الأحد 22/ديسمبر/2024 - 12:17 م 12/22/2024 12:17:04 PM
حرب تشتعل بين أيرلندا وإسرائيل، أغلقت بمقتضاها تل أبيب سفارتها في دبلن، وهاجم وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، انتقادات الرئيس الإيرلندي، مايكل هيجينز، واصفًا إياه بأنه (كذاب مُعادٍ للسامية)، لقوله، إن إسرائيل تنتهك السيادة اللبنانية والسورية واتهم دون دليل، في نظر جدعون ـ الدولة العبرية بالسعي إلى إقامة مستوطنات في مصر.. وقد دافع جدعون عن قراره بإغلاق السفارة الإسرائيلية في أيرلندا، بأن دبلن (شجعت) معاداة السامية في عهد رئيس وزراء، اتهمه بكراهية اليهود.، وردًا على ذلك، قال هيجينز يرى أن (وصم شعب ما بأنه دولة إسرائيل، هو أمر خطير للغاية، لأنه في الواقع لا يتفق مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي ينتهك العديد من مواد القانون الدولي، والذي خرق سيادة دول ثلاث من جيرانه، فيما يتصل بلبنان وسوريا، ويرغب في التوصل إلى تسوية في مصر، بإقامة متوطنة في سيناء).. وأضاف هيجينز، خلال مراسم تقديم أوراق اعتماد السفيرة الفلسطينية، جيلان عبد المجيد، (أعتقد أن القول بأن انتقاد رئيس الوزراء نتنياهو يعني معاداة السامية، هو تشويه سمعة وافتراء صارخ).. وكانت أيرلندا واحدة من أبرز منتقدي إسرائيل طوال الحرب في غزة، التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023.. واتهم هيجينز التحركات الدبلوماسية الإسرائيلية بأنها (جزء من نمط يهدف إلى الإضرار بأيرلندا)، دون الخوض في التفاصيل.
في مايو الماضي، استدعت إسرائيل سفيرها لدى أيرلندا، بعد أن أصبحت دبلن واحدة من ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، أعلنت أنها ستعترف من جانب واحد بدولة فلسطينية.. ولم تستدع أيرلندا سفيرها لدى إسرائيل.. وفي نوفمبر، أقر البرلمان الأيرلندي اقتراحًا غير مُلزم، ينص على أن (إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية أمام أعيننا في غزة).. وفي الأسبوع الماضي، صوَّت مجلس الوزراء الأيرلندي على الانضمام إلى القضية التي تتهم إسرائيل بارتكاب (إبادة جماعية) أثناء حربها مع حماس في غزة، والتي رفعتها جنوب إفريقيا أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي العام الماضي.. وفي بيان جديد باللغة الإنجليزية، رد ساعر، (إنه كذاب معادٍ للسامية.. إنه كذاب معاد] للسامية)، واستمر في الدفاع عن تصرفات إسرائيل على الجبهات الثلاث، قائلًا، (من الأراضي اللبنانية، تم انتهاك سيادة إسرائيل لأكثر من عام.. وبدون أي سبب أو استفزاز، انضم حزب الله إلى حماس، ومنذ ذلك الحين أطلق عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار على المواطنين والتجمعات الإسرائيلية.. لقد فعلت إسرائيل ما تفعله أي دولة.. دافعت عن نفسها ضد معتدٍ وحشي).
وصعَّدت إسرائيل من حربها ضد الجماعة (الإرهابية) ـ على حد وصف جدعون ـ في سبتمبر، بعد ما يقرب من عام من الهجمات عبر الحدود، حيث أرسلت قوات برية عبر الحدود إلى جنوب لبنان، لتفكيك مواقع حزب الله، وشنت حملة جوية عدوانية أسفرت عن مقتل عدد كبير من كبار قادة الجماعة الإرهابية، بما في ذلك زعيمها حسن نصر الله.. وكان الهجوم يهدف إلى إبعاد حزب الله عن الحدود وجعلها آمنة، لعودة عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في شمال إسرائيل، إلى أن دخل وقف إطلاق النار الهش بين الجانبين حيز التنفيذ، نهاية شهر نوفمبر الماضي.
