن حماية الطائفة الدرزية في سورية ونزع السلاح من مرتفعات الجولان.
يجب على إسرائيل أيضاً أن تغير نهجها حيال تركيا. في اجتماع مع نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأردوغان، ودعا البلدين إلى إصلاح علاقتهما. ولكن إذا نفذ ترامب نيته سحب القوات الأميركية من سورية، فقد يترك ذلك إسرائيل وتركيا وهما تتنازعان على البلد من دون إشراف جهة تتسم بالنضج. وقد بدأت في التاسع من نيسان (أبريل) الماضي جولة من المحادثات بين إسرائيل وتركيا بوساطة أذربيجان. وينبغي على إسرائيل استخدام هذه المناقشات ليس فقط لوضع آلية لفض النزاع، بل أيضاً لخفض التوترات بصورة عامة.
يشبه نهج إسرائيل الحالي الجهود التي بذلتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي حين أنشأت منطقة أمنية في جنوب لبنان، وأسفرت عن اندلاع حرب استنزاف عمقت التذمر اللبناني وسهلت على "حزب الله" السيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في العام 2000. يجب على إسرائيل ألا تكرر هذا الخطأ. وينبغي على الحكومة الإسرائيلية التعاون بشكل أمتن مع شركائها الإقليميين والدوليين بهدف منع سورية من الوقوع مجدداً في الفلك الإيراني، وتعطيل بقايا الأسلحة البيولوجية والكيماوية المتبقية من عهد الأسد وإزالتها. وبوسع إسرائيل أيضاً أن تخفف الأزمة الاقتصادية في سورية من خلال المساعدة على تزويد البلاد بالطاقة والغذاء والمياه. وسوف يساعد هذا على تأمين النفوذ الإقليمي الذي تريده حقاً، ويقدم لإسرائيل فائدة أكبر مما تفعله لها مجرد توغلات عسكرية استعراضية ليست لها إستراتيجية دبلوماسية تدعمها.
*شيرا عفرون هي مديرة البحوث في منتدى السياسة الإسرائيلية وزميلة أولى في مؤسسة ديان وغيلفورد غليزر. داني سيترينوفيتش زميل باحث ضمن برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي. مترجم عن "فورين أفيرز" 23 نيسان (أبريل) 2025.
0 تعليق