جاء سقوط دمشق في 2024 كشرخ رابع في نظرية الأمن القومي العربي، بعد سقوط ليبيا على يد طائرات الناتو في 2011.. وبغداد على يد المحتل الأمريكي في 2003.. وبعد احتلال العراق للكويت عام 1990، ثم تشكيل التحالف الدولي بقيادة أمريكا لإخراج العراق من الكويت ووضعه تحت الحصار من 1991 وحتى مهاجمته واحتلاله رسميا في 2003.
سقوط دمشق كان غريبا في حدوثه فللمرة الأولى يكون سقوط عاصمة عربية ليس بيد احتلال أجنبي مباشر من دولة هي الأقوى على وجه الأرض "أمريكا"،أو بيد تجمع من دول حلف "الناتو" التي نفذت حظرا جويا على ليبيا في 2011 بعد مؤامرة أصبحت أسبابها معروفة خاصة من "ساركوزي" مثلا وآخرين، ليتم تدمير الطيران الليبي ومن ثم سقوط طرابلس
وللمرة الأولى منذ استقلال الدول العربية نجد دولة سقطت في يد فصائل مسلحة وكيانات صنفت في السابق إرهابية من قبل أمريكا والغرب وسط تهليل وترحيب أمريكي غربي أوروبي وللأسف داخلي، لا أتحدث هنا عن سقوط نظام بشار الأسد، فالقاصي والداني من العرب ومن خارجهم يعرف أن البعث هو أسوأ نظام حكم شهده العرب طوال تاريخهم منذ بدء الخليقة، وانا هنا أحاول تخفيف الكلام ولهجته وحدته
لكن ما يشغلني كمصري وكعربي وككاتب صحفي ومحلل سياسي، هو ما حدث من انهيار للدولة ومؤسساتها، وعلى رأسهم الجيش السوري، فقد اختفى الجيش السوري تماما من أنحاء سوريا فاتحا الطريق امام الفصائل المسلحة، كما فعل نظيره العراقي مرتين مرة في 2003 أمام الأمريكان، ومرة أخرى أمام تنظيم داعـش، ولكن الجيش السوري تفوق في وقت ومعدل اختفائه بشكل لا يصدق ولم يعرف في أي وقت، فقد انسحب من كل المواقع بدون أن يشتبك أو يطلق طلقة واحد تعيق تقدم الفصائل المسلحة.
ما يشغلني هو مستقبل سوريا تحت حكم الفصائل المسلحة والتي كانت أمريكا ودول الغرب تصنفها إرهابية، والتي ستكون مركز تجمع لمنتخب وصفوة إرهابيي العالم، فالناس تنسى ولا تذكر أن الجولاني كان مطلوبا لأمريكا بمكافأة قدرها 10 ملايين دولار في 2017 أي منذ 7 سنوات فقط، فما الذي تغير ليصبح من إرهابي مطلوب إلى قائد ما تم تسميته حركة تحرير، كيف يمكن لفصائل لم تعرف يوما ولم يدربها صانعوها وأسيادها إلا على ثقافة الهدم والقتل، وكسر كل منتج حضاري وقيمي وفني وأدبي بدعوى مخالفة الشرع والدين الذي يفسرونه على المزاج والكيف والهوى، أن يديروا دولة بحجم وقيمة سوريا ويقودوا شعبها للبناء والتقدم والتطور والنمو.
قد يجوز للبعض أن يفرح بسقوط نظام بشار الذي كان أمامه فرصة ذهبية لإعادة بناء سوريا والدولة منذ أن استعاد حلب في 2015 وأعاد بسط سيطرة الجيش على معظم أنحاء الدولة في 2016 ولم يفعل طوال 8 سنوات خوفا منه أن يتم الانقلاب عليه، لم يدرك أنه كان في إمكانه فتح وبناء عهد جديد في سوريا ومع كل أبنائها، وأن يتحدوا مع الجيش ليطردوا الفصائل الإرهابية، بدلا من تركها في إدلب لتعيد تنظيم وتكوين نفسها لتنقض على الدولة، بعد أخذ الأذن واختيار التوقيت الذي شارك فيه دول كبرى ودولة الكيان إسرائـيل ومعهم الأغوات بعد حرب غـزة، والحرب على لبنان وتحجيم قدرات حـزب الله، وانشغال روسـيا في حرب أوكرانيا لتكون سوريا هدفهم لتكوين أكبر مركز تجمع للفصائل الإرهابية.