وفيما يتعلق بسوريا، حيث أسقط المتمردون نظام بشار الأسد هذا الشهر، في هجوم خاطف، ادعى ساعر إن (مجموعات مسلحة دخلت المنطقة العازلة، وهاجمت قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك)، منتهكة بذلك اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.. وقال إن إسرائيل دخلت المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، بعد أن سيطرت الجماعات المتمردة في سوريا على دمشق في الثامن من ديسمبر، (لمنع تهديد الإسلاميين المتطرفين ضد مواطنيها ومجتمعاتها.. إن إسرائيل لن تنتظر هجومًا آخر يشبه ما فعلته حماس في السابع من أكتوبر على أي من حدودها).. وقالت إسرائيل إن الاستيلاء على المنطقة العازلة، هو خطوة دفاعية مؤقتة لن تستمر، إلا إلى حين ضمان الأمن على طول الحدود، وإنها لا ترغب في الانخراط في الصراع في سوريا.
وفيما يتعلق بما أسماه ساعر (مزاعم الرئيس الأيرلندي)، بشأن الاستيطان في مصر، رد وزير الخارجية الإسرائيلي، (لقد اخترع هيجينز الادعاء بأن إسرائيل تسعى إلى إقامة مستوطنات هناك.. وفي إطار اتفاق السلام مع مصر، انسحبت إسرائيل من منطقة ضخمة.. كل صحراء سيناء واقتلعت كل مجتمعاتها هناك.. وقد تم الحفاظ على اتفاق السلام هذا منذ عام 1979).. ثم لم ينس أن يُعِّير هيجينز، بفشل أيرلندا في الانضمام إلى الحلفاء في القتال ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، (لا ينبغي لنا أن ننسى أن أيرلندا كانت في أفضل الأحوال محايدة أثناء الحرب العالمية الثانية.. في ذلك الوقت، كان العالم الحر يُقاتل محور هتلر، بينما كانت أيرلندا تقف على الحياد ولم تفعل شيئًا).. إلا أن دبلن، منذ ذلك الحين، أكدت أن البلدين سوف يحافظان على العلاقات الدبلوماسية، وإنه لا توجد خطط لإغلاق سفارة أيرلندا في إسرائيل.. واعتبر رئيس وزراء أيرلندا، سيمون هاريس، أن إسرائيل بمحاولة إسكات بلاده على خلفية موقفها الرافض للحرب على قطاع غزة، تتبع (دبلوماسية تشتيت الانتباه).. وقال إن تل أبيب لن تسطيع إسكات بلاده، لانتقادها الهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.. مؤكدًا أن دبلن ستواصل اتصالاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، و(لكن، لن يستطيع أحد إسكات أيرلندا).. فكل ما تفعله تل أبيب بسبب (سياستنا المناهضة لإسرائيل).
●●●
لم يُخطئ الرئيس الأيرلندي فيما ذهب إليه بشأن إسرائيل.. كل ما كان، أن الرجل تحلى بالشجاعة التي تراجع عنها معظم قيادات العالم الغربي، وقال كلمة الحق في وجه معتدٍ ظالم.. وتعالوا نقرأ في ما كتبه كوبي إيريز، المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية ـ الأمريكية، بمنطقة ميشيجان، قبل عدة أيام.. يقول إيريز، إن مصر، التي طالما اعتُبِرت دولة تحافظ على سلام بارد مع إسرائيل، تثير الآن ناقوس الخطر، بسبب توسعها العسكري غير المتناسب وأنشطتها المشكوك فيها.. والدروس المستفادة من السابع من أكتوبر 2023، عندما قُتِل أكثر من ألف ومائتي إسرائيلي على يد عناصر من حماس تسللوا عبر الحدود، تؤكد على أهمية اليقظة.. إن تواطؤ مصر في تسهيل تهريب الأسلحة لحماس عبر الأنفاق في سيناء!!، يسلط الضوء على مخاطر الرضا عن الذات.. فرغم الاتفاقيات الدولية، غضَّت مصر الطرف عن هذا الأمر، حيث أشارت التقارير إلى أن مسئولين مصريين استفادوا من هذه التجارة.. وهذا يسلط الضوء على درس بالغ الأهمية: وهو أن إسرائيل لابد وأن تستعد دومًا لأسوأ السيناريوهات، حتى مع شركائها المُفترضين.
