منير أديب يكتب: من يحكم سوريا بعد الأسد؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هيئة تحرير الشام تجنى الثمار.. والسوريون ينتظرون.. وداعش تتأهب

باتت سوريا فى حوزة التنظيمات المسلحة ذات الخلفية الإسلاموية، كما بات مستقبلها غامضا أمام سيطرة هذه التنظيمات، صحيح هناك قوى مسلحة لم تكن ذات خلفية دينية ولكن عددها أقل من عدد التنظيمات الإسلاموية، فضلًا على أنّ كل هذه التنظيمات تُقاتل تحت لافتة هيئة تحرير الشام.

هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقًا هى النسخة الجديدة من تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية والمعروفة بداعش؛ صحيح فككت ارتباطها بالتنظيم من قبل ولكن لا يوجد ما يؤكد أنها تخلت عن أفكارها.

فور أنّ فك أبومحمد الجولانى ارتباطه بداعش أعلن مبايعته لتنظيم ما يُسمى بتنظيم قاعدة الجهاد، وما لبث أنّ فك ارتباطه بهذا التنظيم أيضًا وغير اسم التنظيم، بل ذهب لأبعد من ذلك حيث عرض حل الهيئة! وكل هذه التحولات تؤكد برجماتية الجولانى وأنه قد يكون نسخة جديدة من داعش والقاعدة ولكنها نسخة عصرية.

سوريا دخلت فى نفق التنظيمات الإسلاموية ولن تخرج منه أبدًا، تجربة تبدو مختلفة ولكنها سوف تكون أكثر عنفًا وأطول فى وجود هذه التنظيمات، ولن تقوم لسوريا قائمة من جديد، لأن هذه التنظيمات لا تُؤمن الدولة الوطنية.

مستقبل سوريا ما بعد الأسد

الواقع فى سوريا يبدو سوداويا بعد أنّ انفردت الجماعات الإسلاموية بالقرار، وبات بيد هيئة تحرير الشام وكل التنظيمات المتحالفة، فى الغالب سوف تختلف هذه التنظيمات فيما بينها، كما أنها سوف تختلف مع الدول التى تُدعمها، وهنا ستلجأ هذه التنظيمات لعقد تحالفات فيما بينها لتقف أمام المشاريع التى تُريد الدول التى دعمتها أنّ تفرضها عليها أو على سوريا، وهنا يبدو الخطر الحقيقي، وتبدو الأزمة المعقدة فى مواجهة هذه التنظيمات.

خطر سوريا الحالى ليس فى سيطرة التنظيمات المتطرفة ولكن فى الثوب الجديد الذى ارتدته هذه التنظيمات، فقد لا يُدرك العالم خطورة هذه التنظيمات ولا تحولها غير الحقيقى ولكن بعد فوات الأوان، وهنا نستطيع أنّ نقول إنّ سوريا قد تم تسليمها لهذه التنظيمات.

هذه الكلمات ليس الهدف منها الدفاع عن نظام سياسى سقط بالفعل، فهو المسئول عما جرى له، ولكنه جرس إنذار لمستقبل يبدو غامضا مع التنظيمات المتطرفة، التى تتعامل وفق غريزة الانتقام ووفق منطقها الأيديولوجى المتطرف.

هناك فرق شاسع بين الدولة الوطنية فى سوريا وبين النظام السياسي، الأولى تمثل العمود الفقرى للدولة، وهو ما يجب أنّ يُحافظ عليه جميع الطوائف والملل والأعراق والأجناس، فكل المكونات السورية لابد أنّ تُحافظ على الدولة، وألا تنتصر لمنطقها الأيديولوجى على حساب الدولة.

هناك من نجح فى أفغنة الحالة السورية، فكما تم تسليم أفغانستان فى عهد الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن، فقد تم تسليم سوريا فى نهايات عهد نفس الرئيس الديمقراطي، الذى لا يرى مشكلة فى استخدام جماعات الإسلام السياسى فى منطقة الشرق الأوسط.

منذ بدايات السيطرة على محافظة حلب فى ٢٩ نوفمبر من العام ٢٠٢٤ وتنظيم داعش بدأ ينشط بصورة كبيرة فى البادية السورية؛ الحراك المسلح فى سوريا سوف يكون واجهة للتنظيمات الأكثر تطرفًا مثل القاعدة وداعش، والخلاف بينهما وبين هيئة تحرير الشام والجبهات المتحالفة معها سوف يظهر بصورة أوضح خلال الفترة المقبلة.

سوف تتحول سوريا حتمًا إلى ما يُشبه أفغانستان جديدة، وفى أحسن الأحوال سوف تُسيطر الجماعات الإسلاموية على القرار بداخلها، ولن يكون هناك حكم مدني، وستعلو المطالب الفئوية على المكونات السورية، هذه الرؤية لا نتمناها بطبيعة الحال ولكننا نتوقعها بصورة كبيرة.

تجارب التيارات الإسلاموية فى المنطقة تكشف عن المستقبل الذى ينتظر سوريا؛ فإما أنّ تكون أفغانستان جديدة وإما أن تتحول إلى إيران، التى حاربتها؛ ولن يستطيع السوريون أنّ يتخلصوا من القاعدة وداعش، ولا من هيئة تحرير الشام، مهما جلسوا على طاولة المفاوضات ومهما كانوا حذرين من عدم تكرار التجربتين السابقتين، النصرة تسعى لجنى الثمار فى المرحلة القادمة، كما أنها ستُحاول التخلص من كل خصومها.

فهناك عدة أسئلة تتعلق بالدول التى تمثل الضامن الحقيقى من تطرف هيئة تحرير الشام، بمعنى ألا تأخذ موقفًا أكثر تطرفًا عن الخطاب الذى حاولت الترويج لها منذ بداية سيطرتها على حلب فى ٢٧ نوفمبر الماضي، تُركيا تتبنى الخطاب الإسلاموي، ولذلك ليست لديها مشكلة فى سيطرة الهيئة لأنها ترى فى الجولانى المخلص، كما ترى فيه أنه الأقدر على قيادة الحراك الثورى السنى المسلح فى عدد من العواصم العربية.

لن تستطيع أمريكا ولا روسيا ولا حتى تركيا أنّ تغير من أفكار التنظيمات المتطرفة ولا من أفكار هيئة تحرير الشام، ولن تقوم الأخيرة بفك ارتباطها بأى صورة كانت، ولوحدث فستتحول إلى عدة ميليشيات وفصائل لن يكون لها قائد واحد، وبالتالى سوف يُصبح خطرها أكبر.

من قبل راهنت كل من واشنطن وموسكو على هذه التنظيمات ولكن الرهان فى كل مرة كان خاسرًا؛ مرة راهنت أمريكا على المقاتلين الأجانب أو العرب فى أفغانستان، وهم من شكلوا تنظيم القاعدة فيما بعد، وقامت روسيا فيما بعد بدعم الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين التى تشكلت من قيادات القاعدة لسبب واحد وحيد هو أنها توجه سهامها إلى الخصوم، والحقيقة أثبتت أنّ هذه التنظيمات تمثل خطرًا على الجميع.

ولذلك تُخطئ القوى الدولية فى قراءة الخطر وفى التعامل مع هذه التنظيمات واستثمار وجودها، ودعمها مقابل مصالح سياسية ضيقة.

خلافات هيئة تحرير الشام والجماعات الإسلاموية

القتال لن يكون فقط الشعار الذى ترفعه هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها ضد خصومها، ولكن الواقع سيشهد خلافًا داخل الهيئة والتنظيمات الإسلامية نفسها؛ فكل تنظيم له رؤية يُريد أنّ يفرضها على التنظيم الآخر، كما أنه يُريد أنّ يسيطر على بقعة من جغرافيا سوريا، والأخطر أنّ كل تنظيم يُريد أنّ يُسيطر بشكل منفرد.

