"البوليميا".. رحلة شاقة وخطرة نحو صورة الجسد المثالي

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان– خلف الوجوه المبتسمة والمزاح وخفة الدم التي يراها الكثيرون، يعيش بعض الأفراد صراعا داخليا صامتا مع أنفسهم. هذا الصراع يتمثل في اضطراب خطير يعرف بالشره المرضي العصبي، أو "البوليميا".اضافة اعلان
ورغم أن مظهر الجسد قد يبدو طبيعيا لدى البعض، إلا أنه يخفي معركة داخلية مريرة بين الإفراط في تناول الطعام بشراهة والرغبة الملحة في التخلص منه سريعا. وكأنهم في سباق مستمر مع الزمن، يسعون فيه جاهدين للوصول إلى صورة مثالية للجسد، فرضها عليهم المجتمع وأيضا ساهمت فيها مواقع ومنصات التواصل.
ابنة الثالثة والعشرين عاما نور تروي قصتها مع الشره المرضي، وكأنها تروي قصة شخص آخر. فتقول: "لم أكن أعتقد أنني سأكون واحدة من هؤلاء الذين يمرون بهذا النوع من الاضطرابات، كل شيء بدأ عندما كنت في المدرسة الثانوية، كنت أتناول كميات كبيرة من الطعام في لحظات التوتر، ثم أشعر بالذنب الفظيع بعد ذلك كنت أهرع إلى الحمام وأجبر نفسي على التقيؤ، في البداية كنت أعتقد أن هذا مجرد سلوك عابر، لكنه أصبح عادة مستمرة كلما شعرت بالضغط أو الحزن".
نور ليست حالة استثنائية؛ فكثيرون يعانون من هذا الاضطراب، بينما ينظر إليهم أحيانا وكأنهم يحملون وصمة عار، أو أن بإمكانهم التخلص منه بسهولة لو أرادوا، وكأن الأمر اختيار وقرار شخصي.
من بين الشخصيات العالمية التي ارتبط اسمها بهذا الاضطراب، الأميرة ديانا، التي عانت طويلا من الشره المرضي العصبي ومن شعور بالدونية أثر على صحتها النفسية والجسدية. كذلك، أثيرت العديد من الأخبار حول إصابة نجمة هوليوود أنجلينا جولي بالاضطراب ذاته، خاصة بعد أن وصل وزنها إلى 35 كيلوغراما.
وتظهر الإحصائيات أرقاما مقلقة عالميا، حيث يعاني العديد من الفتيات المراهقات وحتى الرجال في منتصف العمر من اضطراب الأكل العصبي. هذا الاضطراب لا يتعلق فقط بالطعام، بل يعكس حالة نفسية معقدة.
توضح المعالجة النفسية عفيفة الشافعي، أن الشره المرضي العصبي هو اضطراب يتميز بنوبات متكررة من الإفراط في تناول الطعام، يعقبها شعور عارم بالذنب والخجل. هذا الشعور يدفع المصابين إلى التخلص مما تناولوه بطرق غير صحية، مثل التقيؤ القسري، استخدام الملينات، الصيام القاسي أو ممارسة التمارين الرياضية القاسية.
الشره المرضي ليس مجرد مشكلة تتعلق بعدم ضبط الشهية، وفق الشافعي، بل هو انعكاس لمشكلات نفسية عميقة، يتوجب البحث عنها ومعرفة مسببات اضطراب الشره، مبينة أن الأشخاص الذين يعانون من الشره المرضي غالبا ما يكون لديهم تاريخ طويل من عدم الرضا عن الذات وصورة جسد مشوهة في أذهانهم، أو الاكتئاب أو القلق، ويبدأ الأمر بمحاولة إنقاص الوزن أو تحسين المظهر، لكنه يتفاقم ليصبح اضطرابا نفسيا معقدا لا يمكن السيطرة عليه بسهولة.
وتشير الشافعي إلى أن العلاج النفسي السلوكي من أهم مراحل العلاج للكثير من الاضطرابات، وخصوصا بمرحلة علاج تكاملية مع المختص النفسي وخبير التغذية والأهل والأصدقاء لتجنب الضغط المجتمعي وصور الجسد المثالي أو الطبيعي، حتى وإن كان من باب الخوف على الشخص، إلا أن هذا الضغط يسهم بشكل كبير في زيادة هذه الحالات، خاصة بين المراهقين والشباب.
من جهة أخرى، تبين اختصاصية التغذية ربا العباسي أن تأثير الشره المرضي لا يتوقف عند الجانب النفسي، بل يتعداه ليصيب الجسم بأضرار خطيرة، فعندما يقوم الشخص بالتقيؤ المتكرر، يتعرض الجسم لنقص حاد في المعادن مثل البوتاسيوم والصوديوم، ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات قلبية خطيرة.
وتؤكد أن حمض المعدة الذي يلامس الأسنان بشكل متكرر يؤدي إلى تآكل طبقة المينا، مما يجعل الأسنان ضعيفة وعرضة للتسوس والتكسر، مضيفة أن المصاب بالشره المرضي غالبا ما يعاني من سوء تغذية مزمن، حيث لا يحصل جسمه على الفيتامينات والمعادن الضرورية، فالأشخاص المصابون بهذا الاضطراب يعانون من تساقط الشعر، ضعف المناعة، هشاشة العظام، وحتى مشاكل في الجهاز الهضمي بسبب الاستخدام المفرط للملينات.
ووفق دراسة نشرت للجمعية الألمانية للتغذية، فإن هذا الاضطراب يتسم بنوبات ‫متواترة من الإفراط في الطعام تسمى نوبات الأكل الشره، تتبعها تصرفات ‫تعويضية يُشار إليها بـالتطهير أو التفريغ.
‫وأكثر النماذج شيوعا من هذه التصرفات لدى الأشخاص المصابين بمرض الشره ‫العصبي هو التقيؤ الذاتي (أي الذي يسببه الشخص لنفسه) والصوم واستخدام ‫الملينات والحقن الشرجية والأدوية المدرة للبول، كما تعد الرياضة ‫المفرطة من العلامات الشائعة أيضا.
التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني توضح أنه رغم كل هذه التحديات، فإن الأمل ما يزال قائما، مؤكدة أن علاج الشره المرضي يتطلب تعاونا متعدد التخصصات، فالعلاج لا يقتصر على جلسات التغذية أو العقاقير الطبية، بل يجب أن يكون هناك برنامج متكامل يشمل العلاج النفسي السلوكي، الذي يساعد المصاب على التعامل مع مشاعره وتغيير نمط التفكير السلبي تجاه جسده.
وتوضح أن العلاج السلوكي المعرفي هو أحد أنجح الطرق المستخدمة لعلاج هذا الاضطراب، من خلال الجلسات النفسية، تساعد المصاب على فهم الأسباب التي تدفعه إلى الإفراط في الأكل، وتوجهه إلى طرق صحية للتعامل مع الضغط والتوتر تدريجيا، يبدأ المصاب في إدراك أن قيمته ليست مرتبطة بجسده فقط، بل بشخصيته وإنجازاته.
وأخيرا، تؤكد الكيلاني أن الشره المرضي العصبي ليس مجرد اضطراب غذائي، بل هو صراع نفسي عميق يحتاج إلى تفهم ودعم. من خلال زيادة الوعي بهذا المرض، ومنح المصابين فرصة للتحدث والبحث عن المساعدة، يمكنهم من كسر دائرة الصمت التي تحيط بهم وفتح نافذة جديدة نحو التعافي والحياة الصحية.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق