تقدمت بقوة الفصائل المقاتلة السورية فى سابقة هى الأولى من نوعها منذ عدة أيام وأحدثت ما نستطيع أن نطلق عليه «الصدمة الاستراتيجية» لتغير قواعد اللعبة السياسية من جديد فى المنطقة العربية وتغير المشهد السورى بكل تبعاته السياسية والعسكرية فى اللحظة الراهنة. وترى الحركات الجهادية المتطرفة أن التدريب نصف المهمة والمواجهات الكاملة هى المهمة الكاملة، ومن هنا كان إعداد الفصائل السورية عبر السنوات القليلة الماضية طويلًا وشاقًا؛ فطورت منهجيتها العسكرية على مستوى الكادر والعتاد، واستغلال فترات الهدوء والانشغال الذى يمر به التحالف الدولى للحرب على الإرهاب فى التجهيز لعمل كبير لاحق، حال توافرت فرصه وظروفه المناسبة، وظهر ذلك فى مقاطع وبيانات «هيئة تحرير الشام» و«حركة أحرار الشام» التى نشروها على منصاتهم خلال السنوات الأخيرة. انشغال الداعم الروسى فى أوكرانيا ونقل جزء كبير من سلاح الجو وقواته لجبهة أوكرانيا، خاصة مع تواصل الدعم الأمريكى والأوروبى لكييف عاصمة أوكرانيا وأكبر مدنها وضرب صواريخ نوعية فى العمق الروسي، بالإضافة لضعف الحليف الإيرانى وتركيزه على دعم حزب الله اللبنانى الذى فقد بدوره جزءًا أصيلًا من قوته فى حرب لبنان الأخيرة، وانعكس ذلك بدوره على الوضع فى دمشق، فضلًا عن قطع الطرق والمعابر الرئيسية بين سوريا ولبنان والذى يحرم حزب الله من ارسال أى قوات عسكرية فاعلة للأراضى السورية، إيران وقفت متفرجًا أمام سيل الأحداث المتلاحقة فى لبنان وغزة ثم سوريا، وخضعت للضغط الدولى والتهديدات الإسرائيلية. كل ذلك أدى إلى واقع متغير كبير فى المنطقة انعكس بشكل كبير على الجارة الرئيسية سوريا، فالعقلية الجهادية ترى قال كما قال أسد الدين شريكوه عم صلاح الدين الايوبى: «من ملك حلب استظهر على بلاد الشرق كلها»، لذلك كان التخطيط ولو رجعنا قليلا للوراء ففى مايو 2023 أدلى أبو محمد الجولانى بتصريح فى غاية الخطورة، ووقتها اعتبره الكثيرون ما يقوله كلاما لرفع معنويات الفصائل مثلما هو حال الكثير من المتحدثين فى زمننا، الذين يبحثون عن البطولة فى حسن نصر الله والسنوار قبل طوفان الأقصى ويبدو أنه قصد كل كلمة قالها حينها.
قال الجولاني: «إن الثورة السورية اليوم فى أقوى حالاتها من الناحية العسكرية فنحن اليوم فى العصر الذهبى فى الثورة أقولها ليس لرفع المعنويات بل أقولها كمعلومة الآن، ولم يبق إلا القليل لكى نصل إلى حلب وأرى أهل حلب أمامى الآن كما أراكم وأنا أتحدث اليوم». استغلال هذا الواقع يدل ان التنظيمات المتطرفة تعد بجدية لاقتناص الفرصة المناسبة وإنّ معرفة التوازنات المتاحة وخصومات القوى المختلفة داخل المجتمع الدولى يشى بوجود لاعب إقليمى قوى مانح وداعم جعل الفرصة على الأرض مواتية وقابلة للتنفيذ. فواقع النظام السورى «الأسد» يشبه مريضًا فى الإنعاش يموت حين تُرفع عنه الأجهزة «روسيا وإيران وميليشياتها». كما أن جنوده يفتقدون للعقيدة القتالية والتدريب، التى يتفوق معظم عناصر الفصائل المسلحة فى الشمال عليهم، حيث يغلب عليهم التديّن والعبادة والمظهر الدينى، وهو السمت الشائع المنتشر المتعزّز فى منطقة إدلب المليئة بدروس العلم وحفظة كتاب الله، وهو الأمر الذى لا تركّز عليه أعين الإعلام غربية الرؤية، فماذا نصنع لك إن كنت تُعير عقلك للإعلام يريد غير المعلومة الدقيقة بغير تمحيص وبحث عن الحقيقة التى تخصّ أهلك وإخوانك فى سوريا وربما فى أقرب بقعة لديك فى المرحلة المقبلة؟!