ما حدث فى أفغانستان سوف يتكرر فى سوريا؛ فكلتا الدولتين سيطر عليهما مقاتلون، الأولى كانوا يُقاتلون الروس، بعد أنّ انتصروا فى المعركة واختلفوا على الغنائم، وسالت دماء هذه التنظيمات على خلفية البحث عن السلطة والمال، وهو ما سوف يحدث بسوريا فى المستقبل القريب، عندما تهدأ عاصفة الانتصار التى يشهدها السوريون الآن لتبدأ عاصفة الخلافات بين هذه التنظيمات.

صحيح الولايات المتحدة الأمريكية تركت أفغانستان لفصيل واحد، وبالتالى هو من سيطر بشكل منفرد، وأدار العملية السياسية وفق تصوراته، والأمر قد يكون مختلفًا فليست الهيئة هى الوحيدة، ولكن هناك فصائل وميليشيات متحالفة، ورغم وجاهة هذه القراءة، فإن الهيئة والجولانى الذى يتمتع بقدر كبير من الذكاء والدهاء والمكر، لن يسمح لآخرين بمشاركة الحكم، بل سوف يتحولون إلى داعش كما كانوا من قبل.

هذه الخلافات بدأت أثناء المعارك العسكرية عندما انتقد ما يُسمى الجيش الوطنى الحر هيئة تحرير الشام عبر بيان رسمي، وقد تبرأوا كثيرًا من سلوكه؛ هذا الخلاف قد يتطور إلى معركة مسلحة خلال الأيام والأسابيع والشهور المقبلة، للاختلاف الأيديولوجى بين هذه المكونات وبعضها عنيف بطبعه، فضلًا على أنّ كلٌ منهما يرى أنه الأولى بإدارة المرحلة القادمة فى سوريا.

المستفيد من إزاحة النظام السوري

هناك أطراف مستفيدة مما حدث فى سوريا، فى مقدمة هذه الأطراف الولايات المتحدة الأمريكية التى أرادت أنّ تقضى على هذا النظام بشكل مسلح، كما حدث فى ليبيا من قبل، كما أنّ إسرائيل ذات مصلحة، حيث وسعت من نفوذ سيطرتها على الحدود السورية الإسرائيلية، ومحاولة خلق واقع جيو سياسى جديد تُحافظ فيه على أمنها.

من ضمن المستفيدين أيضًا مما حدث فى سوريا التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، التى تسعى لإقامة دولة لها، هذه الدولة سوف يُكتب لها البقاء فترة أطول من فترة بقاء داعش، والتى استمرت خمس سنوات كاملة.

الواقع أنّ المنطقة العربية يُعاد رسم خرائطها من جديد، أمريكا وإسرائيل هما من يرسمان هذه الخريطة ويستخدمان جماعات العنف والتطرف فى هذا المشروع، والمتضرر هو أمن واستقرار المنطقة لسنوات قادمة.

تطرح تنظيمات الإسلام السياسى نفسها للاستفادة من الواقع الجديد، كما أنّ هناك دولا سبق وبشرت بالشرق الأوسط الجديد، هى من تقود هذه التنظيمات، كما أنها تقوم بدور العرّاب لهذا المشروع، ما كان يتم الحديث عنه فى الماضى ربما يتحقق الآن فى سوريا.

عندما نقول إنّ إسرائيل هى ومن وضعت اللمسات الأخيرة فى التغيير الحقيقى لا يُعنى الدفاع عن نظام سياسى سقط بالفعل، ولكن قراءة للواقع، لأن هذه القراءة تبدو مهمة للغاية حتى نتهيأ أكثر للمستقبل.

