زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي لدمشق تأتي في الاتجاه الصحيح.
زيارة الصفدي هي الأولى لوزير خارجية عربي لدمشق بعد سقوط نظام آل الأسد، وهذا يلخص أهمية سوريا بالنسبة للأردن بغض النظر عن ساكن قصر الشعب هناك.
زيارة الصفدي تعني حسم عمّان أمرها تجاه الحكام الجدد لسوريا، حيث تجاوزت مسألة “هيئة تحرير الشام” المصنفة إرهابيا، وتعاملت مع الشخص المصنف “إرهابيا” من قبل واشنطن، علما أن مسؤولة أمريكية رفيعة قد التقت الشرع وبهذا أثبتت واشنطن أن مسألة التصنيف الإرهابي هي مسألة سياسية أكثر منها أمنية، وأن هذا التصنيف يعد أدة سياسية أكثر منه أداة أمنية.
الزيارة الأردنية رفيعة المستوى تعني أن الأردن يعترف واقعيا بالنظام الجديد في سوريا.
بالطبع فإن المصالح الأردنية في سوريا أكثر من أن تحصى، لكن التخوفات كانت أن تغلب المقاربات الكلاسيكية ومواقف بعض الدول الخارجية “المنزعجة” على مجموعة المصالح تلك فتجمد الدبلوماسية الأردنية تجاه دمشق حتى يفوت القطار.
تكمن المصلحة الأردنية في بناء سوريا قوية قادرة على حفظ وحدة أراضيها وأمنها وسيادتها الوطنية ومتفاعلة إيجابا مع قضايا أمتها العربية.
وهذا سيمهد الطريق لعودة العلاقات الاقتصادية بين البلدين دون عوائق سياسية كما عليه الأمر في السابق، وهو أمر مهم جدا بالنسبة للاقتصاد الأردني الذي عانى كثيرا من إغلاق الحدود طيلة الفترة الماضية، حيث كانت تشكل كانت التجارة مع سوريا تشكل حوالي 10 % من حجم التجارة الأردنية الإجمالية قبل الأزمة.
العلاقات الجيدة مع سوريا تعني تسهيل عودة اللاجئين، ووفقا لتقديرات الحكومة والبنك الدولي، تكبد الأردن خسائر مالية تجاوزت 11 مليار دولار منذ بداية الأزمة، نتيجة الإنفاق المتزايد على اللاجئين وضغطهم على الموارد والبنية التحتية.
ناهيك أن سوريا تعد بوابة الأردن على لبنان وتركيا وأوروبا.
الجانب الأمني مهم جدا، فالتعاون بين الطرفين يمكن أن يفضي إلى التخفيف بشكل كبير من مسألة تهريب المخدرات، خصوصًا بعد انهيار امبراطورية الكبتاغون التي كان يسيطر عليها النظام السابق، مع أن هذا الأمر لا يعني انتهاء عصابات المخدرات، لكن الخلاف هو أننا أمام إدارة جديدة يمكن أن تكون جدية في مسألة محاربة المخدرات، وهو ما يعني أن الضمانات التي ستقدم لمحاربة هذه الآفة حقيقية بخلاف وعودات النظام المخلوع.
وهناك ملف مهم قد يجد آذانا صاغية في دمشق اليوم وهو ملف المياه، فقد رفض النظام المخلوع مرارا تزويد الأردن بالمياه.
فبموجب “الاتفاقية العربية المشتركة” الموقعة بين الأردن وسوريا؛ فإن حصة الأردن من مياه حوض نهر اليرموك تبلغ 200 مليون متر مكعب سنويا، وعليه فقد تم إنشاء سد الوحدة لتخزين تلك الكميات، إلا أن الجانب السوري ظل يمتنع عن تزويد الأردن بتلك الكميات، وأنشأ أكثر من 40 سدا لحجز المياه، والتوسع بزراعة الأراضي في الجنوب السوري، وحفر آلاف الآبار الجوفية؛ وذلك خلافا للاتفاقيات بين الجانبين.
إن التعاون الأردني السوري ضروري لحماية الحقوق المائية لكلا البلدين من الأطماع الصهيونية خصوصا بعد التوغل الصهيوني في الأراضي السورية التي يمكن أن تهدد حوض نهر اليرموك.
نأمل أن تكون المباحثات التي أجراها الصفدي في دمشق مثمرة، وأن تكون مقدمة لتعاون مثمر بين البلدين.
0 تعليق