1- الفصائل المسلحة.. وسوريا الجديدة
الحقيقة أن «داعش» و«القاعدة» و«أحرار الشام» و«النصرة» ثم «هيئة تحرير الشام» فيما بعد، كما ثبت بكل ما قدمته الأيام الماضية من أدلة هم أشبه بـ«حصان طروادة»، الذى دخلت بسببه القوى العالمية وعلى رأسها أمريكا وروسيا إلى منطقتنا العربية مؤخرًا، ورغم أن القوى العالمية لا تحتاج حقيقة لمبرر، لكن اصطناع مبرر من خلال هذه التنظيمات هو المبرر فى الحقيقة لاستعمار من نوع جديد، فقد كان مبرر تارة بـ«أسلحة الدمار الشامل» فى العراق، ثم جاء الخوارج من جماعة «داعش» فدخل باسم مقاومة الإرهاب والتحالف ضده، ثم لحصار القاعدة وتمددها فى العراق وسوريا، ثم المبرر القوى الآن لتكوينات أحرار الشام وهيئة تحرير الشام لوجود التحالف الدولى من اجل محاربة الإرهاب من جديد لحماية إسرائيل وربما دخول إسرائيل نفسها لحماية نفسها.
التطور التكتيكى والعسكرى على الأرض سبقه تاريخ طويل لتكوين لهذه الفصائل وتطورها الفكرى والمنهجى والأيديولوجى وهو ما نستطيع أن نطلق عليه «الأيديولوجيا الفاتنة» أيديولوجيا اللحظة الجهادية الفارقة، فالكثيرون مندهشون من الطبعة الفكرية الجديدة التى ظهر بها «أحمد الشرع» أو «أبو محمد الجولاني» فى cnn طبعة الليبرالية طبعة مفارقة لماضيه القاعدى الكبير، طبعة يقدر فيها الآخر ويحترم عقائدهم ويظهر حجم الديكتاتورية التى عاشها أتباعه فى ظل حكم الفرد والاستبداد، من أجل ان تخرج ايران وروسيا والمؤيدون لحكام العرب من المشهد ربما بشكل مؤقت الآن ليقوم بذلك الدور الجولاني، ليقف معه لاعب جديد فى المنطقة فيظهر الجولاني الديمقراطي، «الديمقراطيون الجدد» الطبعة الثالثة، أو يدخل لاعب جديد فى المشهد ويرحل الجولاني، لكن المؤكد أن ما يحدث فى سوريا الآن ليس فى مصلحة سوريا ولا الشعوب العربية جميعا، وعلينا الآن فى اللحظة الفارقة دراسة الماضى بمنهجية ابن خلدون الذى ينظر للأحداث التى جرت فى تاريخ الدول بتأملٍ شديدٍ فاستبصر ظواهرَ اجتماعيةً دائمة الحدوث غير مرتبطةٍ بالوقت ينير الحاضر والمستقبل.
أيديولوجية القاعدة وتحولاتها
نشأت القاعدة فى بدايتها على منهج الجهاد والقتال لاستعادة بيضة المسلمين السائلة فى أيدى الروس والغرب الذى أباح دماء المسلمين على أراضيهم، كان التركيز القاعدى على رأس القوى الغربية قتل العدو البعيد وقتال الطاغوت «الحاكم» الأجنبى مقدم على الطاغوت «الحاكم» العربي، وكانت الجولة الأولى للقاعدة فى أفغانستان فى الفترة من ١٩٧٩ إلى عام ٢٠٠١، ونتج عنها التدخل الأمريكى فى أفغانستان- لاحظ الطبعة الجديدة من طالبان المتوافقة مع الغرب وأمريكا، وجاءت الجولة الثانية للقاعدة فى العراق من ٢٠٠١ إلى ٢٠٠٨ ونتج عنها الاحتلال الأمريكى للعراق، ثم جاءت سوريا وطن القاعدة الجديد ٢٠١١ إلى ٢٠٢٠ لتدخل إيران فى الواقع السورى بميليشياتها العسكرية، فمهدت لسوريا الجولانى الطبعة الليبرالية هذا ما سوف تسفر عنه الأيام القليلة المقبلة.
ففكر القاعدة الأساسى أن إقامة الدين يعنى إيجاد حكومة إسلامية ويكون أمراؤها من قادة القاعدة الذين عاصروا المواجهات العسكرية فى مناطق الصراع الكبيرة «أفغانستان الشيشان البوسنة العراق سوريا»، وأن يكون صراعها مع الغرب حتمى ويأتى صراعها مع الحكام العرب والموالين للغرب فيما بعد، وأن أى تنظيم أو جماعة أو تجمع يتنازل عن ثوابته العقدية السابقة فلا يمثل لا جماعة القاعدة ولا أمراءها.
تغيرت أيديولوجية القاعدة وحدث لها تحولات أيديولوجية كبيرة فيما بعد، فقاعدة أبو مصعب الزرقاوى فى العراق، تختلف عن قاعدة أنور العولقى وخالد بطرفى فى اليمن، فقد وجه هؤلاء جهودهم وأسلحتهم لمواجهات الداخل أى الطاغوت العربى وليس الأجنبي، وانتقل ذلك إلى قاعدة المغرب وبلاد الحرمين والشام بالتبعية دخلت الشام المعادلة التنظيمية، وهنا انقسمت القاعدة بعد مصرع ايمن الظواهرى وريث بن لادن زعيم القاعدة الأول، إلى قاعدتين، قاعدة أسامة بن لادن وقاعدة أيمن الظواهرى وأمرائهم وقاعدة سيف العدل محمد صلاح زيدان أمير القاعدة الحالى بعد مصرع الظواهرى فى أفغانستان، والذى ارتمى بحكم جغرافية المكان والمتواجد حاليًا بالحاضنة الإيرانية وأصبح فى يديها حلقة من حلقات أدوات الصراع العددية فى المنطقة العربية والإسلامية، وربما تشهد قاعدة إيران مصرع قائدها فى المرحلة القادمة تعبيرا عن نهاية المرحلة الإيرانية. هذه أيديولوجية القاعدة كما يستشفها الباحث الحصيف من بيناتها وتصرفاتها وبعقل من يتبع إدراكها الفقهى وما يعنية من استقراء ثم استدلال وأخيرا الاستنباط التحليلي. فنبرة مهاجمة المصالح الغربية بدا تخفت فى تنظيم القاعدة منذ ٢٠١٥ ومن هنا فالغرب الآن غير معنى بمهاجمة القاعدة كأيديولوجية وتنظيم وهو ما سوف يظهر فيما بعد فى العراق وسوريا وخاصة مع الجولانى وتنظيمية من مهاجمة ثم مهادنة ثم مغازلة ثم التمهيد للتطبيع الديمقراطي.
2- فرع القاعدة المتحول
جبهة النصرة كانت فى الأصل هى الفرع الرسمى لتنظيم القاعدة فى سوريا، ثم ادعت أنها انفصلت تمامًا عن القاعدة وهو ما عرف بـ«فك الارتباط» على الرغم من تاريخ الجبهة الطويل والمثبت فى العمل كفرع للقاعدة. ففى ٢٨ يوليو ٢٠١٦، أصدرت القاعدة بيانًا صوتيًا يمنح الجبهة الإذن الرسمى بقطع العلاقات إذا كان الرابط «يتعارض مع وضعها فى القطر السورى واستمرار بقائها»، أعلن زعيم جبهة النصرة حينها أبو محمد الجولانى حينها الانفصال عن تنظيم القاعدة بعد أن شكر «إخوانه قادة القاعدة…» وأعلن عن تغيير اسم التنظيم من جبهة النصرة إلى «جبهة فتح الشام». وحينها تحدث كثير من المحللون أن هذا الانفصال ربما يكون شكليا أو مصطنعًا من أجل هدف واحد هو تقوية الجبهة السورية وجذب مزيد من التمويل والهروب من الملاحقات الدولية فى وضع التنظيمات السورية على قوائم المتابعة الدولي، وتقديم نفسها كجماعة معارضة شرعية فى سوريا. ومعروف أن معظم التنظيمات الجهادية من الصعب أن تغير أيديولوجيتها بسهولة نظرًا لاعتبارات كثيرة، فهناك أفكار عقدية تخص الولاء والبراء وارتباطات الشبكات الاجتماعية من بيعة وغيرها، وهناك ضغط الواقع السجون والملاحقات الأمنية، وهنا يبرز التطور الذى لحق بـ«هيئة تحرير الشام» (هتش) تطور حدث بشكل كبير ومتلاحق، وعمليًا أدى لحودث صدام بينها وبين تنظيم القاعدة والذى قتل على أثره عدد كبير من قيادات القاعدة حينها قيل إن «هيئة تحرير الشام» بشكل كبير وراء عمليات تصفيتهم لأحداث توازن والهروب من فكرة إدراجهم على رأس الكيانات الإرهابية الدولية، وأهم هذه القيادات أبو فراس السورى وأبو الخير المصرى وأبو الفرج المصرى وأبو خلاد المهندس وأبو خديجة الأردنى والقسام أبو الحسن وأبو أحمد الجزائرى وأبو يحى الأزبكى وسياف التونسى وصلوا إلى مقتل ١٧ قياديًا من جبهة النصرة قاعدى الهوى فى غارة للتحالف الدولى وكان الاستهداف بطريقة واحدة وهى الطائرات المسيرة عن بعد.
الجولانى الطبعة الجديدة البراجماتية
امتد التغيير لأفكار أحمد الشرع الجولانى على مدار العشر سنوات الماضية لتلحق به شهرة كيرة على حساب معظم قيادات التنظيمات الجهادية الأخرى، فحفر اسمه بجانب بن لادن والظواهرى والبغدادي، أعلنت جبهة النصرة فى ٢٨ يناير ٢٠١٧ أنها ستحل نفسها وتطلق على نفسها "هيئة تحرير الشام".
وكان الزعيم الأول لهيئة تحرير الشام هو هاشم الشيخ، المسئول الحركى الأول لحركة أحرار الشام، لكنه سرعان ما استقال الشيخ من منصبه فى ١ أكتوبر ٢٠١٧، والملاحظ أن «هيئة تحرير الشام» وأحرار الشام، بل وجميع الفصائل الشامية المسلحة بها انشقاقات تصل لدرجة القيادة وليس القواعد فقط، لكن يرى مقربون من القاعدة المحللون أن قوة الهيئة تصل لنحو ١٠ آلاف مقاتل، معظمهم ينتمون إلى ما كان يعرف بتنظيم القاعدة، وبحلول نهاية عام ٢٠١٨، كان لدى هيئة تحرير الشام ما يقدر بنحو ١٥ إلى ٢٠ ألف مقاتل. وبحلول نهاية عام ٢٠٢١، كان لدى جبهة النصرة ما يقدر بنحو ٥٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠ مقاتل.
ويبقى السؤل الملح هل فكر أو أيديولوجية الجولانى كانت قاعدية فى الأساس، فالإجابة من خلال المسيرة التنظيمية لجولانى وجبهة النصرة وسنوات ما قبل إعلان الانفصال، جميعها يؤكد ولاءه لجماعته تنظيم القاعدة، بل وهناك مداولات لزعيم داعش أبو بكر البغدادي، أنه أرسل للجولانى مقاتلين من العراق إلى سوريا فى عام ٢٠١١ من أجل استغلال الفراغ فى دعم الوضع فى سوريا.
بل إن الوثائق الأمريكية ترصد الحالة الشامية تؤكد أن جبهة النصرة تشكلت من قبل تنظيم القاعدة فى العراق «لخطف الأضواء من المعارضة السورية الشرعية لتعزيز أيديولوجيتها المتطرفة».
3- برجماتية «هيئة تحرير الشام»
اتفقنا أن الأيديولوجيا التى اتبعتها «هيئة تحرير الشام» الجولانى هى القاعدة لكن يجب توضيح ماهية الخلاف بين القاعدة وتنظيم الدول المعروف بـ«داعش»، فبداية الخلاف كان فى مبايعة الجماعة الأم وهى القاعدة فبيعة «هيئة تحرير الشام» كانت للقاعدة وأسامة بن لادن وانتقلت بتابعية بعد اختيار أيمن الظواهرى لوجلوسه على أريكة الإمارة التنظيمية له، وعندما انشق البغدادى عن القاعدة طرحت البيعة له ومن ثم انكرت «تحرير الشام» ذلك عليه مصداقا لحديث نبوى مبول عندهم بفهم منطوق الخلافة «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»؟ ومن هنا سقطت بيعة داعش للقاعدة ووقع الخلاف بين الظواهرى والبغدادى للظواهري، وكان أمل البغدادى أن يوافقه الظواهرى على ذلك، فأبقى الظواهرى فى البداية البغدادى على العراق، والجولانى على سوريا. فاشتعل البغدادى غيرة وغضبا من الجولانى والظواهرى واعتبرها مؤامرة كونية على خلافته، وشعر بفقدان الجبهة الشامية حيث النفط وعوائد المعابر والتمويل الأجنبى السخى فى هذه الفترة فخرج البغدادى يعلن على لسان متحدثة طه الفلاحى وأنها باقية وتتمدد وترحل إلى الشام وتقبل البيعة وكفروا الظواهرى حينها.
رمزية السجون فى عقل الجولاني
منذ بداية الأزمة فى سوريا فى عام ٢٠١١، كان معظم عناصر السلفية الجهادية وتنظيمات الإسلام السياسى مودعون فى سجن صيدنايا الوجهة النهائية للقاعدة وأيضا لأفراد عسكريين اشتُبِه فى أنهم عارضوا نظام الأسد وفجأة وبدون سابق إنذار تم فتح السجن وهروب عدد كبير منه إلى الساحات السورية لتتولى قيادة الساحات الجهادية فيما بعد. نفس ما يحدث الآن فى سجن حلب الرئيسى وهو سجن مدنى يمتد على مساحة كيلومتر مربع تقريبا شرق مدينة حماة بالقرب من حى القصور والمنطقة الصناعية، ويعد من أهم سجون النظام السورى «الأسد» حيث يحوى عددًا كبيرًا من المعتقلين السياسيين والمدنيين، شهد هذا السّجنُ العديد من حالات العصيان من أشهرها «ثورة الأمعاء الخاوية» عام ٢٠١٨ بسبب قيام إدارة السجن بإصدار حكم بالإعدام بحق ١١ معتقلًا بتهمة الإرهاب على خلفية مشاركتهم فى المظاهرات السلمية، يحتوى السجن على قرابة الـ٣٠٠٠ معتقل من السلفية الجهادية قسم كبير منهم اعتُقِل أثناء الثورة بتهمة الإرهاب وجميعهم بالخارج الآن. ترى هل يعاد مشهد ٢٠١١ من جديد على طاولت الاحداث السياسية بيد تنظيمات السلفية الجهادية ام هناك شيء ما خفى يلوح بالأفق قريبًا. أيام نظام الأسد ولت بينما تتحول أولويات الولايات المتحدة نحو التنافس بين دول كبرى مثل الصين وروسيا ودعم حليفتها الاستراتيجية إسرائيل، والمؤشرات تؤكد أنها لا تضع الشرق الأوسط فى مقدمة أولوياتها القادمة، بينما شعوب المنطقة العربية لم تعد ترى جماعات مثل «هيئة تحرير الشام» مجرد «جماعات إرهابية»، بل فاعلين سياسيين يشغلون الفراغ الذى تركته الدول الإقليمية وخاصة بعد الصدمات النفسية التى احدثتها حرب غزة ولبنان فى نفوس الشعوب والمجتمعات العربية، والنهاية فوز برجماتية الجولانى حتى الآن.
محطات غامضة فى تاريخ أحمد الشرع «الجولانى سابقًا»
1- درس أحمد الشرع «الجولاني» الإعلام فى دمشق ولم يكمل دراسته فيها، ثم توجه إلى العراق فى عام ٢٠٠٤ والتحق بفصيل مغمور يدعى سرايا المجاهدين.
2- الذى بايع لاحقا تنظيم القاعدة، ومع أول عمل ميدانى للجولانى ألقت القوات الأمريكية القبض عليه فى محافظة الأنبار، وحولته إلى سجن بوكا.
3- فى بوكا التقى الجولانى بعدد من الشخصيات التى شكلت لاحقًا عماد تنظيم داعش الإرهابي، على رأسهم أبو مسلم التركمانى وأبو أيمن العراقي.
4- كما عُرف عن سجن بوكا- الذى تديره القوات الأمريكية- أنه «الجامعة» التى تخرج منها معظم قادة داعش المشبوهين، وفى مقدمتهم أبو بكر البغدادى وحجى بكر ثسادى حزب البعث!
5- فى عام ٢٠١٠ أفرجت أمريكا عن مجموعة من الشخصيات التى تقلدت مفاصل تنظيم داعش ونلاحظ أن التاريخ يعيد نفسه لاحقا، منهم أبو مسلم التركمانى الذى عيّن واليًا على ولاية نينوى.
6- مع بداية انطلاق شرارة الثورة السورية فى عام ٢٠١١ أفرجت القوات الأمريكية عن الجولاني، فالتحق بأبى مسلم التركمانى فى نينوى شمال العراق.
7- ولا شك أن إطلاق كل من أمريكا ونظام الأسد لمئات المتعلقين مع بداية الثورة، لم يكن حدثا عفويا، أو بادرة حسن نية تجاه الشعوب!
8- فقد كان الهدف من ذلك أدلجة الثورة الشعبية واختراقها، وإغراقها بفوضى صراعات جماعات الإسلام السياسي، التى كانت تطحن بعضها فى السجون!
9- وهذا ماحدث بالفعل، فلا نكاد نجد اليوم قائدا فى الفصائل المقالتلة فى سوريا- التى أرهقت الثورة- إلا وقد تخرج من سجن صيدنايا أو بوكا..
10- بالعودة إلى العراق، فبعد الإفراج (العغوى !) عن الجولاني- والذى لا يزال حتى ذلك الوقت جنديا مغمورا- تم انتدابه لتأسيس القاعدة فى سوريا.
11- وذلك بتزكية من أبى مسلم التركماني، وكانت أولى بيانات التنظيم تكفير أردوغان!، وحين سأل أبو الخير المصري- أحد قادة الأحرار- الجولانى عن السبب أجابه الجولاني: كى لا يُفتن الناس بأردوغان!. وهناك تسجيل يوثق تلك الحادثة.
12- مع إعلان البغدادى تمدده إلى سوريا وحل جبهة النصرة، خسر الجولانى ٩٠٪ من مواقع وموارد النصرة وعناصرها لصالح البغدادى وشارف على الانهيار.
13- أصبح الجولانى على إثرها طريدًا هاربًا من بطش أميره البغدادى ونقمته، فلجأ الى مقرات أحرار الشام التى أطعمته من جوع، وآمنته من خوف فسترد عافيته وضم إليه بعض المقاتلين من الاحرار.
14- وبعد مقتل قادة أحرار الشام فى تفجير رام حمدان الشهير وتولى قادة ضعفاء، وجد الجولانى الفرصة سانحة لفرض مشروعه الخاص والهيمنة على الساحة السورية.
أهم العمليات الإرهابية التى قام بها الجولانى وهيئة تحرير الشام
■ أما أولى عمليات التنظيم فقد كانت تفجير بالقرب من مكتب فلسطين فى قلب دمشق، راح ضحيته أكثر من ١٥٠ مدنيًا، مما شكل تحولا خطيرا فى مسار الثورة، واستفاد نظام الأسد كثيرا من تلك الحادثة، داخليا وخارجيا وصدرها خارجيا وقدم نفسة مدافعًا عن سوريا وضد الإرهاب.
■ حمل الجولانى عملية مكتب فلسطين لقيادى بالقاعدة يسمى "أبو مارية القحطاني" فحكم عليه الجولانى بالسجن فى "بيت فخم" فى دير الزور!، ثم ما لبث أن أخرجه الجولانى من سجنه بعد أيام وعيّنه أميرا على الحسكة ثم قتلة منذ حوالى عام بعد خلاف شديد معه على الإمارة!
■ تورط الجولانى فى اغتيال عدة شخصيات كردية معارضة للأسد بتهمة الردة مما زاد الشبهات حوله!، ثم ما لبث أن التحق بمجموعات القاعدة إبان تمددها فى سوريا.
■ قوة الجولانى على الأرض تصل لنحو ١٠ آلاف مقاتل، معظمهم ينتمون إلى ما كان يعرف بتنظيم القاعدة، وبحلول نهاية عام ٢٠١٨، كان لدى هيئة تحرير الشام ما يقدر بنحو ١٥ إلى ٢٠ ألف مقاتل. وبحلول نهاية عام ٢٠٢١، كان لدى جبهة النصرة ما يقدر بنحو ٥٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠ مقاتل..
■ تورط فى قتل ١٧ قياديا من جبهة النصرة منتمين لتنظيم القاعدة فى غارة للتحالف الدولى وكان الاستهداف بطريقة واحدة وهى الطائرات المسيرة عن بعد قيل إنه رفع يده عن حمايتهم.
■ تلقى الجولانى دعم خارجى مبطنًا بأكثر من ٨٣ مليون دولار من أجهزة مخابرات غربية عبر وسطاء لقاء الافراج عن بعض الرهائن!
■ مجموعات الجولانى معروفة بسرقة المعامل والمصانع حتى سرقة سكك الحديد وكبال الكهرباء، وفرض الضرائب على المجتمع والفصائل الأخرى.
■ عندما هاجمت مجموعات الجولانى أحرار الشام مؤخرا بحجة الارتباط الخارجي، سلم الجولانى عددًا من المدن لجيش إدلب الحر الذى تدعمه أمريكا!
0 تعليق