انعكاس الثورة المسلحة على الإخوان

ما حدث فى سوريا قد يُشكل المعارضة فى المنطقة العربية حتى تنتهج العنف، لأنها رأت أنّ الفصائل والميليشيات المسلحة نجحت فى إسقاط النظام السوري، صحيح تحقق ذلك بعد سنوات، ولكنه تحقق بالفعل.

هناك فرق بين المعارضة، كمصطلح سياسي، لا علاقة له بمن استخدموا العنف فى سوريا، فمن استخدم السلاح إما ميليشيا وإما فصيل وفق القاموس السياسي، فلا علاقة بين المعارضة واستخدام العنف، ولا علاقة للمعارضة وفق هذا المفهوم باستخدام العنف، وهذا هو الخطأ الذى وقعت فيه الكثير من وسائل الإعلام وبعض السياسيين الذين سموا هذه الفصائل والميليشيات بالمعارضة.

وإذا كنّا نتحدث عن الإخوان المسلمين فى مصر، فقد خرج من داخل الإخوان عدد كبير من الميليشيات المسلحة، منها حركة ما يُسمى بسواعد مصر.. حسم، هذه الحركة كانت الذراع التى تم استخدامها من قبل الإخوان للعمل المسلح، صحيح توقف نشاطها، ولكن هذا التوقف كان تكتيكًيًا.

فقد تعود حسم والمقاومة الشعبية وحركة ولع والنضال الثوري، وغيرها من الميليشيات المسلحة، صحيح العودة قد تكون بأسماء مختلفة، ولكنها قد تعود، لأنها رأت أنّ العنف المسلح قد يُسفر عن نتائج، كما حدث مع الفصائل والميليشيات المسلحة فى سوريا، والتى نجحت فى إسقاط النظام السورى بعد ١٣ عامًا.

الإخوان فككوا أغلب هذه الميليشيات، لأنها لم تحقق أهدافها، وأنّ النظام السياسى فى مصر قوى بالشكل الذى لا يمكن لهذه الميليشيات أنّ تُسقطة، وهنا تبدو الحالة السورية ملهمة للجماعات الدينية التى تستخدم العنف أو لا تستخدمه، ولكن سوف يجمع كل هذه التنظيمات شعار العنف وسيلة لمواجهة الأنظمة السياسية المستقرة.

وهذا بدا واضحًا من كتابات الجماعة التى أعقبت سقوط النظام السوري؛ هذه الكتابات تمحورت على فكرة الجهاد ومدى انتصارة على ما سموه بالاستبداد، وهنا سوف يتم استدعاء هذا الجهاد مع الأنظمة السياسية او خصومهم عمومًا.

فى النهاية، القرار سوف يكون للتنظيمات الإسلاموية التى لن تخرج من سوريا، والتى تعتبر حربها ضد النظام السورى على مدار أكثر من عقد هو ثمار ما أسمته بالتحرر، هذه الضريبة سوف تجعل هذه التنظيمات تتمسك بالحكم، كمحاولة لتقديم حكم جديد يختلف فى شكله عن نموذج طالبان وداعش من قبل، ولكن الواقع سوف يكون سيئا على مستوى سيطرة هذه التنظيمات، وهنا نستطيع أنّ نقول، إنّ سوريا سوف تنتقل من مرحلة سياسية إلى مرحلة أخرى لن تختلف كثيرًا عما كان قبلها ولكن يغلب عليها الطابع الإسلاموي.

سوف تظهر سوريا المقسمة بين الطوائف والتنظيمات والدول التى بات لها القرار فى الداخل، وهذه كلها معوقات ضد بناء الدولة أو نهوضها، سوريا المستقبل ستبقى فى خيال الشعب الذى عاش المعاناة ثلاثة عشر عامًا، أما الثمار فستكون فئوية وإسلاموية سوف يجنيها هؤلاء المتطرفون.

502.jpg
أبومحمد الجولانى 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق