عمان- قبيل الساعة الثامنة صباحا، تزدحم محطات انتظار حافلات النقل العام بالطلبة والموظفين والعمال الذاهبين الى جامعاتهم وأعمالهم، ولدى وصول أول حافلة (كوستر)، يتدافعون ويتنافسون فيما بينهم للوصول الى بطون الحافلات، للحصول على مقاعد فيها، إذ اعتاد ركاب الحافلات من المواطنين ذوي الدخول المحدودة، على هذا النمط من العلاقة بينهم وبين تلك الحافلات، التي لا يأبه سائقوها بحشرهم في جوفها، دون أي اعتبار للأضرار التي قد تلحق بالركاب، أو بهم حين يخالفون تعليمات وقوانين السير، بحمولاتهم الزائدة من الركاب.اضافة اعلان
يتكرر هذا المشهد في مختلف أوقات اليوم، ومن نتائجه مثلا، أن تجلس ثلاث فتيات على مقعد حافلة يتسع لراكبين، أو حشر الأعداد الزائدة للركاب في وسط ممر الحافلة، كل ذلك من دون أي وسيلة تنظيمية للركوب، أو حماية للركاب. فالسائق لا يأبه إذا ما جعل جوف حافلته "علبة سردين" كما يعلق الركاب عادة.
لا يتوقف الأمر عند هذا المشهد المؤذي الذي تتخله أفعال تحرش بالنساء من ذوي نفوس مريضة، أو التسبب بإيذاء بعض الركاب من كبار السن، ناهيك عما قد يسببه هذا النوع من التدافع للحصول على مقعد، من مشاكل أخرى.
كما تعرّض الحافلات ذات الحمولات الزائدة، الركاب لحوادث ينجم عنها إصابات متنوعة، قد تصل إلى حد الوفاة، ناجمة عن أعطال مسكوت عنها في الحافلة، أو أن صلاحية الحافلة غير مناسبة لمثل هذه الأعداد الزائدة، وعادة ما تكون صلاحية هذه الحافلات وغالبيتها لا تتبع برامج الصيانة الدورية، أدنى من المواصفات المطلوبة، فبمجرد دعسة "بريك" مفاجئة يقدم عليها سائق الحافلة، وغالبا يتوقف السائقون لحمل ركاب إضافيين من الطرق، أو عند التفاف السائق بالحافلة على نحو مباغت وبسرعة زائدة، تصبح حياة الركاب تحت رحمة السائق والحوادث الخطرة.
وحسب أحدث احصائية للأمن العام لسنة 2023، تعمل في المملكة 23522 حافلة ركوب متوسط (أي الحافلة المصممة لنقل عدد محدد من الأشخاص، يزيد على 9 ولا يزيد على 30 شخصاً، بمن فيهم السائق)، موزعة على المحافظات كافة، وقد بلغ عدد التي تسببت منها بحوادث نجم عنها إصابات بشرية 428 حافلة.
كما أن ازدحام الركاب في هذه الحافلات على نحو مبالغ فيه، وفرض إغلاق الستائر عليهم في محاولة من السائقين للتهرب من دوريات السير، الى جانب وضع إضاءة خافتة أحيانا في الحافلة، كلها عوامل تسهم بزيادة نسب حالات التحرش من كلمات وعبارات وحركات غير لائقة، كوضع اليد على الكتف، أو الالتصاق أو الاحتكاك بأجساد النساء والفتيات من أشخاص لا وازع أخلاقيا عندهم، أو ممن يغلقون غالبا ممر هذه الحافلات الأوسط جراء الازدحام، ما يسبب للإناث اللواتي يستخدمنها، شعورا بعدم الراحة والأمان.
الأجرة أولا.. وحياة مرتهنة للحظ
"بريك مفاجئ تسبب لي بقطع في الأربطة وكسر في عظمة صابونة الركبة، وقرار حرمان من إحدى المساقات الدراسية". يروي محمد (اسم مستعار) قصة حادثة تعرض لها العام الماضي أثناء عودته لمنزله، حين سقط أرضاً في إحدى الحافلات (نوع كوستر) تعمل على خط عمان - عجلون، إذ كان سائقها قد ضاعف حمولتها بزيادة عدد الركاب الذي تجاوز المسموح به.
"الباص محمل ركاب زيادة، لما الشوفير يضرب بريك مفاجئ، ما بتعرف شو مصيرك"، يصف الطالب محمد ظاهرة الحمولة الزائدة التي يعاني منها مستخدمو حافلات النقل العام في الأردن، وعلى إثر احداها، تعرض لإصابة في قدمه، وبقي لثلاث أشهر تحت العلاج، ما تسبب بقرار من الجامعة حرمه من مساق دراسي، لغياباته المتكررة طوال فترة العلاج.
وحسب إحصائية الأمن العام، سجل كانون الأول (ديسمبر) أعلى عدد من الإصابات بين ركاب حافلات "الكوستر"، بـ15 إصابة متوسطة، و7 بليغة وبسيطة. كما سجلت الفترة بين الساعة 8:00 و9:59 صباحا 5 وفيات، و5 إصابات بليغة، و18 متوسطة، و27 بسيطة.
كاميرا "الغد" وثقت تدافع ركاب حافلة تعمل على خط عمان - إربد، بعد انتظار دام لأكثر من نصف ساعة على مقدم حافلة، سرعان ما امتلأت بالركاب على نحو مبالغ فيه، ومن لم يجد مقعدا فيها، اضطر للوقوف في ممرها طوال الطريق الذي يستغرق وقتا يصل لنحو ساعة ونصف الساعة.
تقول لجين (اسم مستعار) لـ"الغد"، إنها شهدت خلال ركوبها في حافلة تعمل خط عمان - إربد ذات مرة، إن حمولة الحافلة الزائدة تعدت الـ11 راكبا إضافيا، وقد كان هناك راكب أيضا يجلس في موقع غير مخصص للجلوس، يقع بجانب مقعد السائق، يطلق عليه الركاب اسم "اللوج"، وهو بدون مسند أو وسيلة حماية، والمسافة بينه وبين الزجاج الأمامي اقل من 25 سم، وبسبب التحويلات على طريق عمان - إربد، وإثر شدة دعسة "بريك" مباغتة، اندفع الراكب هناك ليصطدم بزجاج الحافلة الامامي، ما تسبب له بكسر في الجمجمة وإصابات في أنحاء جسده.
وعلى نحو عام، سجلت مدينة إربد 6 إصابات متوسطة لركاب حافلات و27 بسيطة، حسب الإحصائية الأمن العام.
السائق و"الكنترول" غير مبالين
في مقابلة هاتفية أجرتها "الغد" مع مساعد سائق باص (كنترول)، وهو يعمل منذ أربع سنوات في حافلة نقل عام بالعاصمة، أكد فيها أن استمراره بتحميل الركاب برغم امتلاء الحافلة، يحدث بإرادته هو، ومن دون أي ضغط يمنعه السائق فيه من الحمولة زائدة، لافتا الى أنه جراء الحمولة الزائدة، وبعد دعسة "بريك" مباغتة، اصطدم الراكب بباب الحافلة بقوة، ما أدى لكسر في أنفه، وبرغم خطورة الإصابة وأثرها على الشاب، لكن "الكنترول" علق بقوله "هذه إصابة عادية حتى لو انكسر أنفه، حادث مش مهم".
من جهته، برر أيمن الأحمد سائق حافلة تعمل على خط عمان -البقعة، ارتكاب سائقين مخالفات بمضاعفة عدد ركاب حافلاتهم وتعريضهم لهم للخطر، بأن الزيادة وعدم المبالاة بالركاب، تعود لتدني دخولهم، مقابل حجم التزاماتهم، اذ يترتب عليهم شهريا اقتطاع قسط الضمان الاجتماعي شهريا منهم، وتعبئة الحافلة بالوقود يوميا، الى جانب تكاليف صيانتها دوريا.
وقال الأحمد، إن واحدة من أسباب الإصابات الخطرة للركاب، عدم رؤية سائق الحافلة أحيانا للركاب الذين ينزلون في المواقع التي يصلونها، لانه لا يستطيع أن يراقبهم عن طريق مرآته الداخلية جيدا، جراء وقوف الركاب الزائدين في ممر حافلته، ما يجعله يظن بأن الراكب قد خرج منها، بينما هو ما يزال على عتبة بابها او عند طرف منه وعلى وشك الخروج.
منال (اسم مستعار) الحامل في شهرها الخامس، ما أن توقفت الحافلة لصعودها إليها، لم ينتظر السائق ليتأكد من أنها صعدت للحافلة، ولم يراقب المرآة، لينطلق متحركا ظنًا منه أنها اتخذت مكانا في الحافلة المحشوة بالركاب، لكنها فعليا كانت تحاول الثبات في ممر الحافلة، لذا كانت عملية تحريكه للباص مباغتة لها، فتسبب بسقوطها أرضا، لتمضي بعدها فترة طويلة طريحة الفراش تحت العلاج.
وحسب الاحصائية، فقد بلغ عدد سائقي الفئة الخامسة المخولين بقيادة هذا النوع من الحافلات المسجلين حتى نهاية العام الماضي 9052، وعدد المشتركين بحوادث تسببت بالإصابات للركاب 901.
"نزل راسك وسكر البرادي.. رقيب السير قريب"
وفي حافلة عاملة على خط بمحافظة البلقاء، كان سائقها قد حشر فيها أكثر من 30 راكبا، عندما حرك حافلته، طلب "الكنترول" من الركاب، إغلاق نوافذ وستائر الحافلة عند المرور قرب دورية سير أو رقيب سير، بطريقة فجة، من دون اعتبار الى ان ذلك قد يؤدي لضغط جو الحافلة، ونقصان في الاكسجين.
يقول حمزة أحمد (اسم مستعار)، أنه لاحظ بعد مضي عشر دقائق من إغلاق النوافذ والستائر بأمر الكنترول وإلحاحه وكلماته الفجة، فتاة من الركاب في حالة ضيق شديد، لأنها تعرضت لضيق تنفس: "انخنقت وما كانت قادرة تحكي، أصابعها متشنجين.. كلها متشنجة، لان كنترول الباص والسائق رفضا فتح الشباك والبرادي للتهوية عند مرورهم قرب دورية سير".
وكانت محافظة البلقاء قد سجلت 5 وفيات لركاب حافلات، و4 إصابات بليغة، و16 متوسطة، و6 بسيطة. كما سجلت العاصمة 38 إصابة بسيطة، حسب الإحصائية.
وفي حالة أخرى، أجبر سائق ركابا زائدين في حافلته، على النزول منها لإكمال الطريق مشيا، لحين تجاوزه دورية سير. وهذا ما حدث مع صقر الذي يدرس بجامعة مؤتة في محافظة الكرك، فأثناء ذهابه للجامعة، كانت الحافلة تحمل أكثر من 35 راكبا، فطلب سائقها و"الكنترول" منه ومن الزائدين في الحافلة إكمال الطريق مشيا حتى يصلوا لإحدى الإشارات بعد تجاوز دورية السير، وهناك توقفت الحافلة.
الحمولة الزائدة.. تدهور وفقدان سيطرة
وفي نموذج آخر لعدم المبالاة، فإن فقدان السيطرة على سرعة حافلة تعمل في العاصمة، وعدم قدرتها على الوقوف التام، أدى لاصطدامها بمركبة طالب في الجامعة الأردنية من أصدقاء أحمد خلدون، وقد تسبب هذا الحادث بتدمير الجزء الأمامي للحافلة بالكامل، وايقاع إصابة بليغة في كتف صديقه ويده، وهو ما يزال منذ سنة ونصف وإلى اليوم يخضع لعلاج طبيعي.
وحسب الإحصائية، شكل خطأ فقدان السيطرة أثناء القيادة نسبة 0.8 % عند السائقين المسببين للحوادث، كما سجلت مثل هذه الحوادث 90 إصابة بسيطة، و113 متوسطة، و15 بليغة، 12 وفاة، بينما شكلت الوفيات الناجمة عن حوادث تدهور 6.6 % من مجموع الوفيات، في حين وصلت نسبة الاصابات البسيطة 17.9 %، والمتوسطة 11.9 %، أما البليغة فسجلت 13.7 % من مجموعها.
حافلات بلا كفاءة فنية
الخبير التقني في مجال الحافلات حبيب الصلاحين، قال إن "الوزن الزائد يؤثر على كفاءة عمل فرامل أي مركبة، ومواصفاتها ترتبط على نحو دقيق بالحمولة، فعند تجاوز الحد الأقصى للحمولة، يفقد السائق سيطرته بتخفيف سرعة حافلته كما هو مطلوب، إذ تحتاج لوقت أطول حتى تتوقف وقوفا تماما".
وأضاف الصلاحين، هناك حمولة قصوى لكل حافلة، فإذا جرى تجاوزها سيؤثر ذلك على سلامتها وعمرها التشغيلي، لذا، قد تسبب الحمولة الزائدة بضعف المحرك وعدم كفاية العزم الخارج منه لتحريكه، ما يزيد من استهلاك الوقود؛ بسبب شعور السائق بضعف قوة المركبة، وهذا يجعله يضغط أكثر على دواسة البنزين".
"الكوستر".. لا أمان للفتيات
"الشب استغل إنه الباص مليان، وما حدا شايفه، وتحرش فيها"، هذه حالة تحرش وصفتها ميس (اسم مستعار)، جرت وقائعها أمامها في حافلة تعمل على خط عمان - الزرقاء، رأت فيها شابا تحرش بسيدة تحمل طفلها الرضيع بحضنها، وتجلس في مقعد يجلس فيه راكبان آخران بجانبها، وسرعان ما صرخت محتجة على من تحرش بها، فطلبت من السائق التوقف لتنزل من الحافلة، وبرغم وجود مركز أمن على الطريق، لكن لم يتوقف السائق للاشتكاء على المتحرش، "لازم اشتكوا عليه، بس ما كان في أي ردة فعل من السائق والركاب"، قالت ميس.
"الغد" توثق ميدانيا
بالـ"فيديو" نفذت "الغد" عدة رحلات باستخدام حافلات نقل عام، شملت عدة مناطق. وفي إحداها، تحركت حافلة تعمل على خط عمان – السلط، محشوة بأكثر من 44 راكبا (40 فتاة، 4 شباب، من ضمنهم السائق والكنترول). وخلال مسير الحافلة، كان السائق يتحرك في طرق فرعية، تهربا من دوريات شرطة السير، فيما ستائر ونوافذ الحافلة مغلقة، بتنبيهات سمجة يطلقها "الكنترول" للركاب، بينما الإضاءة خافتة، الى جانب اضاءة ملونة خفيفة تنبعث من سقف الحافلة، وصوت موسيقا وأغان مرتفع جدا ينبعث من آلة التسجيل، كأن الحافلة كازينو، ومن يعترض يرد عليه "الكنترول" بوقاحة: "إذا مش عاجبك بنزلك بنص الطريق".
وفي موقف مشابه للسابق، قالت نور (اسم مستعار) إنه في إحدى رحلاتها على حافلة تعمل على خط الجامعة الأردنية - السلط، جلست خمس فتيات بجانب كرسي السائق، وعندما اعترضت إحداهن على الجلوس هناك، رد عليها "الكنترول" بعبارات نابية منها: "عادي.. اقعدي جنبه، مهو قرفان يلي عنده".
وفي دراسة أجريت حول ظاهرة التحرش في الأردن خلال العام 2017، على عينة قوامها 2875 طالبة من الجامعات الحكومية، تبين أن نسبة من تعرضن له في وسائل النقل والمواصلات العامة وصلت لـ53.4 %.
رد الجهات المعنية
الناطقة الإعلامية لهيئة النقل البري د. عبلة وشاح، قالت في هذا الصدد إن "أي مخالفة لحافلات النقل العام أثناء المسير، تدخل ضمن قانون السير، وفي حال تلقي الهيئة أي شكاوى من مواطنين حول مخالفة ما، يجري تحويلها لإدارة السير بعد التأكد والتحري من صحتها".
وأوضحت الوشاح، أن "دور الهيئة يكمن بتنظيم قطاع النقل من حيث العمر التشغيلي لأي وسيلة نقل، ومواصفاتها ومواصفات السائق وكفاءته".
فيما اكتفى الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام العقيد عامر السرطاوي بالرد على الأسئلة التي وجهتها "الغد" حول تجاوزات سائقي الحافلات، بأن العدد المسموح به للركاب في الباص، وعدد المخالفات التي يجري توجيهها لهم من دائرة السير، بأنه في حال جرى تلقي شكاوى من ركاب، يحدد موقع الحافلة المخالفة وخط عملها، ثم تمرر المعلومات للمباحث المرورية لمتابعتها وتشديد الرقابة عليها، فضلاً عن أن إدارة السير تستقبل الشكاوى المصورة من المواطنين على رقم شكاوى إدارة السير المخصص.
يتكرر هذا المشهد في مختلف أوقات اليوم، ومن نتائجه مثلا، أن تجلس ثلاث فتيات على مقعد حافلة يتسع لراكبين، أو حشر الأعداد الزائدة للركاب في وسط ممر الحافلة، كل ذلك من دون أي وسيلة تنظيمية للركوب، أو حماية للركاب. فالسائق لا يأبه إذا ما جعل جوف حافلته "علبة سردين" كما يعلق الركاب عادة.
لا يتوقف الأمر عند هذا المشهد المؤذي الذي تتخله أفعال تحرش بالنساء من ذوي نفوس مريضة، أو التسبب بإيذاء بعض الركاب من كبار السن، ناهيك عما قد يسببه هذا النوع من التدافع للحصول على مقعد، من مشاكل أخرى.
كما تعرّض الحافلات ذات الحمولات الزائدة، الركاب لحوادث ينجم عنها إصابات متنوعة، قد تصل إلى حد الوفاة، ناجمة عن أعطال مسكوت عنها في الحافلة، أو أن صلاحية الحافلة غير مناسبة لمثل هذه الأعداد الزائدة، وعادة ما تكون صلاحية هذه الحافلات وغالبيتها لا تتبع برامج الصيانة الدورية، أدنى من المواصفات المطلوبة، فبمجرد دعسة "بريك" مفاجئة يقدم عليها سائق الحافلة، وغالبا يتوقف السائقون لحمل ركاب إضافيين من الطرق، أو عند التفاف السائق بالحافلة على نحو مباغت وبسرعة زائدة، تصبح حياة الركاب تحت رحمة السائق والحوادث الخطرة.
وحسب أحدث احصائية للأمن العام لسنة 2023، تعمل في المملكة 23522 حافلة ركوب متوسط (أي الحافلة المصممة لنقل عدد محدد من الأشخاص، يزيد على 9 ولا يزيد على 30 شخصاً، بمن فيهم السائق)، موزعة على المحافظات كافة، وقد بلغ عدد التي تسببت منها بحوادث نجم عنها إصابات بشرية 428 حافلة.
كما أن ازدحام الركاب في هذه الحافلات على نحو مبالغ فيه، وفرض إغلاق الستائر عليهم في محاولة من السائقين للتهرب من دوريات السير، الى جانب وضع إضاءة خافتة أحيانا في الحافلة، كلها عوامل تسهم بزيادة نسب حالات التحرش من كلمات وعبارات وحركات غير لائقة، كوضع اليد على الكتف، أو الالتصاق أو الاحتكاك بأجساد النساء والفتيات من أشخاص لا وازع أخلاقيا عندهم، أو ممن يغلقون غالبا ممر هذه الحافلات الأوسط جراء الازدحام، ما يسبب للإناث اللواتي يستخدمنها، شعورا بعدم الراحة والأمان.
الأجرة أولا.. وحياة مرتهنة للحظ
"بريك مفاجئ تسبب لي بقطع في الأربطة وكسر في عظمة صابونة الركبة، وقرار حرمان من إحدى المساقات الدراسية". يروي محمد (اسم مستعار) قصة حادثة تعرض لها العام الماضي أثناء عودته لمنزله، حين سقط أرضاً في إحدى الحافلات (نوع كوستر) تعمل على خط عمان - عجلون، إذ كان سائقها قد ضاعف حمولتها بزيادة عدد الركاب الذي تجاوز المسموح به.
"الباص محمل ركاب زيادة، لما الشوفير يضرب بريك مفاجئ، ما بتعرف شو مصيرك"، يصف الطالب محمد ظاهرة الحمولة الزائدة التي يعاني منها مستخدمو حافلات النقل العام في الأردن، وعلى إثر احداها، تعرض لإصابة في قدمه، وبقي لثلاث أشهر تحت العلاج، ما تسبب بقرار من الجامعة حرمه من مساق دراسي، لغياباته المتكررة طوال فترة العلاج.
