حققت سوريا بقائمة تغيير الأنظمة فـي الشرق الأوسط بعد العراق وليبيا والسودان واليمن، لتكون الدولة الخامسة بعد سنوات من المقاومة، وهي المستهدفة فـي التغيير منذ نهايات القرن الماضي. التغيير سنة الحياة وحركة التاريخ التي لابد منها، لكنّه التغيير للأفضل الذي يضمن لشعوب هذه الدول الاستقرار والازدهار، لا أن تعاني أكثر مما تعانيه حاليًا. هذه هي المشكلة الأساسية التي يحتاج التوقف عندها، فكل التجارب الأربع الماضية كانت معاناتها أضعاف ما كانت عليه. تساقط هذه الدول المستهدفة «كأحجار الدومينو» لم يقنع كل من يتطلع إلى التغيير بأن حالهم اليوم أسوأ من الأمس، وتدفع به أطراف خارجية لها مصالح أكثر من الأطراف الداخلية التي تقود المشهد. وأكبر الرابحين هو الاحتلال الإسرائيلي الذي استولى، فـي ذات يوم التغيير، على جبل الشيخ ووسّع نفوذه فـي الجولان وألغى اتفاقية الهدنة لعام 1974م، وقصف مواقع مهمة فـي دمشق فـي لحظة ضعف للدولة السورية. وهذا خير شاهد على دوره وأطماعه ومشروعه التوسعي.
حركة التغيير لن تتوقف من قِبل منفذيها، وسيكون الدور على من تبقى من الدول التي تتضاد مع الاحتلال، ومن لديها حرص على المصالح العربية. وستكون الخطوة القادمة إيران، التي ضعف تحالفها بعد سوريا، ثم بعض دول الخليج، وهكذا حتى تصبح كل الدول العربية فـي مرمى التغيير. الهدف إضعاف كل هذه الدول عسكريًا وأمنيًا وماليًا واقتصاديًا، إلا المتحالفـين مع أصحاب التغيير، هذا إذا سلمت بعضها من التقسيم كاليمن وليبيا والسودان، بهدف إتاحة الفرصة للاحتلال بتنفـيذ مخططه الجغرافـي فـي المنطقة، وتوسعة مساحة إسرائيل لتضم دول عربية وخليجية. وبذلك تقوم «المملكة الإسرائيلية» فـي هذا المكان، وتتحكم فـي كل المنطقة من الخليج إلى المحيط، ويتعاظم اقتصادها بعد احتلال آبار النفط. الصورة واضحة جدًا منذ فترة، لكن البعض لا يتقبلها، وسوف تستمر هذه الصورة كل عشر سنوات فـي التغيير حتى اكتمال الحلم التاريخي للاحتلال والمشروع الغربي الذي يستهدف الإسلام والعرب أولًا.
العرب أمام مفترق طرق ولحظة فاصلة فـي التاريخ، إما البقاء بحالة التشرذم هذه التي لا تُسر أحدًا، أو إدراك المخاطر المحدقة بهذه البقعة الجغرافـية. فما حدث فـي سوريا ليس استثناءً، بل هو محطة من محطات التغيير، يتفق معها البعض ويختلف آخرون، لكنه حدث فـي النهاية، وعلينا أن نتعايش معه، وأن نستفـيد منه لنكون أقوى أمام المخاطر المحدقة، وأن نفهم أن لكل شيء فـي حسابات الغرب ثمنًا، وأن تساقط الدول سيستمر «كأحجار الدومينو» التي تُضعفنا من يوم إلى آخر.
0 تعليق