السبيل – خاص
تشهد مدينة جنين ومخيمها حملة قمع أمنية مكثفة تنفذها أجهزة السلطة الفلسطينية، وتستهدف مجموعات المقاومة المسلحة في المخيم، وسط ضغوط إسرائيلية ودولية لتثبيت السيطرة الأمنية في الضفة الغربية.
وتأتي هذه الحملة في ظل تعقيدات سياسية وأمنية، حيث تحاول السلطة إثبات قدرتها على ضبط الأوضاع، بينما تواجه انتقادات داخلية تتهمها بخدمة أجندات إسرائيلية.
وتناولت الصحف العبرية والغربية هذه الأحداث من زوايا متعددة، ما يعكس التشابك بين الأهداف الأمنية والسياسية للحملة.
دور في غزة بعد الحرب
أبرزت صحيفة “واشنطن بوست” أن الحملة الأمنية في جنين تعد واحدة من أكبر العمليات المسلحة التي أطلقتها السلطة الفلسطينية منذ ثلاثة عقود.
وأشارت في تقرير إلى أن هذه الحملة تحمل طابعاً إستراتيجياً يتجاوز حدود الضفة الغربية، حيث تهدف السلطة إلى تعزيز مكانتها في إطار أي ترتيبات مستقبلية، بما في ذلك إمكانية لعب دور في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة.
وركز التقرير على تصريحات مسؤولين فلسطينيين، منهم مستشار الرئيس محمود عباس، صبري صيدم، الذي أكد أن الحملة تهدف إلى استعادة النظام وتهدئة الأوضاع عبر الحوار.
ومع ذلك؛ أفادت الصحيفة بأن الحملة لم تحقق أهدافها بالكامل بعد أسبوعين من انطلاقها، حيث لا تزال أصوات إطلاق النار مستمرة، والمقاومون يتحركون بحرية داخل المخيم، بينما تتصاعد الانتقادات الشعبية لسياسات السلطة، وتوجه إليه الاتهامات بالعمالة والخيانة.
مخطط أمني أعدته إدارة ترامب
من جهتها؛ أشارت صحيفة “هآرتس” إلى أن الحملة الأمنية في جنين جاءت ضمن خطة أعدتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتهدف إلى تفكيك جميع الفصائل المسلحة في الضفة الغربية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي.
وأضافت الصحيفة أن “إسرائيل” تنظر إلى هذه الحملة باعتبارها فرصة لتعزيز التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية ومنع انهيارها.
وأوضحت أن هذه الحملة تتماشى مع مصالح “إسرائيل” الأمنية، خاصة مع تزايد نشاط الفصائل المسلحة في الضفة الغربية، مؤكدة أن الاحتلال يدرس تقديم مساعدات عسكرية للسلطة، تشمل أسلحة ومعدات لوجستية، لتعزيز قدرتها على مواجهة التنظيمات المسلحة.
ومع ذلك؛ نقلت الصحيفة عن محللين تحذيرات من أن هذه الإجراءات قد تزيد من الاحتقان الشعبي، وتفاقم الوضع الأمني في المنطقة.
نموذج نابلس يتكرر في جنين
أما صحيفة “يسرائيل هيوم” فقد وصفت الحملة بأنها محاولة لتكرار ما يُعرف بـ”نموذج نابلس”، حيث تدخلت أجهزة السلطة في مناطق شهدت عمليات واسعة للاحتلال الإسرائيلي “أضعفت” بنية المقاومة.
وأكدت الصحيفة أن الهدف الرئيسي للحملة هو السيطرة على المخيم وإضعاف الفصائل المسلحة، لكنها حذرت من أن الحملة قد تأتي بنتائج عكسية إذا استمرت في إثارة الغضب الشعبي.
ورأت أن التنسيق الأمني بين السلطة و”إسرائيل” هو العامل الحاسم في نجاح الحملة، مشيرة إلى أن “تل أبيب” تدعم عمليات السلطة طالما أنها تحقق أهدافها الاستراتيجية.
ومع ذلك؛ فقد أعربت “يسرائيل هيوم” عن مخاوف من أن تصاعد الأحداث قد يؤدي إلى تقويض استقرار الضفة الغربية بأكملها، خاصة إذا فقدت السلطة سيطرتها على مناطق أخرى.
تدهور الأوضاع الإنسانية وتصاعد الغضب
من جانبه؛ ركز موقع “ميدل إيست آي” البريطاني على التداعيات الإنسانية للحملة الأمنية في جنين، مشيراً إلى أن السكان يعانون أوضاعاً معيشية كارثية بسبب الحصار المفروض على المخيم.
وأفاد الموقع في تقرير، بأن الحملة أدت إلى انقطاع المياه والكهرباء وإغلاق المدارس والمتاجر، بينما تعيش العائلات حالة من الخوف والترقب بسبب الاشتباكات المستمرة.
ونقل التقرير عن سكان المخيم تأكيدهم أن الحملة تخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، حيث تستهدف مراكز المقاومة وتعمل على تفكيكها.
كما أشار الموقع إلى أن هذه الحملة تأتي في وقت يتزايد فيه الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ما يعمّق شعور الفلسطينيين بخذلان السلطة لهم، وتخليها عن الدفاع عن حقوقهم الوطنية.
رسالة للولايات المتحدة
بدورها؛ ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية، أن الحملة في جنين تأتي كجزء من جهود السلطة الفلسطينية لإثبات جدارتها أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
وأشارت إلى أن منسق الأمن الأميركي مايكل فينزل أشرف على التخطيط للعملية، مؤكداً على أهمية دور السلطة في استقرار الضفة الغربية.
وأضافت الصحيفة أن هذه الحملة تحمل رسالة سياسية إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث تسعى السلطة لإظهار قدرتها على فرض النظام وضمان الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ومع ذلك؛ حذرت الصحيفة من أن تصاعد التوترات قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة إذا استمرت الانتقادات الشعبية للحملة وتزايدت الاتهامات بأنها تخدم أجندات إسرائيلية.
ضغوط إسرائيلية لإنهاء الحملة
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن ضغوط إسرائيلية متزايدة على الرئيس محمود عباس لإنهاء الحملة الأمنية في جنين خلال فترة زمنية محددة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية أن الهدف الرئيسي للحملة هو القضاء على البنية التحتية للمقاومة في المخيم، لكنها أشارت إلى أن هذه البنية لا تزال قائمة رغم مرور أسابيع على بدء الحملة.
وأوضحت أن “إسرائيل” ترى في الحملة فرصة لتثبيت سلطة رام الله في الضفة الغربية، لكنها حذرت من أن استمرار الاشتباكات قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني، خاصة إذا تصاعدت الانتقادات الدولية للسلطة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
0 تعليق