وحسب إحصائية الأمن العام، سجل كانون الأول (ديسمبر) أعلى عدد من الإصابات بين ركاب حافلات "الكوستر"، بـ15 إصابة متوسطة، و7 بليغة وبسيطة. كما سجلت الفترة بين الساعة 8:00 و9:59 صباحا 5 وفيات، و5 إصابات بليغة، و18 متوسطة، و27 بسيطة.
كاميرا "الغد" وثقت تدافع ركاب حافلة تعمل على خط عمان - إربد، بعد انتظار دام لأكثر من نصف ساعة على مقدم حافلة، سرعان ما امتلأت بالركاب على نحو مبالغ فيه، ومن لم يجد مقعدا فيها، اضطر للوقوف في ممرها طوال الطريق الذي يستغرق وقتا يصل لنحو ساعة ونصف الساعة.
تقول لجين (اسم مستعار) لـ"الغد"، إنها شهدت خلال ركوبها في حافلة تعمل خط عمان - إربد ذات مرة، إن حمولة الحافلة الزائدة تعدت الـ11 راكبا إضافيا، وقد كان هناك راكب أيضا يجلس في موقع غير مخصص للجلوس، يقع بجانب مقعد السائق، يطلق عليه الركاب اسم "اللوج"، وهو بدون مسند أو وسيلة حماية، والمسافة بينه وبين الزجاج الأمامي اقل من 25 سم، وبسبب التحويلات على طريق عمان - إربد، وإثر شدة دعسة "بريك" مباغتة، اندفع الراكب هناك ليصطدم بزجاج الحافلة الامامي، ما تسبب له بكسر في الجمجمة وإصابات في أنحاء جسده.
وعلى نحو عام، سجلت مدينة إربد 6 إصابات متوسطة لركاب حافلات و27 بسيطة، حسب الإحصائية الأمن العام.
السائق و"الكنترول" غير مبالين
في مقابلة هاتفية أجرتها "الغد" مع مساعد سائق باص (كنترول)، وهو يعمل منذ أربع سنوات في حافلة نقل عام بالعاصمة، أكد فيها أن استمراره بتحميل الركاب برغم امتلاء الحافلة، يحدث بإرادته هو، ومن دون أي ضغط يمنعه السائق فيه من الحمولة زائدة، لافتا الى أنه جراء الحمولة الزائدة، وبعد دعسة "بريك" مباغتة، اصطدم الراكب بباب الحافلة بقوة، ما أدى لكسر في أنفه، وبرغم خطورة الإصابة وأثرها على الشاب، لكن "الكنترول" علق بقوله "هذه إصابة عادية حتى لو انكسر أنفه، حادث مش مهم".
من جهته، برر أيمن الأحمد سائق حافلة تعمل على خط عمان -البقعة، ارتكاب سائقين مخالفات بمضاعفة عدد ركاب حافلاتهم وتعريضهم لهم للخطر، بأن الزيادة وعدم المبالاة بالركاب، تعود لتدني دخولهم، مقابل حجم التزاماتهم، اذ يترتب عليهم شهريا اقتطاع قسط الضمان الاجتماعي شهريا منهم، وتعبئة الحافلة بالوقود يوميا، الى جانب تكاليف صيانتها دوريا.
وقال الأحمد، إن واحدة من أسباب الإصابات الخطرة للركاب، عدم رؤية سائق الحافلة أحيانا للركاب الذين ينزلون في المواقع التي يصلونها، لانه لا يستطيع أن يراقبهم عن طريق مرآته الداخلية جيدا، جراء وقوف الركاب الزائدين في ممر حافلته، ما يجعله يظن بأن الراكب قد خرج منها، بينما هو ما يزال على عتبة بابها او عند طرف منه وعلى وشك الخروج.
منال (اسم مستعار) الحامل في شهرها الخامس، ما أن توقفت الحافلة لصعودها إليها، لم ينتظر السائق ليتأكد من أنها صعدت للحافلة، ولم يراقب المرآة، لينطلق متحركا ظنًا منه أنها اتخذت مكانا في الحافلة المحشوة بالركاب، لكنها فعليا كانت تحاول الثبات في ممر الحافلة، لذا كانت عملية تحريكه للباص مباغتة لها، فتسبب بسقوطها أرضا، لتمضي بعدها فترة طويلة طريحة الفراش تحت العلاج.
وحسب الاحصائية، فقد بلغ عدد سائقي الفئة الخامسة المخولين بقيادة هذا النوع من الحافلات المسجلين حتى نهاية العام الماضي 9052، وعدد المشتركين بحوادث تسببت بالإصابات للركاب 901.
"نزل راسك وسكر البرادي.. رقيب السير قريب"
وفي حافلة عاملة على خط بمحافظة البلقاء، كان سائقها قد حشر فيها أكثر من 30 راكبا، عندما حرك حافلته، طلب "الكنترول" من الركاب، إغلاق نوافذ وستائر الحافلة عند المرور قرب دورية سير أو رقيب سير، بطريقة فجة، من دون اعتبار الى ان ذلك قد يؤدي لضغط جو الحافلة، ونقصان في الاكسجين.
يقول حمزة أحمد (اسم مستعار)، أنه لاحظ بعد مضي عشر دقائق من إغلاق النوافذ والستائر بأمر الكنترول وإلحاحه وكلماته الفجة، فتاة من الركاب في حالة ضيق شديد، لأنها تعرضت لضيق تنفس: "انخنقت وما كانت قادرة تحكي، أصابعها متشنجين.. كلها متشنجة، لان كنترول الباص والسائق رفضا فتح الشباك والبرادي للتهوية عند مرورهم قرب دورية سير".
وكانت محافظة البلقاء قد سجلت 5 وفيات لركاب حافلات، و4 إصابات بليغة، و16 متوسطة، و6 بسيطة. كما سجلت العاصمة 38 إصابة بسيطة، حسب الإحصائية.
وفي حالة أخرى، أجبر سائق ركابا زائدين في حافلته، على النزول منها لإكمال الطريق مشيا، لحين تجاوزه دورية سير. وهذا ما حدث مع صقر الذي يدرس بجامعة مؤتة في محافظة الكرك، فأثناء ذهابه للجامعة، كانت الحافلة تحمل أكثر من 35 راكبا، فطلب سائقها و"الكنترول" منه ومن الزائدين في الحافلة إكمال الطريق مشيا حتى يصلوا لإحدى الإشارات بعد تجاوز دورية السير، وهناك توقفت الحافلة.
الحمولة الزائدة.. تدهور وفقدان سيطرة
وفي نموذج آخر لعدم المبالاة، فإن فقدان السيطرة على سرعة حافلة تعمل في العاصمة، وعدم قدرتها على الوقوف التام، أدى لاصطدامها بمركبة طالب في الجامعة الأردنية من أصدقاء أحمد خلدون، وقد تسبب هذا الحادث بتدمير الجزء الأمامي للحافلة بالكامل، وايقاع إصابة بليغة في كتف صديقه ويده، وهو ما يزال منذ سنة ونصف وإلى اليوم يخضع لعلاج طبيعي.
وحسب الإحصائية، شكل خطأ فقدان السيطرة أثناء القيادة نسبة 0.8 % عند السائقين المسببين للحوادث، كما سجلت مثل هذه الحوادث 90 إصابة بسيطة، و113 متوسطة، و15 بليغة، 12 وفاة، بينما شكلت الوفيات الناجمة عن حوادث تدهور 6.6 % من مجموع الوفيات، في حين وصلت نسبة الاصابات البسيطة 17.9 %، والمتوسطة 11.9 %، أما البليغة فسجلت 13.7 % من مجموعها.
حافلات بلا كفاءة فنية
الخبير التقني في مجال الحافلات حبيب الصلاحين، قال إن "الوزن الزائد يؤثر على كفاءة عمل فرامل أي مركبة، ومواصفاتها ترتبط على نحو دقيق بالحمولة، فعند تجاوز الحد الأقصى للحمولة، يفقد السائق سيطرته بتخفيف سرعة حافلته كما هو مطلوب، إذ تحتاج لوقت أطول حتى تتوقف وقوفا تماما".