وكما قلنا في مقال سابق، إن تحديث الجيش المصري يُثير هلع الأعداء، وأن الكثير من العسكريين الإسرائيليين ووسائل الإعلام العبرية تنتقد ذلك، يأتي إيريو في مقاله ليقول، (لقد حشدت مصر ترسانة من الأسلحة تتجاوز احتياجاتها الدفاعية بكثير.. فالطائرات المقاتلة المتقدمة والدبابات الحديثة والطائرات بدون طيار والبحرية المتوسعة، تضع مصر في مكانة قوة عسكرية إقليمية.. وتثير هذه التطورات، إلى جانب سيطرتها الاستراتيجية على قناة السويس، ووجودها البحري في البحر الأبيض المتوسط، تساؤلات حول نوايا مصر).. وقد سبق أن سلَّط المقدم (احتياط) إيلي ديكل، رئيس قسم أبحاث التضاريس السابق في قسم الاستخبارات في قوات الدفاع الإسرائيلية، الضوء على هذه التهديدات.. ووصف ديكل النشاط العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، بأنه استعداد واضح للحرب مع إسرائيل، (الجيش المصري منتشر على الحدود.. أراهم هناك.. وتتمركز الدبابات المصرية في مناطق لا يُسمح لأي جندي مصري بالتواجد فيها.. وتثبت تصرفات الجيش المصري في سيناء، أنهم يستعدون للحرب مع إسرائيل!!).
وادعى ديكل أن هناك عداء عميق الجذور، تكنه مصر لإسرائيل وطموحاتها طويلة الأمد، (إن مصر تستثمر بشكل كبير في إعداد نفسها للمواجهة العسكرية، عندما تتوافق ديناميكيات القوة العالمية لصالحها.. لقد تم نبذ مصر، التي كانت ذات يوم زعيمة للعالم العربي، بعد اعترافها بإسرائيل.. وكان هدفها الاستراتيجي دائمًا تقويض وجود إسرائيل.. وحتى تُحقق هذا الهدف، فإنها تفعل كل ما في وسعها لتقليص قدرات إسرائيل).. إن الأنشطة المصرية الأخيرة مُثيرة للقلق بشكل خاص.. فوفقًا لديكل، بدأت مصر في بناء أنفاق ضخمة في شبه جزيرة سيناء، بمداخل يصل عرضها إلى سبعة أمتار، وربما عشرات الأمتار، وهي مصممة لتخزين الأسلحة الاستراتيجية.. وتعكس هذه الأنفاق هياكل مماثلة، تم بناؤها بالفعل على الضفة الغربية لقناة السويس، حيث يوجد ما يقرب من ستين نفقًا من هذا النوع في مكانها، (لا أعرف أي عدو آخر تتحصن مصر ضده بهذه الطريقة.. إنهم لا يحفرون ستين نفقًا في سيناء للدفاع ضد إيران.. هذه أسلحة هجومية محمية من الغارات الجوية، وجاهزة للاستخدام عندما يختارون ذلك).
وسلط ديكل الضوء أيضًا على ما اعتبره (خطابًا ودعاية عسكرية مصرية، تعكس عداءها المتزايد).. يقول، (منذ اندلاع الحرب، كانت مصر ترسل لنا تهديدات مُبطنة.. مؤخرًا، أثناء افتتاح الأكاديمية العسكرية في القاهرة، ناقش المتحدث العسكري المصري علنًا نقاط الضعف في دبابة ميركافا الإسرائيلية، بينما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه حاضرًا.. وادعى أن المتحدث العسكري، نشر مقطع فيديو دعائي يعلن فيه، (نحن نعد جيشنا لليوم الذي تتجاهل فيه إسرائيل نصيحتنا، بعدم الاستيلاء على محور فيلادلفيا).. إن هشاشة الأنظمة الإقليمية تشكل عاملًا حاسمًا.. فكما استسلم نظام بشار الأسد في سوريا للصراع الداخلي، فإن حكومتي مصر والأردن ليستا بمنأى عن مخاطر مماثلة!!.. فالصعوبات الاقتصادية، والاستياء العام من الغلاء، والمعارضة الإسلامية، من الممكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار هذه الدول.. وقد يؤدي تغيير القيادة في أي من البلدين، إلى ظهور أنظمة أقل التزامًا بالحفاظ على الاستقرار مع إسرائيل، وترث ترسانات عسكرية هائلة وشعوبًا غارقة في المشاعر المُعادية لإسرائيل.. متناسيًا ـ أي ديكل ـ أن الجيش المصري، هو ذاته الشعب المصري، الذي يقف خلف قيادته، في السراء والضراء، ويدفع معها نحو البناء والتعمير، مُدركًا أن لكل بناء فاتورة، دفعها عن طيب خاطر ومازال مًستعدًا للمزيد، والأهم عنده، أن تبقى مصر قوية راسخة.. إن الشعب المصري لا يخاف، وما ينبغي له ذلك، فمصر محفوظة بأمر الله أولًا، مصونة بجيشها وشرطتها، ومن خلفهما الشعب جميعه.
