هل يمضي تأسيس الجيش بسلاسة في ظل الاختلافات الفصائلية بسورية؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
سورية- لم تكن فصائل المعارضة السورية يوما على الدرجة نفسها من المرجعية الفكرية أو الارتباطات الخارجية، مما يطرح تحديات جوهرية في كيفية دمج قوات ذات مرجعيات فكرية وأيدولوجية مختلفة.اضافة اعلان
وفي الحالة السورية ثمة فصائل ذات مرجعية إسلامية مثل "فيلق الشام" و"حركة أحرار الشام"، وفصائل قومية مثل "فرقة السلطان مراد"، وتنظيمات ذات هوية مناطقية وعشائرية مثل "جيش الإسلام" الذي ينحدر معظم مقاتليه من الغوطة، وأخرى ذات نزعة عرقية مثل المليشيات الكردية "قوات سورية الديمقراطية".
وتكشف خريطة قوى المعارضة المسلحة التي لم تحضر اجتماع دمشق السبت قبل الماضي عن أحد أهم التحديات التي ستواجه مسار الدمج. فقد غابت فصائل الجيش الوطني الأشد قربا من تركيا مثل قائد فرقة "العمشات" محمد الجاسم أبو عمشة، وقائد فرقة "السلطان مراد" فهيم عيسى. ومن فصائل درعا في الجنوب السوري، غاب قائد "اللواء الثامن" أحمد العودة، الذي سبق أن التقى الشرع في دمشق بعد الانتصار، وقدّم تعهدا شفهيا بالانخراط بوزارة الدفاع الجديدة، وبطبيعة الحال لم تحضر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي ما تزال تسيطر عسكريا على مساحات واسعة في شرق سورية.
وفي حين من المحتمل أن ينجح القائد العام للادارة السورية الجديدة أحمد الشرع باستخدام مزيج من سياسات العصا والجزرة في إقناع أو إجبار العديد من الفصائل الصغيرة والمناطقية للاندماج، إذ ربما يجد قادتها وعناصرها فرصة ذات معنى في الالتحاق بالوزارة الجديدة من حيث تأمين مواقعهم ضمن بنية الدولة، وتفادي أي صدامات لم يعودوا مستعدين لها بعد سنوات طويلة من التعب المستمر، فإن فصائل أخرى لن يكون اندماجها بهذه الدرجة من السهولة، وبالأخص قوات (قسد)، وفصائل الجيش الوطني، وكذلك الفصائل المرتبطة بالقوات الأميركية مثل "جيش سورية الحرة"، فضلا عن فصائل درعا التي يعتقد أنها ما زالت تربطها علاقات خارجية بالقوى الإقليمية التي أدارت غرفة عمليات "الموك".
ولذا رجح تقرير صادر عن مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الإستراتيجية والأمنية أن يكون الموقف التركي من جهود دمج الفصائل عاملا أساسيا في تشكيل مشهد الأيام المقبلة، فإذا سعت أنقرة للحفاظ على فصائل الجيش الوطني السوري بوصفها أدوات للضغط العسكري المستمر على قوات سورية الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة ويقودها الأكراد في مناطق رئيسة مثل كوباني وشمال شرق البلاد، فسيكون احتمال اندماجها ضئيلا، كما سيعطل من جهة أخرى اندماج قوات قسد.
ومن المرجح أيضا أن تنتظر قوات سورية الديمقراطية (قسد) قدوم الإدارة الأميركية الجديدة حتى تتضح بشكل أخير نية الرئيس دونالد ترامب بشأن استمرار دعمها أو سحب القوات الأميركية من المنطقة، ومن جانب آخر فسّر مراقبون غياب أحمد العودة عن اجتماع دمشق بتردد جهات إقليمية داعمة له تجاه التفاعل الإيجابي مع المشهد السوري الجديد.
ويرفع التحول السريع في مناطق النفوذ والسيطرة من حجم الاحتياجات الأمنية للسلطة الجديدة، ويتطلب منظومة جديدة قادرة على تلبية تلك الاحتياجات وتحقيق الاستقرار والأمن. فقد كانت قوات نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية والقوات الروسية تسيطر على نحو 63 % من إجمالي الأراضي السورية منذ 2020، مقابل 11 % لجميع قوات الثورة في الشمال وحتى في الجنوب بمنطقة التنف، بينما كانت تسيطر قوات سورية الديمقراطية على نحو 25 % من الأراضي.
