حنان الخلفان
ليالي المحرق، ذلك الحدث العظيم الذي يُعيد إحياء تراث البحرين ويضعه في إطار حديث، جذب الجميع من كل الأعمار، عكس روح المحرق العريقة في أبهى صورها، في كل زاوية من أزقتها التاريخية، تنبعث الذكريات، حيث تتداخل أصوات الماضي مع همسات الحاضر، مشكّلة لوحة فنية متكاملة تحمل عبق التراث وألوان الحداثة، تأتي هذه الليالي ضمن احتفالات مملكة البحرين بأعيادها الوطنية، لتجسّد مكانة المحرق كقلب نابض للحياة الثقافية والتراثية في البلاد.
ما يميز ليالي المحرق هو التنوع الكبير في الفعاليات المقدّمة، يمكن للزوار أن يتنقلوا بين سوق القيصرية التاريخي، حيث تتجسّد عبقرية الحرفيين البحرينيين، والبيوت القديمة التي تستضيف معارض فنية تعكس التوازن بين الأصالة والحداثة. كما أن الأنشطة الموسيقية والعروض الحية تضيف بُعداً ترفيهياً يزيد من جاذبية المهرجان. في الوقت ذاته، توفر هذه الفعاليات فرصة لتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الروابط المجتمعية.
أما القرية التراثية، التي تُعدّ جزءاً من هذا الاحتفال الكبير، تأخذ الزوار في رحلة إلى الماضي، مع الفرق حيث يمكنهم التفاعل مع مظاهر الحياة البحرينية الأصيلة، من حرف يدوية مثل صناعة الفخار والنسيج إلى الألعاب الشعبية التي كانت يوماً ما جزءاً من يوميات الأجيال السابقة. هذه القرية ليست مجرد استعراض للتراث، بل هي منصة تعزز من التواصل بين الأجيال، حيث يجد الكبار متعة في استرجاع ذكرياتهم، بينما يتعلم الصغار قيماً وثقافات ربما لم تكن مألوفة لديهم.
وتُكمل فعالية "ريترو المنامة" هذا المشهد الاحتفالي، حيث تقدّم تجربة استثنائية تُعيد الزوّار إلى أجواء العاصمة البحرينية في حقب زمنية مختلفة. هذه الفعالية، التي أطلقتها هيئة البحرين للسياحة والمعارض بحملة تسويقية مبتكرة، حققت نجاحاً كبيراً في جذب الجمهور من كافة الأعمار. مع عروضها الموسيقية والأزياء الكلاسيكية والألعاب التقليدية، تُبرز "ريترو المنامة" جانباً آخر من التراث البحريني، لكنها تضعه في سياق عصري يلبّي تطلعات الزوار الباحثين عن تجربة تجمع بين الماضي والحاض، والتي من المؤكد سأزورها يوماً.
يُظهر هذا التنوع في الفعاليات حرص مملكة البحرين على تقديم تجربة ثقافية متكاملة خلال أعيادها الوطنية. سواء أكنت تتجول في أزقة المحرق، تستمتع بالمأكولات الشعبية في القرية التراثية، أو تشارك في الأنشطة الفنية في "ريترو المنامة"، ستشعر بروح البحرين التي تجمع بين التراث والحداثة في تناغم فريد.
وبصراحة.. ليالي المحرق والقرية التراثية ليستا مجرد مناسبتين للاحتفال، بل هما رسالة تحمل معاني الانتماء والاعتزاز بالهوية البحرينية. هما دعوة للتمسّك بالجذور الثقافية واستلهامها لتكون أساساً للإبداع والتطوير. في كل لحظة من هذه الفعاليات، تُعبّر البحرين عن نفسها كدولة تحتفي بماضيها وتفتح أبوابها على المستقبل، مؤمنة بأن التراث هو الجسر الذي يربط الأجيال ويوحّد القلوب، هكذا تبقى ليالي المحرق والقرية التراثية رمزاً حياً لروح البحرين المتجددة.
0 تعليق