وأضاف الصلاحين، هناك حمولة قصوى لكل حافلة، فإذا جرى تجاوزها سيؤثر ذلك على سلامتها وعمرها التشغيلي، لذا، قد تسبب الحمولة الزائدة بضعف المحرك وعدم كفاية العزم الخارج منه لتحريكه، ما يزيد من استهلاك الوقود؛ بسبب شعور السائق بضعف قوة المركبة، وهذا يجعله يضغط أكثر على دواسة البنزين".
"الكوستر".. لا أمان للفتيات
"الشب استغل إنه الباص مليان، وما حدا شايفه، وتحرش فيها"، هذه حالة تحرش وصفتها ميس (اسم مستعار)، جرت وقائعها أمامها في حافلة تعمل على خط عمان - الزرقاء، رأت فيها شابا تحرش بسيدة تحمل طفلها الرضيع بحضنها، وتجلس في مقعد يجلس فيه راكبان آخران بجانبها، وسرعان ما صرخت محتجة على من تحرش بها، فطلبت من السائق التوقف لتنزل من الحافلة، وبرغم وجود مركز أمن على الطريق، لكن لم يتوقف السائق للاشتكاء على المتحرش، "لازم اشتكوا عليه، بس ما كان في أي ردة فعل من السائق والركاب"، قالت ميس.
"الغد" توثق ميدانيا
بالـ"فيديو" نفذت "الغد" عدة رحلات باستخدام حافلات نقل عام، شملت عدة مناطق. وفي إحداها، تحركت حافلة تعمل على خط عمان – السلط، محشوة بأكثر من 44 راكبا (40 فتاة، 4 شباب، من ضمنهم السائق والكنترول). وخلال مسير الحافلة، كان السائق يتحرك في طرق فرعية، تهربا من دوريات شرطة السير، فيما ستائر ونوافذ الحافلة مغلقة، بتنبيهات سمجة يطلقها "الكنترول" للركاب، بينما الإضاءة خافتة، الى جانب اضاءة ملونة خفيفة تنبعث من سقف الحافلة، وصوت موسيقا وأغان مرتفع جدا ينبعث من آلة التسجيل، كأن الحافلة كازينو، ومن يعترض يرد عليه "الكنترول" بوقاحة: "إذا مش عاجبك بنزلك بنص الطريق".
وفي موقف مشابه للسابق، قالت نور (اسم مستعار) إنه في إحدى رحلاتها على حافلة تعمل على خط الجامعة الأردنية - السلط، جلست خمس فتيات بجانب كرسي السائق، وعندما اعترضت إحداهن على الجلوس هناك، رد عليها "الكنترول" بعبارات نابية منها: "عادي.. اقعدي جنبه، مهو قرفان يلي عنده".
وفي دراسة أجريت حول ظاهرة التحرش في الأردن خلال العام 2017، على عينة قوامها 2875 طالبة من الجامعات الحكومية، تبين أن نسبة من تعرضن له في وسائل النقل والمواصلات العامة وصلت لـ53.4 %.
رد الجهات المعنية
الناطقة الإعلامية لهيئة النقل البري د. عبلة وشاح، قالت في هذا الصدد إن "أي مخالفة لحافلات النقل العام أثناء المسير، تدخل ضمن قانون السير، وفي حال تلقي الهيئة أي شكاوى من مواطنين حول مخالفة ما، يجري تحويلها لإدارة السير بعد التأكد والتحري من صحتها".
وأوضحت الوشاح، أن "دور الهيئة يكمن بتنظيم قطاع النقل من حيث العمر التشغيلي لأي وسيلة نقل، ومواصفاتها ومواصفات السائق وكفاءته".
فيما اكتفى الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام العقيد عامر السرطاوي بالرد على الأسئلة التي وجهتها "الغد" حول تجاوزات سائقي الحافلات، بأن العدد المسموح به للركاب في الباص، وعدد المخالفات التي يجري توجيهها لهم من دائرة السير، بأنه في حال جرى تلقي شكاوى من ركاب، يحدد موقع الحافلة المخالفة وخط عملها، ثم تمرر المعلومات للمباحث المرورية لمتابعتها وتشديد الرقابة عليها، فضلاً عن أن إدارة السير تستقبل الشكاوى المصورة من المواطنين على رقم شكاوى إدارة السير المخصص.
0 تعليق