لتدرك يا عزيزي فداحة ما نحن بصدده ويتم العمل عليه وهناك من يهلل لهذه الفصائل المسلحة، ففي نفس يوم إعلان سقوط دمشق وبعد ساعات أقل أصابع اليدين، أعلنت دولة الكيان من خلال نتنياهو، انهيار اتفاق «فض الاشتباك» لعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان، وأنه أمر الجيش بـ«الاستيلاء» على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، وذلك عقب سقوط بشار الأسد، نتنياهو قال إن الاتفاق الذي أبرم مع سوريا في العام 1974 «انهار وتخلى الجنود السوريون عن مواقعهم»، وأنه أمر جيشه بـ«السيطرة على هذه المنطقة العازلة ومواقع القيادة المجاورة لها، ولن نسمح لأي قوة معادية بأن تستقر على حدودنا»
وحتى تعرف أكثر، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية أعلنت أن قوات الكيان توغلت وسيطرت على مساحات ما بين 15 كيلو متر و20 كيلو مترا داخل الحدود السورية وهذا بدلا من أن تقوم الفصائل المسلحة التي تدعي أنها حامية الإسلام والدين، بمحاربة العدو المعروف لأصغر طفل في اي دولة عربية، والذي يحتل منطقة الجولان السورية التي أخذ منها أحمد الشرع قائد قوات الفصائل لقبه «الجولاني».. «يارب نكون فهمنا».
أما بالنسبة للناس اللي كانت قد ظهرت أمس وهي تقول عقبال مصر، فأقول لهم خسئتم وخابت أمانيكم ولا بارك الله لكم في دعوة أو تمني، وكما نقول في مصر «فال الله ولا فالك»، فنحن كمصريين من الممكن نختلف مع أبناء بلدنا ومع المسؤولين نقول أنهم على خطأ نصرخ بعلو صوتنا ونقول «يا ناس فيه مشكلة هنا محتاجة تتحل»، هذا طبيعي وعادي ويحدث في أي وقت.. إنما أن نستعدي إرهابيين على بلدنا، أو أن ننتظر في يوم أن نرى جيش بلدنا يجري أو يختفي مثل ما حدث في دول عربية أمام مجموعة فصائل وإرهابيين، فهذا ليس فقط مستحيل بل من رابع وعاشر وآخر المستحيلات.
فوقتها ستجدنا في ظهر بلدنا وقيادتنا وجيشنا رجال ونساء.. شباب وشيوخ.. شباب وبنات وحتى أطفال، فنحن قد شرفنا وأكرمنا الله أننا جئنا إلى الحياة وولدنا على هذه الأرض الطاهرة الأبية والتي هي وأهلها في رباط إلى يوم القيامة، فليس لنا غيرها، وأبدا في أي وقت أو في أصر فإن المصري لم يترك أرضه وبلده ولا عمره كان لاجئا يستجدي المكان والأمان واللقمة من غيره.
فالمصريون لا يتركون أرضهم وجيشهم، و«برضه زي ما احنا ما بنقول في ضهرهم ومعاهم لأخر نفس يا نعيش احنا الكل.. يا نموت أحنا الكل على أرض مصر»، فلا مصير ولا اختيار آخر أو ثان.. ولو أن شهداء مصر الأحياء عند ربهم يرزقون تكلموا كانوا قالوا لكم نفس الكلام الذي كتبته.. حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.
0 تعليق