إن من يخاف، هو من يعتدي.. من يقتل ويسرق وينهب.. لذلك، فإن ديكل يبحث في وسائل حماية الكيان الغاصب، من لحظة يقول فيها التاريخ كلمته.. لذلك، فإنه يقول في مقاله، أنه لمعالجة هذه التهديدات الوشيكة، يتعين على إسرائيل أن تعزز دفاعاتها الحدودية، مع التركيز على الحدود الجنوبية والشرقية، لمواجهة المخاطر القادمة من مصر والأردن.. ويشمل هذا وضع خطط عسكرية ودفاعية مدنية قوية، للاستعداد لأسوأ السيناريوهات، مثل تغيير الأنظمة المُعادية أو التصعيد في المنطقة!!.. وإصلاح قيادة الجيش الإسرائيلي والاتصالات الاستخباراتية، إذ تسلط الأحداث المُدمرة التي وقعت في السابع من أكتوبر، الأول الضوء على فشل فادح في القيادة والاتصالات الاستخباراتية، داخل القيادة العليا للجيش الإسرائيلي.. إن عدم القدرة على التعرف على العلامات التحذيرية الواضحة للهجوم الوشيك، الذي تشنه حماس والتصرف بناءً عليها، يؤكد الحاجة المُلحة إلى التغيير الشامل.. مع العمل مع إدارة ترامب القادمة، لضمان بقاء التوسع العسكري المصري شفافًا ومُقيدًا.. ويرى أن الاحتفاظ بالسيادة على المناطق الاستراتيجية، مثل الضفة الغربية ومحور فيلادلفيا لمنع الخصوم من استغلالها.. إن أمن إسرائيل ـ في رأييه ـ يعتمد على توقع التهديدات والاستعداد للأمور غير المتوقعة.. والدروس المستفادة من التاريخ واضحة.. فالرضا عن الذات يأتي بتكلفة باهظة.. ونحن نرى أن أمن إسرائيل يتحقق، بإعادة الحق لأصحابه، وتحقيق حلم الفلسطينيين في دولتهم المُستقلة، وكف الأذى عن دول الجوار.. وسوريا نموذجًا حديثًا للعدوان الإسرائيلي على أراضي الغير!!.
●●●
ما تُدركه إسرائيل، وتتعامى عنه، هو حجم التحديات التي تُحيط بمصر من كل جانب، وأولها ما يحدث في غزة، وما يشتعل في السودان، وما قد يحدث في الجوار الليبي، بعد الأحداث الأخيرة في سوريا، إذ من المُمكن أن تتحول ليبيا إلى ساحة حرب داخلية ودولية، ستأتي على جميع دول المنطقة الإفريقية، التي تعاني جُل أنظمتها هشاشة أمنية وسياسية، مما يستدعي تصدي الدول الغربية نظرًا إلى قرب ليبيا من الساحل الجنوبي لقارة أوروبا، كما يقول المتخصص في الشأن العسكري، العقيد عادل عبدالكافي، الذي حذر من دخول مقاتلي نظام الأسد إلى ليبيا، باعتبارهم مُلاحقين من قِبل عناصر المعارضة السورية التي تولت زمام الحكم، متوقعًا أن تفقد روسيا مواقعها بصفة أكبر في سوريا، على خلفية دعمها لنظام الرئيس السوري المخلوع، في جميع عملياته العسكرية ضد المعارضة السورية التي أطاحت به.
ستُركز المعارضة السورية على إنهاء الوجود الروسي على أراضيها، بدءًا بتقليصه، ثم الانتقال إلى المرحلة التي ستُنهي وجودهم تمامًا، لا سيما في ظل السقوط الآلي لجميع الاتفاقات التي أبرمتها روسيا مع نظام الأسد، مما سيدفع موسكو لاتخاذ خطوات عدة، أولاها إيجاد موطئ قدم لعناصرها وعتادها في ليبيا والسودان، عبر نقل عتادها العسكري من قاعدتي طرطوس وحميميم في سوريا، إلى كل قواعد الجُفرة وبراك الشاطئ والخروبة والقرضابية المحاذية لسرت، التي تتوسط الغرب والشرق الليبي.. والأخيرة، ستتخذها كقاعدة عمليات لنقل إمدادات السلاح وعناصر الفيلق الروسي الإفريقي، لتعزيز وجوده في دول الساحل والصحراء وغرب ووسط إفريقيا.. فروسيا في حاجة إلى تعزيز القوتين، النيرانية والقتالية، لعناصرها، حتى تتمكن من بسط نفوذها في القارة السمراء، لذلك ستلجأ إلى ضم العناصر الأمنية السورية التابعة لنظام الأسد، لتتحول بذلك ليبيا إلى مركز لاستقطاب العناصر البشرية، إذ من المتوقع أن يرتفع عدد عناصر الفيلق الروسي الإفريقي، إلى ما يقارب خمسة وأربعين ألف عنصر من جنسيات مختلفة.. لكن هذه المرة، ستتحول نواة تشكيل الفيلق الإفريقي الروسي إلى عناصر (سورية بشارية)، وهي عناصر أمنية لديها قدرة عالية على القتال ونهب الثروات، وجميعها صفات مطلوبة في صفوف مرتزقة الفيلق الإفريقي الروسي، مما يجعل ليبيا في خطر اندلاع صراع مسلح خلال أي وقت، بين القطبين الغربي والشرقي، سيطاول أيضًا كلا من جمهورية إفريقيا الوسطي والسودان، وعددًا آخر من الدول الإفريقية.
وطبيعي، أن التمدد الروسي في إفريقيا يحتاج إلى أسلحة متطورة، غير تلك التي تُركت من حقبة القذافي، ومع استقدام روسيا لمقاتلي بشار إلى ليبيا، ستنقل أيضًا طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي وصواريخ مضادة للدروع والتحصينات.. وقد بدأت روسيا فعليًا في عملية نقل جزء من عتادها العسكري نحو ليبيا، عن طريق رحلات جوية، هبطت مباشرة في قاعدتي براك الشاطئ والجُفرة العسكرية على مدى الأسابيع، التي سبقت انهيار نظام الأسد.. وقد جلبت عناصر من مقاتلي نظام الأسد، وعناصر روسية على درجة عالية من القتال، إذكانت تابعة لـ (فاجنر) سابقًا، والمعروفة حاليًا بالفيلق الإفريقي الروسي، وهي التي كانت تقاتل بهم روسيا المُعارضة السورية لدعم بقاء الأسد.. سيتواصل نقل بقايا مقاتلي نظام الأسد جوًا إلى القواعد العسكرية الروسية في ليبيا، ليعاد بعدها نشرهم في دول الساحل والصحراء الإفريقية، وما الأسلحة التي تجلبها روسيا من سوريا إلا لتعزيز قدراتها القتالية في ليبيا، كموقع استراتيجي يُقابل قواعد الناتو جنوب المتوسط، وأيضًا لدعم العمليات العسكرية في الدول الإفريقية، نظرًا إلى أن هذه الدول تشكل موارد ثروات ستعزز خزائن روسيا، لتوسيع رقعة انتشارها في إفريقيا.
وتكمن خطورة وجود مقاتلي نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، في ليبيا، باعتبار أنهم ما زالوا يتمتعون بقوة قتالية، في أنه من الأقرب أن توظفها روسيا لتقويض وقف إطلاق النار بين الشرق والغرب الليبي، ولتعزيز وجودها في إفريقيا، عن طريق استخدام المجالس العسكرية وتحريكها لإلغاء الاتفاقات العسكرية الدولية، على غرار ما حدث للقوات الفرنسية والأمريكية في النيجر وتشاد.. ومع خروج القوات الفرنسية والأمريكية من بوركينافاسو ونيجيريا وغيرهما من الدول الإفريقية، أصبحت روسيا في حاجة إلى عدد أكبر من عناصر الفيلق الإفريقي الروسي لملء هذا الفراغ.. وأمنيًا، لا يوجد أمامها أفضل من بقايا عناصر الأسد، الذين سيضخون دماء جديدة في الفيلق الإفريقي الروسي، مما سينتج عنه توسع في التمدد الروسي في ليبيا وبقية دول إفريقيا.
وأخيرًا.. يبدو أن سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، لن يلقي بظلاله على الداخل فحسب، إذ بدأت تلوح في الأفق تخوفات من حدوث تغيرات جيوسياسية وإقليمية، ربما تنعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الأنظمة السياسية العربية، وخصوصًا الهشة منها، إذ قال مركز الدراسات الأمنية والعسكرية في ليبيا، إن بلاده مهيأة محليًا وإقليميًا ودوليًا، لاندلاع حرب جديدة بين القطبين الشرقي والغربي، في ظل تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا انطلاقًا من الشرق والجنوب الليبي، الذي يقع تحت سيطرة قائد قوات الجيش الليبي في المنطقة الشرقية، المشير خليفة حفتر.. وذلك كله ليس ببعيد عن الحدود المصرية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.
0 تعليق