العزاء فى الدولة الوطنية السورية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بسقوط الدولة السورية ازدادت مصر همًا على هَم، وباتت كل المؤامرات التى تحاك ضد الأمة العربية واقعًا واضحًا وظاهرًا وجليًا. فما حدث فى سوريا كارثة بكل المقاييس، لقد تكالبت عليها هذه المخططات والمؤامرات البشعة، وضاعت المؤسسات السورية فى غمضة عين. تلك هى الكارثة، وكما قال أخى الكريم الكاتب الكبير الدكتور محمد الباز: «البقاء لله فى سوريا».

إن المشهد السورى الحالى ينذر بكارثة حقيقية ما بعدها كارثة، فكما سقطت ليبيا عندما تخلصت من حكم القذافى ومنذ هذا التاريخ حتى الآن لا تستطيع تشكيل دولة حقيقية، فالصراع على أشده، ويضاف إلى ذلك الكارثة الحقيقية التى حدثت فى اليمن والسودان، ومن قبلهما فى العراق. تلك هى المخططات الصهيونية الأمريكية التى تريد للأمة العربية أن تحدث فيها هذه الانقسامات وسقوط مؤسساتها. 

لا ننكر أن هذه الزعامات العربية كانت لها أخطاء كثيرة وبشعة، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، لكن الدولة نفسها، أى دولة وطنية عربية، باتت تتعرض للانهيار، وتلك هى الأهداف فى المخططات الصهيونية الأمريكية. فى مؤتمر ١٩٠٧ الذى استضافته إنجلترا، ذلك البلد الخبيث الذى يريد للشرق الأوسط بكامله، خاصة الدول العربية أن تتقطع أوصالها، وأن تتم الاستفادة من مواردها وثرواتها المختلفة- كان لا بد من زرع جسم غريب فى هذه المنطقة، وهو ما حدث فى وعد بلفور عام ١٩١٧، ووجود الدولة العبرية بعد ذلك فى عام ١٩٤٨ وسط الكتلة العربية العظيمة. 

إن التاريخ متواصل وليس متقطعًا، فالمتتبع منذ هذا التاريخ حتى هذه اللحظة يدرك استمرار المخططات الصهيونية الأمريكية على أشدها ضد الأمة العربية، من خلال صناعة قادة عرب، يتجبرون على شعوبهم، ثم بعد ذلك يزرعون فيهم الذين يوالونهم والذين يأتمرون بأمرهم؛ لكى يثوروا على حكامهم من أجل إسقاط الدولة، أى دولة وطنية. وتلك هى كارثة المخططات والمؤامرات. 

حقيقة إن القادم أسوأ فى سوريا، والذين يفرحون ويتهللون اليوم بما يحدث لن يجدوا ما يرونه سعيدًا فى المستقبل. السؤال الذى يطرح نفسه: هل السوريون الآن قادرون على تشكيل دولة وطنية جديدة، أم أن الإرهابيين ومَن على شاكلتهم ومن زرعتهم قوى التدخل الخارجى داخل سوريا ستكون لهم رؤية مختلفة؟!

القادم أسوأ وليس كما يفرح السوريون الآن بتحررهم كما يقولون، بل هو من سيئ إلى أسوأ، وليس دفاعًا عن نظام الأسد الصغير أو الكبير قبله. إنما الدفاع الحقيقى هو عن الدولة الوطنية الحقيقية فى سوريا التى انهارت. وتلك هى الكارثة أو هو العزاء الكبير فى سوريا.

لقد زرت سوريا لسنوات طويلة فى مطلع الثمانينيات وأوائل التسعينيات عندما كنت أعمل محررًا فى جريدة «شيحان» بالأردن، وكانت تربطنى علاقات صداقة وود بصحفيين سوريين كُثر كانوا زملاء لى فى هذه الصحيفة، وامتدت هذه الصداقة حتى الآن لمن بقى على قيد الحياة. وكل أسبوع تقريبًا كنت أزور دمشق فى إطار هذه الصداقة، وكانوا يشكون مُر الشكوى من حكم الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه الرئيس بشار، لكن كانت هناك دولة وطنية.

أما الأوضاع الحالية فباتت أشد شراسة وقسوة فى ظل تدخلات أجنبية على رأسها الصهيونية الأمريكية، إضافة إلى قوى أخرى مختلفة، انقسم الشعب السورى وراءها. وبالتالى ماذا سيفعل الجميع تجاه عودة الدولة الوطنية من جديد، وكذلك عدم تقسيم سوريا كما هو الحال حاليًا فى السودان والعراق وليبيا واليمن؟. الأمر جد خطير ويحتاج إلى وقفة متأنية ومتأملة لهذا الوضع الصعب.

لقد بدأت كلامى بالهَم المصرى الجديد الذى تواجهه مصر حاليًا، التى باتت فى مرمى أشد المخططات بشكل أوضح. وتلك هى الكارثة، ونعلم جيدًا أن الدولة الوطنية المصرية باتت هى الآن القوة الوحيدة فى العالم العربى التى تواجه أشد التحديات وتتعرض إلى الكثير من المحن والحصار الاقتصادى وخلافه من الأمور. لكن يبقى أن هناك أمرًا واحدًا غائبًا عن أصحاب المخططات وعن العالم بأسره. وهو أن مصر تتحرك بوازع وطنى من الدرجة الأولى، ولديها جيش وطنى عظيم لا يعرف الطائفية ولا يعرف الانقسام ولا يعرف المذهبية. إضافة إلى قيادة رشيدة تنظر إلى الأمور بحكمة وحنكة مع شعب يتمتع بكياسة وفطنة.

وبالتالى أمامنا الآن ضرورة التصدى لكل الخيارات الصهيونية الأمريكية البشعة التى تتعرض لها الأمة العربية؛ ولذلك كم ناديت وكم حذرت من المؤامرات البشعة التى تحاك ضد الأمة العربية، لدرجة أن كثيرين من الأصدقاء والزملاء الأعزاء كانوا يعترضون على حديثى المستمر عن المؤامرات والمخططات الإجرامية ضد المنطقة. وهذا بات واضحًا وصريحًا وعلنيًا، ولذلك يجب أن يكون الشعب المصرى ملتفًا حول قيادته السياسية أكثر وأكثر، وداعمًا مستمرًا قويًا لجيشه الوطنى العظيم فى كل الأمور. إن مصر الآن ازدادت همًا على هَم كما قلت من قبل.. والله خير حافظًا.. وللحديث بقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق