يأتي كتاب “رسائل يحيى حقي إلى ابنته” كواحد من أبرز الكتب التي تتناول علاقة الأب بأبنائه، حيث يتناول الجوانب الإنسانية في حياته، ليؤرخ لشخصية واحد من كبار المبدعين، فنزداد معرفة به، باعتبار أن الجانب الإنساني قد يلقي الضوء على أدبه واختياره لموضوعاته وكيفية معالجته لها ورؤياه الفنية.
ويفسر الكتاب شخصية يحيى حقي للقارئ خاصة، إذا كان نفسه يمثل كتابًا خاصًا للسلوكيات الخاملة بكل القيم والمعاني الإنسانية النبيلة، فضلًا عن أنه كان معلمًا لكل المبدعين وأبا لكل الأدباء.
يأتي الكتاب بمقدمة صاحب نوبل "نجيب محفوظ" والتي يسرد فيها بداية تعرفه على يحيى حقي حيث يقول “تعرفت على الأستاذ يحيى حقي أديبا مبدعا حين قرأت له قنديل أم هاشم سنة 1954م، ولكنه كان يكتب قبل هذا التاريخ لأنه من مؤسسة القصة القصيرة في مصر والعالم العربي”.
ويذهب محفوظ ليؤكد أن أول معرفة مباشرة بيحيى حقي كانت في نادي القصة، وكان ممن يدعوهم وآخرين إلى بيته حيث يقيمم أولا في الزمالك / ويحاضر عن الأسلوب ودقته والأشياء التي اهتم بها في حياته، ويختم مقدمته "أما حياته فقد كانت بالنسبة لي ثروة كبيرة وكانت وفته خسارة أكبر".
يتميز أسلوب حقي في هذه الرسائل بالتلقائية والعفوية، وكأنك تقرأ حوارًا حيًا يجمع بين الأب والابنة، لكنه في الوقت ذاته يحتفظ بجماليات اللغة الأدبية التي تعكس روح الكاتب وشخصيته، يحيى حقي هنا ليس فقط الأب، بل الحكيم والصديق والمُلهم.
ويكشف الكتاب تفاصيل لم تروى من قبل عن حياة حقي، فرحيل زوجته عقب ولادتها بفترة قصيرة كان له أكبر الأثر في حياة حقي حيث يقول "تركت نفسي في حسرة لا تنقضي".
يسرد الكاتب الصحفي والمؤرخ الثقافي إبراهيم عبد العزيز رحلة حقي بعد ذلك "كأنما أراد الله أن يعوض يحيى حقي عن زوجته بابنتهما نهى التي جاءت تسميتها على الطريقة التي كانت تتبعها أم يحيى سيدة في تسمية معظم أبنائها.
ويسرد الكتاب كيف اقتربت نهى حقي إلى كبار رجال الأدب والثقافة في مصر، كيف كانت وهي طفلة تستمع إلى أحادديث عباس محمود العقاد ونجيب محفوظ وغيرهم.
ومن رسائل يحيى إلى ابنته والتي نستكشف منها مدى رقة وعذوبة وجمال سلوكه تجاه ابنته، وكيف يشاركها يومياته وحياته ليعرفها كيف تواجه الدنيا.
بنتي الحبيبة نهى
الدنيا حر جدا هنا
فكيف الحال عندكم؟ هل ذهبت للبحر وهل أخذت حماما؟ ومن الأصحاب والأصدقاء الذين رأيتيهم في الإسكندرية؟
ليس عندي أخبار كثيرة غير إن جوز الحمام اللي عندى الذكر اختفى منذ مدة ولا نعلم هل هو حي أم ميت والست بتاعته فضلت وحدها وكانت راقدة على بيضة واحدة فكسرتها وبعد كام يوم طارت هي كمان واختفت افتكرنا حد من الجيران خطفها وفتشنا صفائح الزبالة يوم العيد اللى كل الناس تأكل فيه لحمة ولا تأكل حمام ولا فراخ فلقينا عظام صدر حمامة في صفيحة الزبالة، قلنا لازم هم اللى أكلوها، كانوا في البيت عاوزين منى أعمل خناقة لكن أنا صهينت، بعد كام يوم بصينا لقينا الحمامة رجعت قفلنا عليها القفص لكن صعبت علينا وفتحناه لها فطارت، هل أصبح لها بيتان؟ هل وجدت زوجا جديدا، هل ستعود إلينا؟ الله أعلم
أقبلك ألف قبلة
0 تعليق