خابت التوقعات، وفشلت النظرية التي تذهب إلى صعوبة انتصار تنظيم مهما كانت قوته على الدولة.. سوريا الجريحة منذ سنوات نزفت آخر نقطة من دمها، وجاءت هيئة تحرير الشام التي هي في أصلها جبهة النصرة المدرجة على قوائم الإرهاب العالمية، وفي نيولوك جديد يظهر أبو محمد الجولاني بعد أن استعاد اسمه القديم أحمد الشرع.
كل المقدمات التي رأيناها في الأيام الماضية كانت تقول إن نهاية النظام السوري قد اقتربت وجاء اجتماع وزراء الخارجية حول آستانا وكأنه كلمة السر ليركب بشار الأسد الطائرة ويغادر دمشق.. هذا الانهيار السريع المتوالي يجعلنا نلتفت إلى مصرنا الغالية ونفتح عيوننا جيداً على الحدود وعلى الداخل وعلى الخارج.. مصر التي دخلت إلى الربيع العربي مبكراً وخرجت منه سالمة سوف تحث الخطى لتبقى النموذج الفريد في الوحدة والتماسك.
سوريا المتنوعة باتت الآن في خطر حقيقي، رغم كل التطمينات التي تصدر عن الجولاني ومن معه إلا أن التركيبة السورية تضم أكراداً وعلويين ودروز، وسوف نسمع في الأيام القادمة عن السني والشيعي والمسيحي وتنفرط مسبحة سوريا التي عاشت رغم كل الصعوبات سواء من نظام الحكم أو من التدخلات الخارجية، ولكنها عاشت كدولة كبيرة موحدة.
لذلك سوف تلعب أجهزة مخابرات الدنيا بكل جدية من أجل تنفيذ مخطط التقسيم، أمريكا موجودة هناك بجنودها بحجة محاربة داعش، روسيا أيضاً حاضرة منذ سنوات لحماية النظام السوري وكذلك إيران، أما الدولة التي هي المحرك الرئيسي لإسقاط النظام السوري فهي تعيش الآن مخدرة من نشوة الانتصار المؤقت الذي حققته عن طريق توابعها في جبهة النصرة، ولكنها لا تعرف أن براميل البارود المتفجرة التي تتشكل الآن في سوريا لن يجعلها في مأمن من المشاكل.
المستقبل الغامض ينتظر هذا البلد العربي الكبير، وهجوم الإرهابيين على دمشق لم يكن مفاجأة لأن تقدمهم من محافظة إلى أخرى لم يكن تحت جنح الظلام.. أبو محمد الجولاني الذي ظهر على شاشة السي إن إن بوجه البهلوان السياسي، هو ذاته صاحب القلب الإرهابي القاتل، الرجل الذي رضع التطرف من كل التنظيمات الدموية من داعش إلى القاعدة إلى الانفصال عنها وتأسيس جبهة النصرة ثم غير إسمها إلى فتح الشام ثم يهرب من مصطلح فتح الشام لارتباطه بالتاريخ الإسلامي ليختار لفظ تحرير الشام وكأنه ثوري وكأن سوريا تحت الاستعمار.
الكارثة جاءت في توقيت عجيب، إدارة جديدة لأمريكا، أصدقاء سوريا في إيران تحت الضغط الغربي بعد خسارتها ذراعها القوي متمثلا في حزب الله، روسيا أنهكتها حرب أوكرانيا ومؤامرات حلف الناتو، صارت سوريا المحاصرة من سنوات وحيدة، تزداد جراحها وتزداد المطامع لتقسيمها والانتهاء من دولة عاشت بحلمها العروبي والقومي.
المؤكد أن هناك أخطاء متراكمة منذ عشرات السنين ساهمت في تفجر الأوضاع على كل شبر في الأراضي السورية.. كل هذا مفهوم وقابل للمناقشة.
أما غير المفهوم فهو الصمت الدولي وهو يرى إرهابيين يتقدمون على الأرض، ليس الصمت فقط على هؤلاء، ولكن صمت المجتمع الدولي أيضا عن تلك الدولة التي وفرت للمسلحين احتياجاتهم من الأسلحة المتطورة، المجتمع الدولي ليس غبياً فهو يعرف خطورة الإرهاب المسلح وقد اكتوى بنيرانه عشرات المرات، ولنا في تفجيرات أبراج أمريكا بالطائرات في أحداث سبتمبر المثل المضيء، كان تنظيم القاعدة صناعتهم وعاد عليهم بالنار والدم.
الآن يسكتون عن سقوط سوريا ويتكلمون عن الصراع باعتباره صراعاً سنياً شيعياً، بينما الحقيقة هي أن الإرهاب لا دين له، وأن النار سوف تلتهم الجميع.
لم يشفع الإرث الحضاري الكبير لسوريا كي تنجو من مهلكة الفصائل والتدخلات الأجنبية في شئونها، كما فشلت دولة المخابرات في حماية نظامها، دروس قاسية نشهدها بعيوننا ونسأل عن جدوى البديهيات وكيف يتم التغافل عنها، لذلك بدأت المقال بقولي أن ما شهدناه في الأيام القليلة الماضية لم يكن مفاجأة، كان معروفا ولم يتقدم أحد للإنقاذ.
الموقف المصري جاء معبراً عن ما يدور في وجدان الشعب المصري، الموقف باختصار وحسب بيان وزارة الخارجية يدعو إلى ضرورة احترام السيادة السورية ووحدة وسلامة الأراضي السورية، ودعم مؤسساتها الوطنية وأهمية حماية المدنيين.
لذلك نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى حلول عربية شجاعة تحبط المخطط المرسوم لتقسيم سوريا وتواجه بوضوح الفكر المتطرف و تحاسب صناعه.
لدينا فى المنطقة العربية من المشكلات ما يكفينا، لدينا مشاكل في التعليم والصحة والبنية الأساسية وصارت المنطقة حملاً ثقيلاً على مسار التقدم العلمي، لا ينقصنا الجولاني ولا من يأتمر بأمرهم رغم النيولوك الجديد لأن الحقيقة هي أنه بدأ حياته إرهابياً وسوف تنتهي حياته وهو أكثر من ذلك، صارت بين يديه دولة اسمها سوريا وسوف يلعب بها كما يشاء في تصدير أوهامه.
يبقى لنا أن نقول إن الله حمى مصر وتم إنقاذها من سيناريو مشابه لما يحدث في سوريا الآن.
0 تعليق