أما بعد نجاح عملية "ردع العدوان" في دخول حلب وحمص وحماة والعاصمة دمشق والساحل وحتى الجنوب مع الحدود الجنوبية انقلبت لأكبر نسبة سيطرة تقارب 71 % من إجمالي الأراضي السورية، فيما ارتفعت مساحة المليشيات الكردية (قسد) إلى نحو 28 % بعد دخولها عدة مناطق كان يسيطر عليها نظام بشار الأسد وخسارتها مدينة منبج.
إلى جانب ذلك تلعب الاحتياجات الأمنية الداخلية دورا كبيرا في بداية أي مرحلة انتقالية، ولا تقتصر تحديات البناء على وضع تصور لشكل المؤسسة العسكرية والأمنية التي يجب تأسيسها، بل في التوافق على الرؤى والتصورات بشأن التهديدات التي تعمل المؤسسة الأمنية على مواجهتها، سواء كانت تهديدات داخلية أو خارجية، وضبط استخدام العنف وفقا للتوجهات التي يضعها المستوى السياسي الأعلى في البلاد.
وفي حالة سورية الجديدة، وحتى إذا لم يكن ثمة تهديدات أمنية ملحة في البداية ويسود الاستقرار الأمني في المدن الكبرى والمناطق التي دخلتها قوات غرفة عمليات "ردع العدوان"، فيمكن وصف ذلك بأنه "استقرار مؤقت"، حيث قد تعمل بعض الفصائل على بناء تحالفات مضادة أو تأسيس خلايا أمنية تستهدف فيها القيادات الثورية، وهو أمر غير مستبعد، وعليه فإن مرحلة الانتقال من نمط التنظيمات والجماعات إلى دولة تتطلب فترة زمنية طويلة وكافية، لتثبيت النظام السياسي ومؤسساته حتى تدخل الدولة في حالة استقرار دون وجود تهديدات وجودية.
على سبيل المثال، وبالنظر إلى أقرب الثورات التي نجحت في منطقة الشرق الأوسط في إسقاط نظام وتأسيس نظام آخر، سنجد الثورة الإيرانية مثالا بارزا، حيث واجهت الثورة تهديدات أمنية كبيرة في أول سنواتها، قتل فيها العديد من قادتها وتعرض الخميني لأكثر من عملية اغتيال فاشلة، فيما قتل رئيس الدولة محمد علي رجائي ورئيس وزرائها محمد جواد باهنر بتفجير نفذته منظمة "مجاهدي خلق" في آب 
(أغسطس) 1981، وسبقه أيضا تفجير قتل فيه آية الله محمد بهشتي رئيس السلطة القضائية مع 72 شخصية قيادية باستهداف مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في طهران أثناء انعقاد اجتماع للقيادة الإيرانية، وكان من بين القتلى وزراء الصحة، والنقل، والاتصالات، والطاقة، بالإضافة إلى 17 نائبا في مجلس الشورى، والعديد من المسؤولين الحكوميين الآخرين. إيران ليست المثال الوحيد، فهناك العديد من الأمثلة في أفريقيا وأميركا الجنوبية.
وإلى جانب التحديات الأمنية الصعبة التي من غير المستبعد أن تكتنف عمليات البناء، فثمة وقت طويل وعمليات تفاعلية معقدة ستحتاج إليها الفصائل حتى تستطيع الاندماج في بنية جيش نظامي، وفق عقيدة قتالية مشتركة وأنماط تدريب وتنسيق بين الوحدات والأفرع بشكل سلس وفعال، وفي غضون ذلك قد تحدث العديد من الخلافات حول التفاصيل الإجرائية والمواقع القيادية، مما يتطلب من القيادة السياسية والعسكرية الانخراط الدائم في حل تلك المشكلات.
ومن ثم يمكن القول إنه من المبكر الحكم على استقرار الأوضاع في سورية، خاصة في مدن الساحل، حيث ما تزال التركة الكبيرة التي تركها نظام الأسد خلفه حاضرة من المتعاونين مع الأجهزة الأمنية، الذين يمكن أن ينفذوا أدوارا سلبية خلال فترة الانتقال لصالح دول وأطراف إقليمية ودولية.-(وكالات)
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق